القاهرة 02 ابريل 2024 الساعة 08:39 م
كتب: أكرم مصطفى
يُعد كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطى" للمستشرق الإنجليزي "ستانلي لين بول" (1854-1931)، الصادر عن "مكتبة الأسرة" 2015 "وترجمه للعربية المترجم أحمد سالم، من المؤلفات القليلة التي تُعالج تاريخ مصر الإسلامية، منذ الفتح العربي الإسلامي لمصر سنة 18- 20هـ/639 – 641م، وحتى دخول العثمانيين مصر سنة 922 هـ/ 1516م.
وصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب المهم في لندن سنة 1901م؛ ليحظى بعد ذلك باهتمام كثيرٍ من الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية، والذين استفادوا منه في دراساتهم عن هذه العصور؛ إذ إنه أول كتاب شامل يتناول تاريخ مصر في هذه الحقبة الطويلة، ألَّفه "لين بول" في فترة لم يكن قد نُشر فيها من مصادر مصر الإسلامية إلا النذر القليل، ولم تكن الدراسات الجزئية التي بدأت في الظهور منذ العقد الثالث للقرن العشرين قد وُجدت بعد، فاستعاض عن ذلك بالاطِّلاع على النسخ الخطِّية لعددٍ مهم من مصادر مصر الإسلامية، إضافة إلى تجارب الطبع الخاصة بكتاب "مدونة الكتابات العربية" (CIA) للمستشرق وعالم الكتابات التاريخية السويسري ماكس فان بِرشِم.
يذكر أن لين بول (Stanly Lane - Poole) هو مستشرق إنجليزي مولود في مدينة لندن يوم 18 ديسمبر سنة 1845م، وهو ابن شقيقة المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين، صاحب كتاب: "المصريون المُحدَثون: عاداتهم وشمائلهم"، وقد تلقَّى تعليمه في جامعة أُكسفُورد، ثم في جامعة دِبلِن، وعمل باحثًا في التاريخ والآثار الإسلامية، وقد أرسلته الحكومة البريطانية في بعثات علمية لدراسة الآثار وكتابة تقارير تفصيلية عنها، فقام برحلة علمية إلى مصر سنة 1883م، وعمل بين عامي 1895 و1897م في دراسة آثار القاهرة الإسلامية تحت إشراف الحكومة المصرية، وبعد أن عاد إلى إنجلترا عُيِّنَ أستاذًا للغة العربية في جامعة دبلن، وفي عام 1914م عُيِّن أمينًا لقسم النقود في المتحف البريطاني؛ إذ كان مغرمًا بالنقود، ووضع الكثير من المؤلفات عنها، ويتضح ذلك في هذا الكتاب الذي استعان فيه بعشرات الصور التوضيحية للنقود الإسلامية، وتُوفي في 29 ديسمبر سنة 1931م.
وكانت مؤلفات "لين بول" غزيرة، من أهمها: "فن العرب في مصر" (لندن 1886م)، و"معجم الأسرات الحاكمة الإسلامية" (لندن 1892م)، و"صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس" (لندن 1898م)، و"تاريخ مصر في العصور الوسطى" (لندن 1901م)، و"سيرة القاهرة" (لندن 1902م).مُترجم
ويُعتبر كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطى" – كما يقول المترجم – من الكتب القليلة التي تناولت تاريخ مصر الإسلامية على وجه الإجمال، بنظرة شاملة ودقيقة في الوقت نفسه، فقد حاول مؤلِّفه حصر أهم الأحداث التاريخية وذكر الأسماء والتواريخ والأرقام والإحصائيات ووضع قوائم للولاة والسلاطين والخلفاء، ودعَّم كل ذلك بالصور والأشكال التوضيحية التي بلغت مائة صورة وشكل، هذا فضلًا عن رأيه ونظرته الخاصة كمؤرِّخ ومستشرق غربي، فقد حاول على سبيل المثال التركيز على أحوال القبط وكنائسهم وأديرتهم، ونراه يتطرَّق دائمًا لأوقات رخائهم أو شدتهم ويفرد لها الأسطر والصفحات، مع أنه قد استقى معظم معلوماته من الكتب العربية لأشهر المؤرخين المسلمين من أمثال: الطبري وابن الأثير والمقريزي والسيوطي وغيرهم، هذا مع عدم التغافل عن المصادر الغربية المهمة خاصة في عصر الحروب الصليبية، مثل جوانفيل الذي رافق حملة لويس التاسع، أو وليم الصوري، وغيرهما ممَّن عاشوا في ظل أحداث الحروب الصليبية.
