القاهرة 09 ابريل 2024 الساعة 02:03 م
بقلم: محمود يسري حلمي
تعتبر المجلات من الوسائط المهمة لثقافة الأطفال ، وتندرج في إطار أدب الأطفال الذي يشتمل أيضًا على الكتب بتنوعاتها ؛ من قصة نثرية وقصص مصورة ، وأشعار ، ومواد علمية ، ومواد معرفية، وروايات في أشكالها المتنوعة، ويشتمل أيضًا على الأعمال السينمائية والمسرحية ؛ إلى جانب البرامج التلفزيونية ومسلسلات الفيديو والرسوم المتحركة وثلاثية الأبعاد .
يلاحظ عدم اهتمام الحكومات والمؤسسات الرسمية المنوطة بإصدار مجلات الأطفال بإدراج ميزانيات كافية لتمويل هذه المجلات .
فعلى سبيل المثال ؛ المجلات التي كانت تصدر أسبوعيًّا صارت تصدر شهريًّا ، وهذا تقصير شديد في حق الأطفال الذين صار عليهم أن يتابعوا المجلات على فترات متباعدة ، كما أن هذا جعل القائمين على هذه المجلات يمنعون نشر القصص المسلسلة ؛ بما يحرم الأطفال من عنصر محبب إليهم.
هذا يحدث بدلًا من الاهتمام بزيادة عدد الإصدارات من مجلات دورية جديدة تضاف إلى ما هو موجود لتعويض النقص ، ولكي تفي بحاجة الأطفال في بلادنا العربية .
ومما يحزن أن عددًا من المجلات توقف عن الصدور في بعض البلاد العربية مثل سورية ولبنان والعراق؛ بسبب الحروب والظروف السياسية والاقتصادية المؤسفة .
الدراسات النفسية وعلم نفس الأطفال وعلم نفس النمو وعلم النفس التربوي تجمع على أن طفولة الإنسان تتدرج في مراحل عمرية عدة ، وعلى من يتعامل مع ثقافة الأطفال بمجالاتها المختلفة مراعاة هذه المراحل ؛ فيما يقدم لجمهور الأطفال ؛ فما يصلح لمرحلة لا يصلح لغيرها .
والملاحظ أن مجلات الأطفال لا تراعي هذا البعد ؛ بل وتضرب به عرض الحائط ؛ إذ إننا لا نجد على أغلفة المجلات الموجهة للأطفال أية إشارة للمرحلة العمرية التي تتوجه إليها المجلة ، وهذا طبعي لأنهم لا يأبهون لهذا الأمر ولا يراعونه ، كما أن المواد التي تدرج بين غلافي المجلة تتوزع بين المراحل العمرية المختلفة بعشوائية ؛ مما يربك القارئ ، ولا يفي بمتطلباته التي يحتاجها ؛ وبالتالي لا تتحقق الفائدة من القراءة .
لا يصح إطلاقًا أن تكون مجلة الأطفال غير محددة التوجه لمرحلة عمرية بعينها . والمطلوب هو تخصيص مجلة لكل مرحلة من المراحل العمرية للأطفال توجه إلى هذه المرحلة فقط ؛ وبخاصة مرحلة المراهقة التي نراها مهملة إهمالًا شديدًا يكاد يبلغ حد التجاهل ، ولا ينتبه إليها على الإطلاق.
-
البعد الفكري والفني ( المضمون و الرسوم والإخراج ) :
هذان البعدان متداخلان بشكل عضوي في الأعمال المقدمة للأطفال؛ فالنص الموجه للأطفال ذو بعدين : أولهما هو النص المكتوب، وثانيهما : النص المرسوم ؛ علاوة على التشكيل الإخراجي الفني للموضوع ؛ في إطار الإخراج العام للمجلة ككل .
يلاحظ في كثير من النصوص سطحية الفكرة ، وركاكة الصياغة وسقم اللغة؛ بدعوى التبسيط لكنها تنزلق إلى تسطيح مخل . وقد تكون هذه السمات مجتمعة أو منفردة في النص الواحد .
ويرجع هذا إلى أن مجال الكتابة للأطفال أصابه العطب الشديد بتطفل عديد من الأدعياء من غير أصحاب الموهبة والقدرات المعرفية والفنية طمعًا في الكسب المادي . ومما يساعدهم على هذا مجاملات بعض رؤساء ومديري التحرير لأسباب ما ؛ وحتى هؤلاء الذين يجاملونهم قد يكونون غير مؤهلين للاضطلاع بمهامهم ؛ وقد تقلدوا مناصبهم - هم أنفسهم – بطريق المجاملة أيضًا .
وهو بالضرورة يتلاحم و يتناسج في وحدة عضوية متماسكة مع النص المكتوب ؛ بحيث يكونان الشكل النهائي للنص ، أو النص في شكله النهائي.
وللأسف ؛ نصطدم برسوم دون المستوى الفني ؛ وهذا ليس بسبب نقص في المواهب ؛ بل أيضًا لتطفل بعض الرسامين أدعياء الفن على المجال بغرض الكسب ، ومجاملات بعض القائمين على المجلات لبعضهم لسبب أو لآخر .
إن مستوى النص المقدم للأطفال قد يؤدي وظيفة في غاية الأهمية ؛ إذ يزودهم بالمعارف ويرتقي بفكرهم و يسمو بذائقتهم ويمتعهم جماليًّا . أما إذا كان مستوى النص متدنيًا مضمونًا وشكلًا أو مضمونًا أو شكلًا ؛ فإنه سيشوه الحصيلة المعرفية للقارئ ، كما سيتدنى بذوقه وحسه الجمالي . ولسنا في حاجة إلى تبيان تأثير ذلك على تكوين شخصية سوية أو إنتاج شخصية مشوهة.
