القاهرة 23 مايو 2024 الساعة 3:40 م
كتبت: نهاد إسماعيل المدني
تصوير:تامر النطاط
ضمن عروض اليوم الخامس لفعاليات الدورة الحادية والثلاثين للمهرجان الختامي لنوادي المسرح، "دورة الكاتب المسرحي الراحل د. علاء عبد العزيز"، استقبل مسرح السامر بالعجوزة، العرض المسرحي"سبع ليالي" لفرقة المنصورة المسرحية.
فكرة العرض الرئيسية تسلط الضوء على أن السبيل الوحيد للتغلب على المصاعب هو مواجهتها مواجهة قوية، وأن الإرادة تفعل المستحيل. تدور أحداث العرض في بيت قديم جميل تحيطه أشجار عالية يعيش فيه الجد والجدة، ويستمتعان بوجودهما بأحياء القاهرة في منتصف القرن الماضي ويرعاهما خادم وخادمة، ولكن لايشغل بال الجدة إلا فكرة انتظار حفيدها الغائب الذي طرده جده من البيت بسبب سلوكه المنحرف.
كانت الجدة تحن لرؤية حفيدها الوحيد، وزوجها لا يقدر على رؤيتها تذبل أمام عينيه، وتعيش بلا أمل، فابتكر طريقة لإسعادها، وهي إرسال رسائل تحمل اسم الحفيد الغائب. في هذه الرسائل يكتب أنه أصبح شاباً ناجحاً وودّع حياة اللهو. وهذا ما يعيد الحياة لتدب في أوصال الجدة، وتسارع في الرد على رسائل حفيدها، وتمر الايام ويبعث الحفيد رسالة تحمل خبر أنه سيعود هو وزوجته في صيغة مزيفة، لاتفاق الجد مع اثنين آخرين لتمثيل دور الحفيد وزوجته مستغلين عدد سنوات الغياب الطويلة، وعدم قدرتها على التفريق بين حفيدها الحقيقي وحفيدها المزور.
من هنا تبدأ مفارقات عدة في استعادة ذكريات مشتركة بين الجدة وحفيدها، فلا تلبث أن تقع زوجة الحفيد المزيف في حب زوجها المستأجر لأداء هذا الدور، وتصاب بالضعف والحب الشديد للجدة القوية والحازمة والعطوف في الوقت نفسه. في هذه الأثناء، يصل الحفيد الحقيقي من غيابه الطويل مطالباً الجد ببيع بيته من أجل سداد ديونه في كندا، مهدداً بفضح مسرحية الجد في تلفيق صورة حميدة عنه وعن زوجته المتخيّلة. لكن الجدة سرعان ما تكتشف في نهاية المطاف، وبعد 20 عاماً من الانتظار، أن الأمل الذي عاشت من أجله كان غير واقعي، وأن جميع الرسائل التي وصلتها من حفيدها كانت مزيفة ومن ترتيب الجد، وأن حفيدها الحقيقي بقي على حاله سارقاً ومجرماً. وهذا ما يدفعها إلى المواجهة، وإعلانها على الملأ أنه إذا كان لا بد من موتها، فإنها ستموت واقفةً كالأشجار، وهي صورة رمزية إلى قوة الإرادة، فالأشجار في العرض رمز للبشر الذين يثبتون أمام عواصف الحياة، حتى إذا انهزموا ماتوا وقوفاً على أقدامهم.
"سبع ليالي" مأخوذ عن نص "الأشجار تموت واقفة" للشاعر والكاتب الإسباني ألخاندرو كاسونا، دراماتورج صالح محمد صالح، رؤية وإخراج السعيد كامل السعيد، أشعار ومخرج منفذ يوسف بدران، إضاءة أحمد السمان، ملابس محمود عبد المعطي، إعداد موسيقي مصطفى مجدي، ديكور مجدي السنوسي، دعاية طارق السعدني، مكياج بسنت وليد.
شارك في بطولة العرض آية مصطفى، صالح محمد، مريم مصطفى، رما عماد، كريم السيد، أدهم البكري، والطفل بودي كامل.
حضر العرض لجنة التحكيم التي تضم كل من المخرج هشام عطوة رئيس اللجنة، والدكتور محمد سمير الخطيب، والدكتور حمدي عطية، والمخرج سامح مجاهد، والموسيقار أحمد حمدي رؤوف، المخرج محمد الطايع مقرر اللجنة.
