القاهرة 28 مايو 2024 الساعة 09:26 ص
بقلم: د. فكري النجار
المرأة ربيع الحياة الدائم، والحياة بدونها صحراء جرداء، إنها النغم الحلو الذي يُطْرِبُ كل أذن، والعطر الجميل الذي يجعل للحياة بهجة وسعادة. إنها منبع الحنان الصادق، إنها عالم رقيق شفاف رفاف، كل ما فيه جميل، إنها نصف المجتمع، والمشارِكة في صنع النصف الآخر. المرأة هي الأم الرؤوم، والزوج الوفية، والأخت المواسية، والابنة التي تقطر بالحنان، والعمة الودود، والمواطنة المخلصة المجاهدة في سبيل رفعة بيتها، وعلو شأن زوجها، ووضع أبنائها في أعلى منزلة في مجتمعها، حقًا: "وراء كل عظيم امرأة ".
والبيت بالنسبة للمرأة مملكتها.. كرامتها .. رشدها.. حياتها، إنه المجال الذي يتسع لتدبيرها، وينفسح لرغباتها، فرأيها فيه مسموع، وقولها نافذ، إنه عزها، ومجدها، وجنتها، وليس شيء في الدنيا يعدل الأمومة والبيت عند المرأة، مهما تقلدت أعلى المناصب، ومهما شغلتها الشواغل. إنه المصنع الذي تصنع فيه الحياة، وتربى فيه الأجيال والرجال.
والمرأة أقدر من الرجل على تربية أبنائها، ورعايتهم، بما حباها الله من صبر وحنان، وتحمُّل، وإذا كانت المرأة (الأم) صالحة صلحت رعيتها، وإن كانت غير ذلك لا تنتظر منا إلا ناشئة فاسدة، لا تنهض بمسؤولية، ولا يرجى منها خير:
الأمُ مدرسةٌ، إذا أعدَدْتَها أعْدَدْتَ شعبًا طيبَ الأعراق
إن للمرأة في حياتنا الإنسانية أهمية كبرى؛ إذ إنها تؤدي دورًا رئيسًا، وتشارك مشاركة فعالة في عملية التنمية على المستوى: الاجتماعي، والتعليمي، والتثقيفي، والاقتصادي، والسياسي، وإن شئت فقل: على المستوى الحضاري عمومًا. وإن التراجع الحضاري، أو الانقلاب الحضاري، أو الضياع الحضاري على حد تعبير جمال حمدان، يرجع إلى تهميش دور المرأة، والغفلة عن رسالتها السامية في الحياة، وسلب حقوقها. ولن يصلح شأن المجتمع إلا بصلاح المرأة .
لذلك كله، وغيره، أعلى الإسلام من شأن المرأة، ووضعها في المكان اللائق بها، باعتبارها مخلوقًا لطيفًا كريمًا يمثل عصب المجتمع الإنساني، وقد عمد الإسلام إلى ذلك، ليبنيَ المجتمع بناءً سليمًا، يمنعه من التردي، ويحول بينه وبين التعرض لأسباب الفساد. اقرأ - إن شئت - قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم: 21)، فالآية القرآنية تنطق بفطرة إنسانية عالية، تقوم على ضرورة المودة والرحمة بين الزوجين في الأسرة الرشيدة، كما سوّى القرآن الكريم بين الرجال والنساء في مسألة الاستخلاف في الأرض، وحمْل الأمانة الإلهية المتمثلة في العبادات والتكاليف الشرعية: كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغير ذلك. كما جعلها ترث كما يرث الرجل، قال تعالى : "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" (النساء: 32)، وقال : "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" (النساء: 7)، وجعل للنساء سورة في القرآن سميت سورة "النساء"، ولم يجعل ذلك للرجال.
وأما الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن ما أُثِرَ عنه في تكريم المرأة قولاً وفعلاً من الوفرة بمكانٍ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم" ، وقوله : "الجنة تحت أقدام الأمهات"، هذا، وتظهر عظمة الإسلام في تكريمه للمرأة حين ننظر إليها في الجاهلية؛ إذ نجدها منبوذة ومحقَّرة، لا ترث كما يرث البنون، يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "والله إنّا كنّا في الجاهلية لا نعد للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم"، وفى مسألة القصاص، نجد أنهم كانوا يقتلون قاتل الرجل فقط، هذا فضلاً عن أنهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء، مخافة العار أو الفقر!
والعالم كله يهتم بالمرأة في أيامنا هذه، ويرفعها إلى أعلى مكانة، ويسمح لها بممارسة جميع حقوقها، وبأن تتبوأ أعلى المناصب، ومن ذلك منصب رئيس الوزراء، أو منصب الوزيرة، أو المستشارة، أو القاضية، أو غير ذلك، وامتد هذا الاهتمام إلى تخصيص أيام لها كل عام: كاليوم الدولي للمرأة في الثامن من مارس، واليوم العالمي من أجل تنمية صحة المرأة في الثامن والعشرين من مايو، واليوم العالمي للفتاة في الحادي عشر من أكتوبر، واليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من نوفمبر. وقد سارت القيادة الرشيدة في الدولة المصرية الحديثة على هذا الطريق؛ فأولت المرأة عناية فائقة، ومكَّنَت لها في شتى المجالات، وضمنت لها حقوقها كافة.
وفي كلمته في احتفالية المرأة المصرية لعام 2024م قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: "أوجه تحية إجلال وتقدير لكل امرأة مصرية تسجل كل يوم في مختلف المجالات والميادين أسمى معاني العطاء والصبر والتضحية والكفاح؛ ساعية بكل إخلاص وجهد للحفاظ على أسرتها ووطنها؛ فالمرأة المصرية تظل دائمًا محورًا أساسيًا لأمن واستقرار المجتمع والوطن، ومصدر إلهام لا ينقطع عطاؤه".
ولا شك أن تعليم المرأة يسهم في رقى المجتمع، وزيادة الوعي لدى الأبناء، كما يسهم في حل كثير من مشكلاته القومية والأسرية، استمع إلى الشاعر معروف الرصافي، وهو يقول :
هــل يعلــــم الشـــــرقيّ أن حيــــــاته تعلو إذا ربّى البنات وهذّبا
وقضى لها بالحـــــق دون تحكُّم فيها، وعلّمها العلوم وأدّبــــــــــــا
فالشرق ليس بناهض إلا إذا أدنى النساء من الرجال وقَرّبا
واستمع إلى الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، وهو يقول:
إنمـا المـرأة والمرء سـواء في الجــدارة
علموا المرأة؛ فالمرأة عنوان الحضارة
يرفع الشعب فريقان: إنـــــاث وذكور!
وهــل الطــائر إلا بجناحيـه يطــــــــير؟
كما أنه يتحتم على المرأة العربية اليوم -وفي قابل الأيام- أن تمسح عن جفنيها فتور الكَرَى الثقيل الطويل، وأن تعمل على رقى مجتمعها، والنهوض به، في إطار الالتزام بتعاليم دينها، واحترام مبادئ مجتمعها، وألاّ تنساق وراء التيارات الغربية الوافدة علينا، والمنافية لتعاليم ديننا، أو تقاليد مجتمعنا، لتحمى نفسها، وتحمى مجتمعها من التردي في الهاوية؛ حتى تحمل مع الرجل عبء التراث الحضاري وعمارة الكون، ونستأنف من خلالها ومعها حضارتنا العربية الإسلامية الزاهية.
|