القاهرة 19 مارس 2024 الساعة 11:27 ص
بقلم: محمود يسري حلمي
ما أقدمه هنا ليس بحثًا علميًّا أو دراسة منهجية ؛ بل هو مجرد نظرات ورؤى تبصرتها خلال عملي الطويل في مجال ثقافة الأطفال والكتابة لهم لأكثر من أربعين عامًا.
وخلال هذه السنين الطويلة؛ خبرت الكثير من الأحداث والأمور؛ منها الجيد القليل ومنها السيئ الكثير.
لاحظت الكثير من جوانب النقص والأخطاء ومظاهر القصور في التعامل مع ثقافة الأطفال؛ رغم ما كان من جهود تبذل؛ كانت بعضها محمودة وتستحق الشكر والامتنان .
أردت أن أقول كلمتي وأوضح رؤيتي؛ من خلال ما اكتسبته من خبرات في هذا المجال ؛ لعلها - أو بعضها - يفيد في المستقبل، ولعل المسؤولين عن ثقافة الأطفال يقتنعون بها أو ببعضها، ويتخذون قرارات جريئة وحاسمة لإصلاح الاعتوارات و معالجة النقائص، واستكمال النواقص وتعديل المسار للنهوض بثقافة الأطفال.
ولست في حاجة لأن أوضح أهمية تثقيف الأطفال؛ فالكل يعرف ويدرك أهميته، ولقد كُتب الكثير في ذلك.
ولقد حاولت مخلصًا تسليط الضوء على السلبيات ومظاهر القصور؛ آملاً أن يسهم هذا في أن يرى أولو الأمر مخاطر الوضع وأن تخلص النوايا للتعديل والإصلاح .
-
ثقافة الأطفال .. الحال و المستشرف (1 )
بداية أريد التنبيه إلى أن معظم المتعاملين في مجال ثقافة الأطفال يستخدمون اصطلاح (ثقافة الطفل) ؛ وهو مصطلح ينطوي على تمييز في النوع؛ بتجاهل الطفلة الأنثى وقصر الأمر على الطفل الذكر. وأكثر ما يبدو هذا في تسمية المركز الرسمي المنوط بهذا المجال
(المركز القومي لثقافة الطفل) .
ولهذا؛ أناشد جميع السادة الأفاضل والسيدات الفضليات من المهتمين والمهتمات بهذا المجال والعاملين والعاملات فيه أن يراعى هذا في استخداماتهم للمصطلح. وكذلك أناشد المسؤولين في وزارة الثقافة اتخاذ اللازم لتغيير مسميات الجهات المختصة بمجال ثقافة الأطفال.
ملامح الصورة الحالية :
يمكننا رصد وتعيين بعض الأوضاع التي تهيمن على مجال ثقافة الأطفال في مصر؛ ومنها:
-
تتعدد الجهات المعنية بثقافة الأطفال في مصر؛ ما بين المركز القومي لثقافة الطفل، ولجنة ثقافة الطفل في المجلس الأعلى للثقافة، ولجنة أدب الأطفال في نقابة اتحاد كتاب مصر، ومركز توثيق أدب الأطفال التابع لدار الكتب المصرية، وإدارة ثقافة الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ومركز الطفل للحضارة والإبداع، وغيرها .
إن كل جهة من هذه الجهات تمارس نشاطها بعشوائية وبمعزل عن الأخرى، ومنها ما يقصر عن صلاحياته ومهامه، ومنها ما يتجاوزها إلى مهام أخرى ليست منوطة به .
ولا نغفل أن لهذه الجهات بعض الإنجازات المحمودة و المشكورة لها، لكنها في نهاية الأمر غير كافية.
-
تمركز الأنشطة في العاصمة، وعدم الاهتمام بثقافة الأطفال في بقية المحافظات بالقدر الكافي والمرجو؛ وهي تشكل الأغلبية العظمى في عدد الأطفال؛ وهذا يحرم هؤلاء الأطفال من التعاطي مع عناصر الثقافة المتعددة. وإن كان المركز القومي لثقافة الطفل اتخذ خطوة محمودة بأن أصدر صفحة للمركز تقدم أنشطته على شبكة الإنترنت؛ فإن هذا ليس كافيًا لأن الأغلبية من أطفال المحافظات لا يملكون أجهزة كمبيوتر.
-
النسبة الأكبر من العاملين في مجال ثقافة الأطفال غير مؤهلين لهذه المهمة، وليسوا بالكفاءة المطلوبة لتحمل هذه المسؤولية.