وبعد العرض التقت مصر المحروسة بمخرج العرض. السعيد كامل الذي تحدث عن عرضه قائلا:
"سبع ليالي" عرض مأخوذ عن مسرحية " الاشجار تموت واقفة " رائعة الكاتب أليخاندرو كاسونا، ومعالجة مسرحية و دراماتورج/ صالح محمد صالح .. أولا أحببت السرد للنص المسرحي وطريقة الحوار و معالجة ألخاندرو كاسونا والتنقلات بين الواقع و الخيال.. وأردت أن أقدم العرض في قالب مصري ليكون أقرب للجمهور وتوصيل المضمون وأردت أن أحاول تقديم العرض في صورة جديدة لم تقدم من قبل ليكون مختلفًا عن أي صورة قدمت من قبل للأشجار تموت واقفة.. وما نريد أن نقدمه في العرض المسرحي أن الحل في علاج المشاكل والأزمات النفسية للإنسان هي المواجهة والبعد عن الزيف والكذب وأن العيش في الخيال شيء مهم لكنه مؤلم وليس علاجا بل مجرد مسكن، مواجهة الحقيقة هي الحل حتى لو كان ذلك مؤلما لكنه الحل السليم.
هل يؤمن المخرج بدور المسرح الاجتماعي أم يراه فقط لعبة مسرحية؟
أومن بشكل شخصي أن المسرح له دور اجتماعي مهم لأن المسرح هو أبو الفنون و ينور العقل دائما. الفنان المسرحي المحب للمسرح ينبغي أن يكون مثقفًا وقارئا ويعطي له وعيًا و شخصية و رأيًا في المجتمع مُغلفا بما يختلط به من بيئة مسرحية ناضجة.. و أرة أن المسرح على المستوي الشخصي ينور العقول ويجعل لك رأيا في كل شيء يجري حولك وينمي شخصيتك.
حدثني عن مشاركاتك المسرحية السابقة؟
بدأت العمل في المسرح منذ عام 2017 في مسرح جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا وقمت بالتمثيل في 11 عرضا مسرحيا: (مثل : أنت اللي قتلت الوحش -انت حر - قضية ظل الحمار - سينما 30 - الأفاعي- النور ...)وعملت كمخرج منفذ في ثلاثة عروض ( روح الصورة - طائر - الموعد الاخير ) واتجهت لإخراج عرض مسرحي في نوادي المسرح 2021 وهو عرض "في غرفة الكتابة " تأليف أحمد محب القط" وتم الإنتاج و عرض في المهرجان الإقيليمي للنوادي لكنه لم يحالفه الحظ في تصعيد للمهرجان الختامي وأتمنى ان يوفق عرضي وأن ينال إعجاب الجمهور وأن رسالة العرض المسرحي تنال إعجاب اللجنة والنقاد
*في رأيك.. ما دور نوادي المسرح وفلسفتها ؟ نوادي المسرح هي أول باب للدخول في عالم الاحتراف من الهواة و دائما كل المسرحيين الجامعيين والهواة يتجهون إلى قصور الثقافة ونوادي المسرح لممارسة هوايتهم في إطار من المنافسة بين زملائنا من الفرق و فلسفة النوادي مهمة جدا لكل فنان مسرحي لأنه يسمح لك بالتجريب وعمل عرض مسرحي من كامل رؤيتك الخاصه وتصورك للصورة المسرحية المتكاملة مع وضع ظروف قد تكون صعبة مثل ضعف الإمكانيات و الميزانية وذلك لخلق مخرج وممثل وكل عناصر العرض المسرحي مبدعين يستطيعون أن يبدعوا في ظل هذه الظروف، لأن فلسفة نوادي المسرح من وجهة نظري هي أنك تستطيع أن تتحدى كل الظروف و الإمكانيات.. و أن لا تؤجل حلمك وعملك بسبب أن العمل المسرحي يلزمه وجود إمكانيات كبيره و ميزانيات ضخمة.. كل هذة الأشياء مهمة وتساعد بشكل كبير لكن ليست ملزمة لقيام عرض مسرحي كامل لأن هناك عروضا مسرحية من نوادي تضاهي وتنافس أعمالا ضخمة من الشرائح والبيت الفني لأنه يكون خالص الفن والاجتهاد بدون أي تكليف وتثبت أن الفن الحقيقي الصادق يكون في اي صورة سواء أكانت في ظروف صعبة أو في ظروف أسهل ومتوفر بها إمكانيات أفضل.