بوسع قارئ كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطى" ، أن يتلمس رقة الهوى المصري منبثة كالنسائم في جنبات الكتاب، ليس في متنه المخصص لدراسة فترة مهمة من تاريخ مصر تبدأ من الفتح العربي وتنتهي بالفتح العثماني وتمتد لتسعمائة عام فحسب، ولكن في لغته أيضًا التي تصفها مقدمة المترجم "أحمد سالم سالم"* بأنها جذلة تمتاز بعبارات فخمة تنتمي لعالم الأدب. والأدب من عوالم الهوى والشغف الأصيل.
يقول المترجم: "لقد حاول الكاتب في أغلب الظن الكتابة بصورة شيقة تبتعد عن جمود الكتابات التاريخية، وهو الأسلوب المتبع في معظم كتب ذلك الوقت، مع ذلك فقد انتشر الكتاب انتشارًا كبيرًا بين الأوساط العلمية المتخصصة في جميع أنحاء العالم، ورجع إليه على مدى أكثر من قرن من الزمان (بدءًا من تاريخ تأليفه عام 1900) كل من كتب عن تاريخ مصر الإسلامية، سواء أكان من الغربيين أو المؤرخين المشرقيين فيما بعد، وذلك راجع بالطبع لثقل وشهرة مؤلفه وأهمية كتاباته وجديتها على وجه الإجمال". ويمكنني أن أضيف مطمئنا أن هذا الاهتمام الجاذب الذي لاقاه ولا يزال يلاقيه كتاب "ستانلي لين بول" يعود في جانب مهم منه إلى غرامه المصري. فهو كتاب تصادف فيه مثل هذه الحاشية التي يضيفها المؤلف على اسم "عبد الله بن سعد" حاكم مصر على زمن "عمر" ثم "عثمان"، حاشية تهمس بدقة هواها الصريح: "بن هي اختصار كلمة ابن، والصيغة التقليدية لهذا الاسم هي "عبد الله بنُ سعد"، لكن في هذا التاريخ نستخدمها كما هو شائع في الاستخدام العاميّ المصريّ: "وقد لا يبدو ذلك غريبًا لدى مستشرق ولد في لندن لكنه تهجى أحرف الهوى المصري الأولى في أجواء أسرية، فهو ابن شقيقة المستشرق الإنجليزي "إدوارد وليم لين" الذي زار مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر وعاش فيها فترات طويلة من حياته، وكتب عنها كتابًا معروفا صار مصدرا تاريخيا مهمًا هو "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم"*. أما أمه فهي "صوفيا بول" (1804-1891) زارت مصر بدورها مع أخيها خلال إقامته الثالثة، وأطلعته على حياة الحريم المحرمة على الرجال آنذاك، وكتبت مشاهداتها في صورة رسائل تصف حياتها في القاهرة. وقد كلفت الكتبخانة الخديوية بالقاهرة "لين بول" نفسه بصنع فهرس لمقتنياتها من النقود الشرقية صدر في لندن سنة 1897.
قراءة دراسة دقيقة موجزة في 750 صفحة من القطع الصغير تشغل الملاحق والكشافات حوالي 100 صفحة منها، عن هذه الفترة الطويلة من التاريخ المصري، مع سائر امتيازات العمق البحثي والمتعة التاريخية لا شك لدي في أنه عمل ينبع من الحب، رغم كل ما يحيط هذه الجزيرة المضيئة من الشغف الإنساني من قسوة الأطماع الاستعمارية وتوظيف نتائج البحث الاستشراقي للهيمنة السياسية والاستغلال الاقتصادي. إنك لن تتمكن من قراءة وصف تصوري مثل هذا لجامع عمرو في كتب كثيرة:
"لم يعد هناك بقايا من البناء الأصلي، الذي كان عبارة عن غرفة بسيطة مستطيلة الشكل، أبعادها 9.28 متر في 3.17 متر، وكان السقف المنخفض – بلا شك – يدعمه القليل من الأعمدة، أما الحوائط فمن المحتمل أنها كانت من القرميد فقط، وغير مغطاة بالجص. أما الأرضية فكانت من الحصى، وكان الضوء يأتي غالبًا من فتحات مربعة في السقف".
|