القاهرة 12 مارس 2024 الساعة 12:00 م
بقلم: فرج مجاهد عبد الوهاب
على الرّغم من وجود أكثر من مصطلح حول الأدب الذي يقوم على المبالغة والإيهام وسرد ما هو غير واقعي بشكل جذاب ومشوّق فتعددت مصطلحاته وتشظت إلى:
1ـ التخييل.
2ـ الفانتازيا.
3ـ التخيّل.
ومع أنّ لكل من المصطلحات السابقة أبعاده وقواعده وآفاقه، وأن ثمة خيط حريري يربط المصطلحات السابقة ينزع إلى التحرر من الأطر التقليدية والتحلق في فضاءات إبداعية يكون التخيل أو التخييل بما هو شكل سردي مُباين للحقيقة من جهة ما فيه من إيهام بالواقع الحقيقي أو المعاش وأيًا كان المصطلح الذي يشتغل المبدع عليه فقد استطاع المبدع الموسوعي الكبير(محمود قاسم) أن يصدر موسوعة علمية على درجة كبيرة من الأهمية، حملت عنوان (موسوعة التخيّل العلمي) وصدرت عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في 334صفحة من القطع المتوسط.
وهذا ما يضعنا أمام اختصاص الموسوعة على من اشتغل من المبدعين سواء العرب أو الأجانب على مصطلح التخيّل العلمي الذي اعتبره المؤلف "أدب عصرنا، ربما اليوم أكثر من أيّ يوم مضي، فهو ينطلق نحو الأمام مخترقا طريقه من دون أو بهؤلاء الذين ينظرون إليه من أعلى، يسخرون من معالمه وكتابه ويتصورون عمره القصير" (ص7).
أما الأسباب التي دعته إلي إعداد هذه الموسوعة فتعود إلى أن:
1ـ الأدباء العرب الذين يكتبون هذا الجنس قليلون تتداخل مفاهيمهم بين أنواع عديدة تدخل تحت هذا النوع.
2ـ عدد أدباء التخيّل العلمي في العالم أكثر من أن تُقدمّ عنهم موسوعة.
إضافة إلي هذين السببين فثمة أسباب أخرى: ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، أدت بشكل أو بآخر إلى انتشار هذا الجنس الأدبي في العالم لاسيّما وأنه بلا جدال أدب القرن العشرين.
أما المراحل التي مرّ بها هذا الجنس فيردّها محمود قاسم كما ورد في مقدمته إلى أربع هي:
1ـ المرحلة الأولى: التى تمثل ظهور التجارب الأولى في أدب النوع، ولعل جول فيرن وويلز هما أبرز أدبائها.
2ـ الحقبة الثانية: ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يتخلّ كتّاب هذه المرحلة عن العوالم التي صنعها كلاسيكيو هذا النوع.
3ـ الحقبة الثالثة: يدخل من خلالها هذا الأدب في دور النضج.
4ـ الحقبة الرابعة: وفيها خرج كتابها من الموضوعات التقليدية، وبدؤوا في مناقشة التهديدات التي يأتي بها العلم للبشر من ناحية، كما مزجوا بين أكثر من نوع من هذه الأنواع المأخوذة عن التخيّل العلمي (ص15ـ16).
ويوضح في نهاية مقدمته التي ألقت الضوء على مشروعه الموسوعي وأهميته فيتساءل كيف نقرأ الموسوعة؟
فيقول: إننا أمام كتاب مرجعي في المقام الأول يتم الرجوع إليه حسب الفقرة والحرف التعريف بالأسماء والعناوين كافة ويمكن قراءته بأكمله كوحدة واحدة باعتباره يمثل تاريخ النوع وأبرز الروايات والكتابات والهدف هو إلقاء الضوء على موضوع له أهمية في الثقافة العالمية المعاصرة ولا يزال في منطقة المجهول في ثقافتنا العربية (ص30).
ويقوم بعد مقدمته الكاملة والمتكاملة بتقديم من اشتغل على الإبداع من المبدعين الأجانب والعرب في مجال الرواية بكثرة واضحة، وفي مجالات القصة والمسرحية والنقد بندرة واضحة، داعمًا موسوعته بما قدمته المؤسسات المعنية بهذا الفن من جوائز كما يُشير إلى أهم المجلات العالمية التي اختصت بالتخيّل العلمي ولا شيء سواه.
