القاهرة 21 مايو 2024 الساعة 11:50 ص
كتب: صلاح صيام
نواصل حكاية الشهيد عاطف السادات الذي طلب من أخيه الرئيس في جلسة خاصة وفي حضور جيهان السادات أن يسمح له السادات بأن يقود مجموعة انتحارية من القوات الجوية المصرية ويذهبوا إلى أرض سيناء المحتلة لمقاتلة العدو والاستشهاد بعد القضاء عليهم، ولكن السادات رفض ذلك.
يحكى آيرون بن شتاين أحد الجنود الإسرائيليين الذين شهدوا اللحظات الأخيرة في حياة البطل عاطف السادات القصة كما جرت، ليضيف بعدا آخر لواقعة استشهاده قائلا: "كان عمري وقت الحرب عشرين عاما، وكنت مجندا بالقوات الجوية الإسرائيلية بمطار "المليز" في سيناء، في هذا اليوم كان أغلب الضباط والجنود في إجازة "عيد الغفران" ولم يكن بالمطار إلا حوالي 20 فردا، وفى الثانية والربع ظهرا فوجئنا بطائرتين من طراز "سوخوى" و"ميج" تهاجمان المطار، قام الطيار الأول بمهاجمة الممرات وحظائر الطائرات ودمرها تماما، بينما قام الثاني بهاجمة صواريخ الدفاع الجوى المسؤولة عن حماية المطار وكانت من طراز "سكاى هوك".
انسحب الطيار الأول بعد أن أدى مهمته، واستمر الثاني في مهاجمة الصواريخ في دورته الثانية، ولكوننا مدربين على أكثر من طراز من الأسلحة، أطلقت أنا وزميلي النار من مدفع مضاد للطائرات، إلا أن هذا الطيار فاجأنا بمواجهتنا بطائرته وإطلاق الرصاص من مدفعه بقدرة مدهشة على المناورة، فأصاب زميلي بإصابات بالغة بعد أن فشلنا في إسقاطه، إلا أن زميلا آخر لي نجح في إصابته بصاروخ محمول على الكتف في دورته الثالثة، بعد أن دمر وشل المطار تماما.
ويقول "شتاين" في روايته، إنهم كجنود لم يكونوا على علم وقتها باندلاع الحرب، وكانت صدمتهم قوية عندما علموا أن قائد تلك الطائرة هو نفسه شقيق رئيس مصر، ويضيف: "شعرنا لحظتها بمشاعر مختلفة وتخوفنا من انتقام مصر لمقتل شقيق الرئيس، خاصة في ظل حالة الارتباك التي أصابت القيادة الإسرائيلية وقتها، وأذكر أنه عندما حضر الصليب الأحمر لاستلام جثمانه الذي كان قد احترق داخل الطائرة قمنا بتأدية التحية العسكرية له احتراما لشجاعته.
وبسبب مهارته في الجو تداول الجنود الإسرائيليون شائعات بأن هذا الطيار لا يمكن أن يكون مصريًا وأنه مأجور من دولة أوروبية، وخلال معركة طويلة في الجو تمكن جندي إسرائيلي من ضرب طائرة "عاطف" باستخدام صاروخ حديث تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة، واستشهد "عاطف" في طائرته، و أشيع أن الطيارين الإسرائيليين أدوا له التحية العسكرية بعد وفاته.
وفي منتصف اليوم الأول لحرب أكتوبر، وبعد الضربة الجوية الأولى أخبر اللواء حسني مبارك، قائد القوات الجوية القيادة العامة للقوات المسلحة، أن هناك اثنين من الطيارين استشهدا، وهما المقدم طيار كمال والرائد طيار عاطف.
اتصل مبارك بالمشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، وأبلغه بنتائج الضربة، وقبل انتهاء المكالمة أخبره بأن عاطف شقيق الرئيس السادات استشهد، وقرر المشير أحمد إسماعيل عدم إخبار الرئيس السادات بوفاة عاطف في تلك اللحظة، حيث كان الرئيس ينتظر بفارغ الصبر انتهاء المكالمة ليسمع نتائج الضربة.
بعد انتهاء المكالمة، أخبر المشير الرئيس السادات بالمعجزة التي حدثت، ولكنه لم يذكر استشهاد عاطف، وظل الخبر مخفيًا عدة أيام حتى تحسنت الأوضاع على الجبهة، ثم أخبر المشير الرئيس السادات قائلًا: "عاطف استُشهد".
وتفاجأ أحمد إسماعيل برد فعل السادات الذي قال كلمتين فقط: "كلهم أولادي"، وهذا ما ذكره الرئيس السادات بنفسه في مذكراته "البحث عن الذات".
قال السادات نصًا: "لو قالولي وقتها مكنش الأمر هيختلف.. عاطف ابن مصر.. زيه زي كل زمايله ولاد مصر.. قبل ما يبقى أخويات".
وأراد السادات أن يدفن جثمان أخيه الشهيد بعد انتهاء الحرب والعثور على رفاته، وتحققت رغبته في 31 مارس سنة 1974، وتمكن من دفن رفاته فى مسقط رأسه فى ميت أبو الكوم بالمنوفية.. لتتبقى وقائع قصة بطولة أخرى شاهدة على عظمة أبناء مصر.
|