- نلاحظ أحيانًا عدم مراعاة مستويات الأطفال ؛ بطرح بعض الأفكار التي لا تتناسب مع مستواهم المعرفي في إطار المرحلة العمرية ؛ وكأن الكاتب أو الكاتبة سقط في بئر أفكاره الشخصية و اغترف منها؛ ويطرح نوعًا من الأفكار الكلية التي لا يمكن للأطفال أن يدركوها ؛ فهي تمثل مستوى أعلى من المستوى المعرفي لهم ؛ وهي غالبًا ما تنحو إلى مجال الفلسفة التي تخرج عن مجالنا ؛ فمعظم المراحل العمرية للطفولة ينحصر إدراكها في المعاني المحسوسة دون المجردة ، وبالتالي فإنه خطأ فادح أن نثقل على الأطفال بالكليات التي قد تأتي بأثر عكسي يربك تفكيرهم و مشاعرهم .
- عدم الاهتمام بإدراج الشعر في مجلات الأطفال بالقدر الكافي . فالمجلات تجعل جل موادها من القصص المصورة ، وبعض نصوص القصص القصيرة وتفرد صفحات للألعاب والتسالي والمسابقات . أما الشعر ؛ فلا نجد أحيانًا في عدد من المجلة إلا قصيدة وحيدة وأحيانًا قصيدتين على الأكثر ، وبعض المجلات تتجاهله تمامًا ؛ على الرغم مما للشعر من قيمة وأهمية كبرى وأثر خطير ؛ إذ يسهم في ارتقاء اللغة ، ويغذي الخيال بما ينمي الحس الجمالي لدى الأطفال .
وحتى المجلات التي قد تدرج قصيدة أو قصيدتين ضمن مواد العدد الواحد؛ يلاحظ تدني مستوى الاختيار ؛ فبعض ما ينشر قد تكون فكرته سطحية أو تقليدية مستهلكة ، وينحو إلى المباشرة في التعبير ، وقد يكون ركيك الصياغة ، وأحيانًا تضطرب الموسيقا الشعرية لجهل بعض من يدعون أنهم شعراء ببحور الشعر وأصول عروضه ، أو للافتقار للموهبة من الأساس .
- وتهتم كل مجلات الأطفال بتخصيص باب أو أكثر لتقديم المعرفة الدينية . وللأسف تكون المواد المقدمة في مجملها متسمة بتقليدية الأسلوب أو سطحيته ؛ في حين أنه من الضروري أن يلجأ الكاتب أو الكاتبة إلى الابتكار ، وتقديم الأفكار الدينية بأشكال جديدة تبتعد عن المباشرة وتجذب القارئ ، كما ينبغي انتقاء الأفكار التي يحتاج الأطفال إلى معرفتها دون غيرها ؛ فليس المطلوب أن يتحول الأطفال إلى فقهاء ؛ وإنما علينا أن نعرفهم من الدين ما يكون ضمائرهم ويرتقي بسلوكياتهم .
- إن بعض المجلات تخصص بابًا للفتيات أو البنات ، وهذا خطأ جسيم ؛ إذ يبدو واضحًا فيه التمييز الجنسوي بين ذكور وإناث الأطفال؛ ونحن في عصر لم يعد يقبل إلا غرس قيمة المساواة بين الجنسين وعدم التمييز بينهما .
وأحيانًا يكون الباب مخصصًا للأولاد والبنات ، ويركز من يحرره على إسباغ البنات صفات يخصصها لهم كالرقة والنعومة والضعف وممارسة الأعمال التي ساد الاعتقاد بأنها قاصرة على البنات، ويخص الأولاد بالأعمال التي ساد الاعتقاد بأنها تمثل الرجولة والفروسية والقوة . إن هذا يكرس لمجتمع ذكوري مريض .
- ومن الملاحظ بشكل فج وعام في جميع ما ينشر للأطفال - سواء في المجلات أو الكتب - أن جميع المطبوعات لا تخلو من الأخطاء اللغوية والإملائية و الطباعية . إن ما يقدم للأطفال يجب أن يكون على مستوى عال من الدقة والسلامة و الإتقان . إن كم الأخطاء لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال ؛ فبينما نطالبهم بعدم ارتكاب الأخطاء نرتكبها في حقهم ونقدم لهم قدوة سيئة ؛ فضلًا عن أن هذه الأخطاء سترسخ في أذهانهم . إننا نخطئ خطأ جسيمًا بعدم الاهتمام بإجادة وإتقان العمل ، ونهمل فيما نتحمل من مسئولية تجاههم .
- يهرول القائمون على بعض مجلات الأطفال وراء الحصول على إعلانات؛ وهذا لتمويل إصدارها، لكنهم في مسعاهم لا يميزون بين إعلان مناسب لمجلة أطفال وآخر غير مناسب ؛ فنرى بعض إعلانات عن منتجات وسلع لا تهم الأطفال ولا علاقة لهم بها . لا ضير من إدراج بعض الإعلانات في المجلة ، لكن ينبغي اختيار مادة الإعلان التي تناسب اهتمامات المتلقين .
- ولا أدري لماذا يفرد القائمون على بعض مجلات الأطفال صفحات باللغة الإنجليزية ؛ ألا يدركون أنهم بهذا يسهمون في تكريس حالة الاستلاب الثقافي ، وطمس الهوية العربية ، وغرس هذا في أذهان أطفالنا من صغرهم .
ألا يدركون أن من أهم مهامهم الحفاظ على هوية أطفالنا بالتأكيد على قيمة لغتهم وضرورة رفع مستواها لديهم ، وزرع الإحساس بقيمة الاعتزاز باللغة الأم التي تمثل هوية وشخصية الإنسان التي تميزه حضاريًّا بين غيره من البشر.
|