-
تركيز معظم الأنشطة في ندوات وورش عمل ومسابقات علمية وثقافية و فنية؛ وكل هذه الأنشطة لا يستفيد منها إلا عدد قليل من الأطفال في حيز مكاني محدود.
-
إغفال التربية الوالدية؛ وهي عامل شديد الأهمية للنهوض بثقافة الأطفال؛ فمجتمعنا يعاني - في قطاعات كبيرة منه - جهلًا بأهمية ثقافة الأطفال؛ ومن هنا سيكون لتوعية الآباء والأمهات بأهمية تثقيف أبنائهم وبناتهم – إلى جانب العناصر التربوية الأخرى – دور كبير ليهتموا بذلك.
-
قصور الإمكانات وضعف الميزانيات التي تخصص لثقافة الأطفال؛ مما يعيق الجهود ويصيب المسؤولين بإحباط إذا ما توفرت النوايا لمزيد من الجهد والرغبة في تحقيق إنجازات أكثر.
-
الجدب الإعلامي؛ فإلى الآن لا يتصور عدم وجود قناة مخصصة للأطفال في مصر ! ومن الجلي أن الخدمة الإعلامية أهم وسائل التأثير وهي القادرة على إيصال الثقافة للأطفال – بعناصرها المتعددة – على أوسع نطاق مطلوب .
وبالتفكير فيما يمكن أن يعدل الأوضاع ويصححها ويسير بها في المسار الذي يحقق نهوضًا وارتقاء بثقافة الأطفال؛ أرى ما يلي :
-
إن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر بخصوص البنية الأساسية والهيكلية لثقافة الأطفال؛ بما يكفل وضع استراتيجية عامة وشاملة تنتج عنها مجموعة من الخطط المرحلية والمستقبلية في كل مجال من مجالات ثقافة الأطفال. ويلزم – بالضرورة – أن تراعي هذه الاستراتيجية نشر ثقافة الأطفال على أوسع نطاق كما ينبغي أن توجد الوسائل الكفيلة بتحقيق شمولية ذلك.
وبدلًا من تعدد الجهات التي يسير كل منها في طريق، وأحيانًا تتقاطع وتتداخل الطرق، وبدلًا من عشوائية العمل دون سياسات واستراتيجيات شاملة وعامة ؛ فإنه يلزم تشكيل مجلس أعلى لثقافة الأطفال تنضوي تحت جناحيه الجهات الأخرى، ويضع لها السياسات العامة، ويحدد لكل جهة منها اختصاصًا محددًا، ويشرف عليها ويتابع العمل ومستوى أدائه ودرجة الإجادة وحجم الإنجاز.
-
رصد الميزانيات الكافية للإنفاق على الأنشطة والجوانب المختلفة لثقافة الأطفال؛ فعدم توافر الإمكانات المادية يعوق العمل، ويعطي الفرصة لتبرير التقصير والقصور.
-
استخدام كوادر مؤهلة وعلى مستوى عال من الكفاءة للعمل في مجال ثقافة الأطفال في جميع الجهات المسؤولة عنه، وإلحاق العاملين في المؤسسات الحالية بدورات تدريبية لتحسين مستوى أدائهم .
-
الاهتمام بنشر ثقافة الأطفال في الأقاليم وعدم حرمان أطفال المحافظات المختلفة من الحصول على الزاد الثقافي الذي هم في أشد الحاجة إليه ؛ وهو حقهم الأساسي والطبيعي؛ أسوة بأطفال العاصمة. لماذا لا تنشأ حديقة ثقافية في كل مدينة من مدن المحافظات المختلفة؛ على غرار الحديقة الثقافية بالسيدة زينب ؟ وفي حين تعتبر حديقة السيدة زينب مؤسسة مركزية لنشر ثقافة الأطفال؛ اقتصر الأمر على أن صارت مجرد مكان يؤدي مهمته في حدود منطقة بعينها؛ مثل أي قصر أو بيت ثقافة محدود التأثير. وعلى الرغم مما يبذله المسئولون من جهد بإرسال القوافل الثقافية إلى المحافظات؛ يبقى هذا غير كاف وفي نطاق محدود.
-
الاهتمام بالتربية الوالدية ووضع خطط وبرامج لها؛ لتوعية الآباء والأمهات من أجل تحفيز أولادهم وبناتهم لأن ينهلوا من الثقافة في مظانها المختلفة.
-
ضرورة وجود قناة تلفزيونية للأطفال تقدم لهم البرامج والأفلام والمسلسلات والأغاني والموسيقى؛ لإشباع حاجاتهم الفكرية والجمالية والارتقاء بفكرهم وتنمية أذواقهم؛ على أن تراعى حاجات المراحل العمرية المختلفة.
|