القاهرة 16 ابريل 2024 الساعة 10:19 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
التشدد ظاهرة تعرفها الأديان جميعًا، فكل العقائد السماوية وغير السماوية لها أتباع يلوذ بعضهم بالتشدد، وفي عصرنا، كما في كل العصور، هناك من يأخذون الدين مأخذ التشدد، وقد يكون التشدد مقصورًا على الإغراق في التدين، وممارسة المناسك واتّباع أشق المذاهب دون العبور إلى ما وراء ذلك، حيث ينطلق التشدد في منطلق آخر يؤدي إلى التحرك من أجل نشر الفكرة والدعوة إليها، وحشد الأنصار، أي الخروج إلى المجتمع والدعوة إلى حركة اجتماعية ذات أهداف تتفق مع هذه النظرة المتشددة.
هذا ما يقوله أحمد خليفة في تصديره للكتاب الذي أشرف على جمع مواده، وصدر في جزأين عن الهيئة العامة للكتاب تحت عنوان "المتشددون المحدثون.. دراسة لحركات إسلامية معاصرة".
الكتاب قامت بتحريره سهير لطفي ويضم دراسات ميدانية ومقالات، تبحث وتناقش فكرة التشدد، كتبها عدد من الكُتّاب منهم محمد عمارة، إبراهيم الفحام، حسن حنفي، عبد العظيم رمضان، حسن نافعة، يحيى الرخاوي وغيرهم.
الكِتَاب يُرجع الاهتمام بدراسة الحركات الاجتماعية المتطرفة إلى أنها إحدى الظواهر اللصيقة بالتغيرات التي تمر بها المجتمعات، وقد اكتسب التغيّر الاجتماعي أهمية خاصة منذ عصر النهضة، والاكتشافات الجغرافية والعلمية والإصلاح الديني البروتستانتي، وما تلا ذلك من نشأة الرأسمالية الحديثة والثورات السياسية والاجتماعية والصناعية.
كذلك يرى الكتاب أن الحركات الدينية المتطرفة، كنمط من أنماط الحركات الاجتماعية، لم يتم دراستها إلى الآن سسيولوجيًّا، فمنذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي والعالم الإسلامي يموج بشتى الحركات الاجتماعية والمذهبية.
هذا ويؤكد الكتاب على أنه مع ظهور أول دولة إسلامية مالكة في الإسلام، وهي الدولة الأموية، ظهرت الحركات الدينية بهدف تصحيح وتجسيد الرؤية الإسلامية التي سادت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين، كما كان لظهور الحركة الوهابية في أواخر القرن الثامن عشر أثر حاسم في صياغة مجتمع الجزيرة العربية، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المهدية في السودان، والسنوسية في ليبيا.وفي مصر قامت حركات مماثلة كمحاولة جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وحركة الإخوان المسلمين، وكل هذه الحركات تركت بصماتها العميقة في أوجه الحياة المجتمعية المصرية.
الكتاب يرى أيضًا أن الحركات الدينية تظهر كلما تعثرت إحدى الحركات العلمانية، كما يرى أنه لا بد من التمييز بين الحركات الاجتماعية المتطرفة والأكثر تحديًا كحركة الفنية العسكرية وحركة التكفير والهجرة وحركة الجهاد، والتي رغم أن هناك قواسم مشتركة بينها، إلا أنه يمكن اعتبار كل منها حركة محددة داخل التيار الإسلامي، كما يذكر أن بعض أنصار هذه الحركات يرون أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل في الإسلام، فالإسلام يقرر أن التشريع لله وحده، أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب، وفي هذا شرك بالله.
هذا ويلجأ الكتاب لتحليل أنصار هذه الحركات نفسيًّا، فيؤكد أننا إزاء عنف إجرامي أولا وأخيرًا، وصِلة هذا العنف الإجرامي بالإطار العقائدي، الذي يحاول أصحابه أن يربطوه به، صلة مفتعلة، إذ إن الإطار العقائدي هنا أشبه بقناع يختفي وراءه هذا الاضطراب النفسي البالغ، ودور هذا الإطار العقائدي أشبه بورقة توت يستتر وراءها هذا الاضطراب، لكنها تسقط وتكشف عن عنف هذا الاضطراب فيما يتردى فيه أفراد المجموعة من أعمال عدوانية تصل إلى حد القتل.
ثم يَخْلُص الكتاب إلى أننا بإزاء عنف تدميري في المقام الأول والأخير، وهذا العنف التدميري يحاول التشبث بقناع من العقيدة، لكنه رغم ذلك لا يلبث أن يتفجر رغم العقيدة، بمعنى أن العقيدة كانت بمثابة درع يحتمي به الشخص، ويستمد منه المقدرة على التحكم في العدوان والسيطرة عليه.
|