القاهرة 14 مايو 2024 الساعة 12:29 م
العنوان الأصلي للمقال All the Bright Places
ترجمة: د.هويدا صالح
"كل الأماكن المشرقة" فيلم حديث يعرض الآن في السينما، مأخوذ عن الرواية الأكثر مبيعا والتي تحمل نفس الاسم للكاتبة جنيفر نيفن، والتي صدرت طبعتها الأولى عام 2015 .
إنه فيلم يقوم ببطولته مجموعة من الشباب، وتدور أحداثه في أجواء ميلودرامية ورومانسية في الوقت نفسه؛ مما يجعل المشاهدين غارقين في الشجن والدموع.
البطولة الرئيسية للفيلم للممثلين إيلي فانينج وجستس سميث اللذين لهما حضور مميز وكيماء رائعة كنجوم كبار وسط شباب الفنانين من المدارس الثانوية. في البداية تشعر كمشاهد بصراع الأجيال بين طبقات السلم الاجتماعي المختلف؛ مما يحدث سوء فهم بين كبار النجوم والشباب، لكن في النهاية صار بينهم انسجام وتفاهم كبيرين، وأقاموا صداقة رائعة، وتشعر بانسجام بين أفراد فريق العمل، ويظهر ذلك من خلال التمثيل الجيد بينهم.
تعتمد شخصيات الفيلم على حوار عميق وغامض يقتبسونه من الكاتبة فيرجينيا وولف، يتبادلونه في رسائل ليلية للتعبير عن مشاعرهم وعن علاقاتهم التي تنمو بعمق.
المخرج بريت هالي قام بعمل رائع مع المصور السينمائي روب جيفنز من أجل أن يجعلا بلدة إنديانا الصغيرة تبدو كأكثر الأماكن سحرًا وبهجة ً على وجه الأرض.
إنها بلدة صغيرة تمتلئ بالطرق الريفية المتعرجة التي تصلح لركوب الدراجات في ساعات النهار المشمسة وتصلح كذلك لتبادل القبلات في الضوء المتوهج الذهبي.
وتزيد أغاني المغني كيجين دويت، الذي كتب أغاني الفيلم ووضع موسيقى أغنية"Hearts Beat Loud" التي أخرجها بريت هالي، من جرعة الرومانسية في الفيلم.
لقد حقق فيلم "كل الأماكن المشرقة" أهدافا كثيرة منها: الكشف عن الأسلوب المهني للمخرج والذي يتكرر من فيلم لآخر. كما أعطى الفيلم فرصة حقيقية للشباب، الذي يشعر بالعزلة والتجاهل، فرصة حقيقية للنجاح، لقد قدم لهم يد المساعدة لتحقيق الذات.
كتبت المؤلفة جينيفر نيفن السيناريو مع ليز هانا، التي شاركت في السابق في كتابة سيناريو فيلم "The Post" مع جوش سينجر، وأخرجه المخرج ستيفن سبلبرج. كما حققت ليز هانا العام الماضي نجاحا كبيرا من خلال مشاركتها في كتابة سيناريو فيلم "Long Shot" مع دان ستيرلينغ. لقد حرصت الكاتبتان (ليز هانا وجنيفر نيفن) على أن يكتبا شخصيات الفيلم بمحبة ويصورا علاقاتهم بعمق وأصالة، حتى في ظل التجاوزات اللفظية في حواراته بعض الأبطال، والتي تدفعهم إليها طبيعة المراهقين التي تميل إلى الميلودراما.
تقوم إيلي فاننج بدور فيوليت ماركي وهي امرأة جميلة ومشهورة وعلاقتها بصديقها الحميم رائعة، وتنتمي لأسرة ثرية. أما سميث ثيودور - أو فينش ، كما يفضل أن يناديه أصدقاؤه فهو معروف في المدرسة باسم " شاذ الطباع أو المهووس" بسلوكه الغريب في بعض الأحيان، ورغم ذلك تتميز علاقته بأخته الكبرى ألكسندرا شيب بأنها علاقة مميزة ومحبة، بل يمكن أن نصفها بأنها خارجة عن الصورة الذهنية التي عرف بها سميث. وفي الوقت الذي تربطه بأخته علاقة جميلة وعطوفة تسوء علاقته بوالديه، فيمكن أن نصفهما بأنهما خارج الصورة، لا يعرفان عن حياة ابنهما شيئا. يبدوان بعيدا عن هذه اهتماماته وقضاياه. نرى ذلك حين يجتمع معهما في بداية الفيلم. كانت فيوليت تقف على حافة الجسر، تفكر في القفز؛ رآها سميث أثناء جولته الصباحية. تحدث إليها بلطف. رغم أن علاقتهما فيما بعد في ممرات المدارس الثانوية كانت محرجة إلا أنهما لا يمكن أن ينكرا هذه اللحظة التي تشاركاها على الجسر.
