القاهرة 19 مارس 2024 الساعة 11:31 ص
كتبت: شيماء عبد الناصر
عن الموجوع الذي لا يستطيع حتى أن يمسك بالقلم وقلبه ينزف، ماذا عنه وعن جراحه وآلامه، كيف يجلس أمام ورقة، فهذه الجلسة في حد ذاتها ألم فوق ألم، حتى يستطيع أن يصل إلى نتيجة، يفتح قلبه بنفسه، القلب الجريح وكأنه يجري جراحة في شرايينه الدقيقة، هل يستطيع أصلا مواجهة التجربة، يرتعش في يده القلم وترتعش روحه، قد يكون بجوار وجعه المعنوي هناك وجع مادي، أعباء اقتصادية، وربما ديون، سيمسك بالقلم وتبدأ يده في العد بدلا من الكتابة، ماذا لبائع الخضار، كم للجزار، اللبان، الفرارجي، وحتى بواب العمارة الذي يحتاج للصيانة الشهرية حتى لو كان مبلغا بسيطًا، أولاده وأصدقاؤه، ماذا سيفهم عن نفسه حينما يكتب كل هذه التفاصيل، النفس الضائعة بين ديون وآلام وحب ووهم، سيبكي بدون دموع أمام الورقة، سيتذكر الماضي ويرثي لحاله في الحاضر، ويخاف من المستقبل، إنها مجموعة من المشاعر، هل معرفة ماهية المشاعر بداخله في تلك اللحظة تعتبر فهمًا لنفسه، وهل فهمه لنفسه سيحل مشاكله العاطفية ويشفي الوجع ويحل أزمة الديون.
ماذا عن الطفل الذي يبكي في ركن وحيد، نعم هو نفسه، حينما يكتب لا يسمع سوى صوت هذا الطفل الذي كانه منذ سنوات طويلة، طفل لا يرى في العالم سوى الحلوى التي يعطيها له الكبار.
أما حبيبته التي تمثلا جرحا آخر له فهي الأخرى تائهة مع نفسها، ترسل له خواطرها المكتوبة في محاولات مستميتة للمعرفة: ""تزعجني أحلام يقظتي هذا الصوت دائم الثرثرة داخل عقلي، أحيانًا يكون لديه حس دعابة لطيف وأحيانا يزعجني بنكت اضطر للضحك حينما أدركها، أنا وحيدة في المنزل طوال الوقت، ووحيدة أحيانا في العمل ماذا لو رآني أحد وأنا أبتسم أو أضحك بلا سبب، أعرف أنها طريقة عقلي للهروب من الواقع المؤلم والذكريات العنيفة، لكن أصارعه انها ليست الطريقة المثلى، أحاول استخدام القلم والورقة كي أخرج الكثير من التجارب عليها وألملم شتات نفسي، أتذكر أني كتبت الكثير والكثير ولم يلتئم جرحي، هل أكتب أكثر أم أغير نوعية ما أكتبه، هل افتح جراحًا قديمة وأعيد تنظيفها أم أظل هكذا في دائرة الأحلام المزعجة.
الإحساس بالكتابة يختلف من فصل لآخر أيضًا فالحبيبة العاشقة التي تكتب لنفسها وتشارك حبيبها ما تكتبه عن نفسها ولنفسها تقول: "فقد الشتاء ارتباطه بالذكريات، أصبح مرتبطًا بأيام جديدة، أكون تفاصيلها بنفسي، أمنيات وأحلام وروائح جديدة، ناس وأوقات وطعوم، أفكر في وحدتي وأني محتاجة إلى ونس حقيقي وليس كذبة أو وهمًا، أحتاج دفئًا يشبه لمسة الشمس على خدي، لكن ليلا قبل النوم، لمسة حنون حقيقية صادقة مملوءة بالدفء".
مجال الكلمات مثل لعبة أو مثل الرقص، أن تجد الكلمة المناسبة للشعور الذي تحسه، مثل أن تجد الحركة المناسبة لأثير موسيقي ما، أو حتى مثل الشطرنج، كل حركة تساوي فوز أو هزيمة، فإن كل كلمة تساوي تعبيرًا عن تجربة قد يختلط فيها الخيال بالحقيقة، الذكرى بالأمنيات، ومن ثم تأخذ اللعبة في الظهور والتغير والإبهار، تتحول الكتابة عن الذات إلى لذة يمارسها الإنسان في طريقه إلى نفسه، فيصبح الكنز في الرحلة أكثر منه في الوصول.
|