القاهرة 02 ابريل 2024 الساعة 08:27 م
كتب: أكرم مصطفى
صدر مؤخرًا للباحثة العمانية منى حبراس كتاب بعنوان "ظل يسقط على الجدار"، عن الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع دار الرافدين، ويضم مجموعة نصوص عصية عن التصنيف تستعيد فيها منى تجاربها الحياتية بداية من الطفولة الأولى ولحظات اكتشاف الشغف بالقراءة والكتابة إلى جانب الاهتمامات الإبداعية المختلفة والعلاقات المتشابكة مع البشر.
وهو عبارة عن نصوص سردية مفتوحة دون تجنيس تمكنت فيها الكاتبة أن تكتب ذاكرة طفولتها وصباها في قرى عمان متخذة من تيمة السرد بعدًا جماليا يمكنها من استجلاء هذه الذاكرة وتمحيصها لنرى بعين الكاتبة تفاصيل الحياة اليومية في رحلة عبر الزمان والمكان.
جاء القسم الأول من الكتاب مخصصًا لذاكرة الطفولة في عفويتها وعذوبتها. بينما في القسم الثاني كتبت بحب عن أولئك الذي صنعوا ذاكرتها، وفي القسم الثالث تحدثت عن بعض المعاني التي كوّنت شخصيتها، وما زالت لصيقة بالذاكرة، وفي الفصل الأخير لم تنس الكتابة كطريقة موازية للعيش.
تقول حبراس في الكتاب" تلعب الحياة والموت معنا لعبة الغميضة، يبحثان عنا معصوبَي العينين، وكلاهما ليس جديراً بنا، كلاهما منزوع الأهلية والإدراك، نعرف أنهما يعبثان بنا، ورغم ذلك نجدنا مرغمين على الاختباء والهرب ليس بداعي مشاركتهما اللعب، ولكن لأن المَخرَج منهما مفقود، ولا خيار ثالثاً يمكن أن ينهي لعبتهما السادية بخسارتهما معًا"..
إن هذا الكتاب يحلّق بك لترى قرى عمان، وأحيائها القديمة، للإنسان العماني الذي لطالما شعرنا بأننا لا نعرفه بشكل جيد، فاكتشفنا بأنه يشبهنا تمامًا، لكل تلك الحكايات التي مررنا بها جميعا في طفولتنا لكننا لم نستطع أن نكتبها بالجمال الذي كتبته منى.
إنه كتاب مكتوب بحب، وصدق، وبلا تكلف، لذا هو يخترق روحك فأنت تشعر في لحظات ما بأن كاتبته تجلس بجانبك، تتحدث معك على انفراد أكثر من كونها تكتب.
أعتقد بأن أبرز ما يميز هذا الكتاب، أنه يلتقط تلك الأفكار الصغيرة التي لم نتنبه لها ويضعها أمامنا في أجمل حلة ممكنة، فنحن نذكر جميعنا بأننا بدأنا بالكتابة بالقلم الحبر في الصف الرابع الابتدائي لكننا لم نكتب عن تلك الدهشة ونحن نرى الحبر الأزرق والأسود على دفاترنا.
ونحن جميعا مررنا بحادثة مؤسفة في المرحلة الابتدائية، لكننا لم نكتب عن غفراننا لمعلمينا، لكن منى فعلت ذلك. فعلته بأقصى درجة من درجات الصدق، وبأسهل طريقة، لكنها آسرة في الوقت نفسه، تقول أيضًا: "كلما أسلمت جفني للكرى، رأيت فيما يرى النائم أني أكتب صفحات ملأى بالكلمات، أرى كلمات تتقافز في كل مكان، وتطير هنا وهناك، وينبت لما كان منها يدور في الأرض ريشٌ فجأة، فتحلق حولي، وتحط فوق رأسي، وعلى كتفي، فأشعر في احتفائها بي بسعادة ونشوة بالغة، فنقهقه معاً، نضحك عالياً، نرقص جميعاً في حلقة لا تنتهي، أشبه بحلقات الدراويش في وجدهم وانعتاقهم من ربقة العالم الذي يريدون الانفلات منه، حتى إذا ما أنهكنا الدوران والضحك، تختبئ معي تحت الغطاء وننام".
|