سميث أو فينش لن يسمح لفيوليت بأن تبتعد عنه على الرغم من محاولاتها لفعل ذلك. كثيرا ما حاولت أن تبتعد عنه، لكنه حينما طلب منهم مدرس الفصل أن يعدوا تقريرا كمشروع للتخرج عن ولاية أنديانا، والبحث عن أهم أماكنها وجغرافيتها المهمة اختار فينش فيوليت شريكة له ـ وسوف نعلم من سياق الفيلم أسباب رفضها ركوب السيارة معه ـ للذهاب في هذه الرحلات. توفيت أخت فيوليت الكبرى في حادث سيارة في المكان المحدد على الجسر حيث فكرت في إلقاء نفسها، ومن خلال تعبيرات وجهها الصامتة نعرف المشاعر الدفينة التي تتملكها مع والديها (Luke Wilson و Kelli O'Hara)، فلم يتجاوزوا جميعا أزمة موت الأخت الكبرى في هذا المكان. أما فينش فلديه مشاكله الخاصة، كما يظهر من التعليقات والجمل المفصلة والمعقدة والمرسومة بالألوان على جدران غرفة نومه، مذكّراً نفسه بالأشياء التي من الممكن أن تجعله سعيدا والكلمات التي تشجعه، وتذكره كذلك بالندبة الكبيرة على الجزء الأيمن من جذعه، والتي نراها عندما يخلع ملابسه للسباحة في البحيرة، وتشير إلى صدمة جسدية وعاطفية عميقة. وهذا التعقيد في حياته يؤثر على عمله، فقد تعود أن يغيب عنه لأسابيع دون أن يعرف أحد عنه شيئا؛ مما يقلق أصدقاءه القلائل الذين لا يستطيعون العثور عليه.
كل ذلك يجعل "كل الأماكن المشرقة" فيلما مميزا . سميث متحمس وجذاب ويمتلك كاريزما مميزة وفينش ذكي وساخر، خاصة في تعليقاته الوقحة مع المراهقين الغاضبين مثل Keegan-Michael Key كمسئول في المدرسة، فشخصية فينش تميل إلى الاندفاع والغضب السريع. ويتنقل سميث بكلتا الشخصيتين(الشخصية الجذابة والشخصية الساخرة)بل يعيش الحالتين بيقين شديد، تجعلك تفكر أنه النسخة الذكورية من Pixie Dream Girl،وهو مصطلح أطلق على الشخصية النسائية المهووسة والعنيفة. إنه شخص مميز ووقح في الوقت نفسه، لأنه يحاول إنقاذ فيوليت الحزينة المكتئبة. صديقها الحميم غير متعاطف مع ذلك تقريبا، ويسألها في حفلة يبدو أنها لا تريد أن تكون فيها:"إلى متى ستستمرين في هذا؟ لقد مرَّت أشهر؟!) أنت تشعر بصدق أن فينش حقًا مهتم بفيوليت، لكنه على الأغلب ممتن أيضًا لفرصة التفكير في مشاكل شخص آخر من أجل التغيير بعيدا عن مشاكله الخاصة وحياته المعقدة.
من الواضح أنهم يجتمعون من أجل أن يجعلوا بعضهم البعض أفضل. فاننج نضجت بشكل مشرق، وزاد ارتباطها بفنش، وتعرفت أكثر على أبعاد شخصيته، بل يمكن لنا أن نقول إنها منحت نفسها فرصة لتعيش تجارب جديدة. تشعر كأن جسدها يزهر ووجهها يزداد جمالا مع الابتسامة الواسعة بعد أن تجاوزت حزنها.
"إنه لأمر لطيف أن يكون لديك صديق مرة أخرى" ، كانت تردد ذلك في نفسها، وهي تتجول من مغامرة إلى أخرى، بل كانت تقول ذلك بهمس مكتوم.
يركز فيلم "كل الأماكن المشرقة" على فكرة أنك لا تعرف أبدًا ما الذي يمر به الآخرون، وأن الأشخاص الذين يبدو أنهم يمتلكون كل شيء قد يكونوا في طريقهم للانحدار. قد لا يكون هذا مفهومًا جديدًا، لكنه مفهوم يستحق العناء أكثر من أي وقت مضى. والحديث الصريح للفيلم عن المرض العقلي والأفكار الانتحارية والإيذاء البدني وفقدان الأسرة هو أمر بالغ الأهمية وضروري لدرجة أنه يجعلك تتمنى لو لم تكن فانينغ مثقلة بحزن عميق، في النهاية يلخص الفيلم الفكرة الرئيسيةـ الشباب مشرقون- يمكنهم التعامل مع هذه الأنواع من المفاهيم المعقدة.
-
المصدر ـ موقع الناقد السينمائي روجر إيبرت ـ نشر المقال بتاريخ 28 فبراير
|