واختتم السعيد كامل مخرج العرض، كلمته مؤكدا أن العمل يخاطب المشاعر، ومدى تأثيرها وبه طاقة تمثيلية عالية حفزته على اختيار النص وإخراجه، قائلا: تم تحويله من كلاسيكياته إلى نص قريب من الجمهور يمس مشاعرهم، وذلك من خلال حفيد اقترض أموالا بسبب سلوكياته الخاطئة ولايعنيه سوادى سدادها عليدى حساب كل المشاعر. ولكنه بالنسبة للجدة هو الأمل والغد الذي ظلت تنتظره، ولكنه خيب ظنونها بتفكيره في بيع المنزل دون النظر لمشاعرها.
وأوضح صالح محمد دراماتورج العرض، أنه تم تمصير النص وصياغته بالعامية المصرية، واختيار زمن الخمسينيات، ويضم النص أكثر من خيط ومعنى وتم تقديمه بشكل مصري حتي يكون قريبًا من الناس.
العرض في ميزان النقد
أعقب العرض ندوة نقدية أدارها الكاتب والمؤلف ياسين الضوي، وشارك بها الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي، ود. أحمد عادل القضابي.
أكد "الضوي" إعجابه الشديد بالعروض المسرحية التي تمثل كل أقاليم مصر، مؤكدا أن هذا يدل على بقاء المسرح واستمراريته، فالعرض المسرحي لا بد أن لا يخلو من دلالات وإشارات مهمة للنص، وهذا يقودنا إلى طرح سؤال حول هل المسرح في مأزق من حيث ما يتم تقديمه وعرضه للجمهور؟
وأبدى الكاتب مجدي الحمزاوي إعجابه بالممثلين المشاركين بالعمل، وإمكانياتهم التمثيلية الجيدة، مثنيا على مشهد النهاية بين الجدة وحديث الأحفاد.
وأوضح أن العروض المسرحية تقدم الحقيقة المشابهة للحقيقة لا الواقع بحد ذاته، قائلا: الفن هو البحث عن علاقات مغايرة بأساليب أخرى، قد تشبه الحياة في تصرفاتها ونظامها ولكنها ليست هي الحياة، واختتم حديثه مبديا إعجابه بمخرج العمل وطالب فريق العمل بمشاهدة الكثير من الأعمال المسرحية للاستفادة منها لتقديم المزيد من العروض الناجحة.
من جهته أشار "القضابي" أن العرض يتناول مسألة الوجودية، فكانت هناك اختيارات وجودية بداية من اختيار الجدة برفضها للحفيد، وهذا تسليط على اختياراتنا في الحياة.
وعن المدارس المسرحية، أوضح أنها تتنوع بين المدرسة الفنية والرمزية ولكل منها استخداماتها المختلفة من خلال الألوان والديكور، وطالبهم بضرورة استخدام الألفاظ والجمل الفعلية والاسمية وتوظيفها بشكل مناسب في الأحداث، ودلالات الحوار، والاهتمام بالملابس والإكسسوارات حيث إن وجودها يعطي فترة زمنية أو علاقة اجتماعية مثل الخواتم، مشيرا إلى أن هناك ما يسمى بالوعي المزدوج يكون بين الشخصية التي نقدمها وبين الوعي الخارجي.
واختتم حديثه مؤكدا ضرورة أن تكون رسالة العمل واضحة مع البعد عن التشويش والغموض حتى تصل إلى الجمهور.
المهرجان الختامي لنوادي المسرح تنظمه الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان تامر عبد المنعم، ويشارك به هذا الموسم 24 عرضا مسرحيا تقدم مجانا للجمهور، بمسرحي السامر وقصر ثقافة روض الفرج، ويصدر عنه نشرة يومية بالإضافة لندوات نقدية تعقب العروض يشارك بها نخبة من النقاد والمسرحيين.
|