القاهرة 24 مارس 2024 الساعة 07:45 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
مر أسبوع آخر من عمرنا، لم يكن أسبوعًا عاديًا، ربما لأنه شهد انقضاء أول عشرة أيام مباركة من الشهر الفضيل، كما فاجأنا الطقس بتقلبات شتوية ماطرة بكل الحب والاشتياق والحرية.
أمطرت السماء بغزارة، فعلت ما لم نشهده طيلة أيام فصل الشتاء، أفكر في تغيير وجهتي، لأقع في حب النصف الأول من فصل الربيع، أعتقد أنه الوقت المثالي لكل شيء وأي شيء، حيث يشهد تمسك الشتاء بالبقاء لأطول فترة ممكنة، وتمسك فصل الصيف بحقه في الحصول على الحياة، وفرصًا جديدة على سطح هذا الكوكب المدهش، وما بين صراعهم الجميل، نتأرجح ما بين مرحب بعودة الشعور بلذة البرد والأمطار ورائحة المطر، وبين كارهي الهدوء محبي الصيف، بلياليه الصاخبة المزدحمة المفعمة بالنشاط والتعقل.
عزيزي عمر خورشيد،،
احتفل العالم منذ أيام بعيد الأم، هذا الاحتفال الذي بدأ من مصر ليصبح يومًا لرد الجميل حول العالم، كيف نرد الجميل لمن تعطي دون انتظار مقابل للأبد، للمادة الخام للعطاء والتضحية والحب، الأم التي أينما وجدت حلت البركة وطغى النور على الأرجاء..
يكفي أن تكون لك أم فتشعر بأنك تملك العالم أجمع، حتى ولو كنت على خلاف دائم معها، مجرد وجودها نجاة، يكفي الجلوس بالقرب منها لتزول كل همومك وقلقك، يكفي أن تسمع صوتها وصراخها وضحكاتها وشجارها حتى تشعر بحلاوة الحياة وجمالها..
هذا ثاني عيد أم يمر عليّ دون وجود أمي، لا أخفي عليك مر وداخلي شعور لا أتمكن من وصفه، هل هو حزن لفراقها على هذا النحو؟!
هل افتقاد لوجودها ولحديثها وشكواها التي لا تنقطع؟! هل افتقاد للحركة التي كانت تغرق أيامنا بها؟! لا أدري!
مر هذا اليوم العام الماضي بهدوء، ربما لأننا كنا لا نزال تحت وطأة الفراق فلم نستوعب ما يجري حقًا، أما هذا العام بدأنا نوقن حقيقة رحيلها..
هاتفني أخوتي، كل منهم يذكرني باليوم وكيف كنا نحتفل به معها، لكل منا ذكريات مختلفة معها ومع هذا اليوم الجميل الرائع.. أخبرت أخي أن جميع من يتحدث عنهم رحلوا حقًا، تركونا نكمل مشوارهم أو مشوارنا الذين اخترنا أن نكمله.. قد يكونوا رحلوا حقًا لكنهم مازالوا باقين في قلوبنا.
كتبت عن هذا الشعور ذات يوم في "رواية الشاردة"، حيث اعتقد أبطالها أن الهجرة خارج القطر هي طوق النجاة والخيار المناسب، ظنا منهم أنهم يهربون من أحزانهم، من ذكرياتهم بتركها خلفهم، اكتشفوا أنهم فارقوا المكان جغرافيًا، لكنهم غادروه وهم محملين بالذكرى التي يصعب التخلي عنها أو نكرانها..
أدركت أيضًا أني بمرور الوقت بدأت اكتشف نفسي أكثر، قد أحب شخص حد الجنون لكن لا أود التحدث معه أو الاستمرار برؤيته.. أحبه حقًا، ربما أحمل داخلي بقايا حب، وعشرة، وذكريات طالما تمنيت تحقيقها وحدوثها، لكني لا أقو على تكرار ذات التجربة معه أو مع غيره..
لم أتوقف عن الحب، لكن لم يعد هدفًا كالسابق، الهدف الأول الآن هو ترك المزيد من الآثار الإيجابية في حياة الآخرين، بصمات تنير للآخرين الدرب، بصمات لم ولن تنس.
عن طريق تعليم الآخرين ما أجيده وأتقنه، وهي الكتابة.. قررت ترك أثر إيجابي وطيب من خلال رسائلنا التي قد تصل يومًا لك وللناس كافة، أترك أثرا من خلال مؤلفاتي التي أجتهد أن تكون مختلفة وذات قيمة، اترك أثرًا من تجاربي الحياتية من خلال علاقاتي مع زوجي و أخوتي رفاقي وأبنائي وأبناء أخوتي.. ما أجمل أن تكون طيب الأثر.
عزيزي عمر خورشيد،،
تلقيت هدية قيمة هذا العام بمناسبة عيد الأم، أهداني أولادي هاتًفا جديًدا، رغم أن هاتفي ما زال يعمل ولم أشك منه، أحتفظ به وأحافظ عليه جيًدا، لأنه هدية من والدتي رحمها الله..
على الرغم من سعادتي بالهاتف، إلا أنني بدأت أشعر بضيق، أقتني هذا الهاتف منذ ما يزيد على السبعة أعوام، شاركني العديد من الأحداث المفرحة والمحزنة، شهد معي بدايات كثيرة ونهايات أكثر، شاركني الحب والحلم والشغف، شاركني تطور شخصيتي بنضج تارة وتهور واندفاع تارة، شاركني رحلات داخل مصر وخارجها، شاركني كل شيء.. يكفي أن به محادثات خاصة بصديقة الممر.
أحافظ عليه جيدًا لأنه أول هدية من أمي الحبيبة.. قررت فجأة أن تهادينا جميعًا هدايا متساوية القيمة المادية، فرحت كثيرًا لأنها تذكرتني وساوتني بأخوتي الذكور..
عندما بدأت أنقل ما يخصني للهاتف الجديد توقفت أمام تطبيق واتساب، أحتفظ بمحادثات بيني وبين أخوتي وأبنائي منذ اقتنيته، عدت للتاريخ، وجدت محادثات لما قبل الست سنوات.. توقفت لحظة أمام هذه المحادثات، اقرأ وأضحك، وأتذكر هذه المواقف الجميلة التي جاءت تلقائية وحميمية وخاصة..
أشكر الهاتف الجديد، لأنه أعادني بالزمن لسنوات كنا فيها جميعا أسرة لها درع يحميها، بيت وأب وأم.. قبل أن نصبح نحن دروع نحمي أنفسنا ومن معنا..
هكذا هي الحياة، وهكذا نحن، نشعر بالحنين ونهفو للذكرى، لأيام كنا نتصرف فيها باندفاع وحماسٍ مؤذٍ أحيانًا كثيرة..
أتأملني بين ما كنت، وما أصبحت، وجدتني أرفض الاستسلام، دائمة الركض خلف أحلامها، لذا لن أظل حبيسة هاتف أمي بذكرياته.. سأبدأ من جديد مع هاتف أولادي، لذا ودعت ذكرياتي وأيامي مع الهاتف القديم.
احتفظت بجزء صغير من أبرز ذكرياتي من تلك المحادثات.. ربما قد أود العودة إليها يومًا في ملف خاص على اللاب توب.
عزيزي عمر خورشيد،،
كن بخير دومًا لأكتب لك.
|