في مجال المبدعين قدّم المؤلف ما يزيد عن مئة وعشرين مبدعا ممن اشتغلوا على هذا الجنس الأدبي في مختلف أطراف العالمين الغربي والعربي.
فقدم المبدع مع جانب من سيرته الذاتية حياته، أعماله، أهم ما أنجزه في هذا المجال وتحليل بعض أعماله التي لعبت دورا ما في تأطير هذا الفن وتطويره، وبذلك يكون قد سلّط إضاءة مهمة حول المبدع وآثاره وشغله الإبداعي في مجال الرواية التخيلية بالذات، ونلاحظ الدقة في اختيار الأسماء المبدعة من الروائيين والروائيات، ومن ينعم النظر في هذه الأسماء وجنسياتها يلاحظ أن المبدعين والمبدعات الأمريكيين كانت على رأس مبدعي هذا الفن حيث أشارت الموسوعة إلى أكثر من أربعين مبدعة ومبدعًا روائيا أمريكيًا مما يشير إلى الدور الذي لعبته الرواية الأمريكية في تأصيل هذا الفن وانتشاره ومن ثم تطوير آلياته حتى إن عددا من هذه الروايات تحوّلت إلى أفلام ناضجة ومتطورة.
ويأتي بعد الأمريكيين المبدعات والمبدعون البريطانيون الذين تجاوز عددهم العشرين، يأتي بعدهم الروائيون العرب ممن اشتغل على هذا الإبداع وبلغ عددهم سبعة عشر مبدعا فهم ثلاثة عشر مبدعا من مصر وهو (صلاح الدين أحمد، أحمد خالد توفيق، محمد حديدي، توفيق الحكيم، يوسف السباعي، نهاد شريف، يوسف عز الدين، فتحي غانم، نبيل فاروق، محمود قاسم، مصطفي محمود، صلاح معاطي، السيد نجم).
ومبدعان من المغرب وهما (عبد السلام البقالي، محمد عزيز الحبابي)، وآخران سوريان وهما (طالب عمران، لينا كيلاني) بالإضافة إلى مبدعة كويتية هي (طيبة الأمير).
ثم يأتي دور الأدباء الفرنسيين بعشرة أسماء والروس بسبعة أسماء ثم قلة من الأدباء ظهروا في (كندا، بولندا، تشيكيا، فنلندا، استراليا) بالإضافة إلى مبدع واحد من الصين وآخر من ألمانيا، وآخر من أوكرانيا، أما في مجال القصص التي اشتغلت على التخيل سوى المبدعة الأمريكية (أمازنج ستوريز) والقاص والشاعر الأمريكي (إدجار ألن بو).
أما في مجال النقد الذي اشتغل على هذا الفن، فلم تذكر الموسوعة سوى ما اشتغل الناقد البولندي عليه (ماسيي باروفسكي) وهو ناقد أدبي في مجال التخيل العلمي نشر كتابه الأول في مجال النقد عام 1978 وفي عام 1982 نشر روايته الأولى.
وهذا يطرح سؤالا: هل اقتصر دور النقد على ناقد واحد فقط، أو لم يسترعي هذا الإنتاج الوفير أحدا من النقاد، هل هي الندرة فعلا؟ أم تقصير من المؤلف؟ ثم أين النقاد العرب؟
في حديثه عن المجلات التي اختصت بهذا الجنس الإبداعي، فإنه أحصى المجلات التالية:
1ـ مجلة أنالوج التخيل العلمي والواقع: وهي مجلة أمريكية تأسست عام 1930 وهي أشهر مجلة في هذا المجال, أصدرها الناشر ستانلي شميث (ص39).
2ـ مجلة أزيموف للتخيل العلمي: صدرت في أمريكا تحمل اسم إسحاق أزيموف، أصدرها الناشر عشر مرات في السنة متخصصّة في نشر القصص القصيرة للأدباء من الأجيال كافة صدرت عام 1977، ساعدت في اكتشاف الكثير من الأسماء في عالم التخيل العلمي (ص47).
3ـ مجلة الخيال العلمي: مجلة علمية ثقافية شهرية، تصدرها وزارة الثقافة السورية صدر العدد الأول منها في يوليو 2007 يترأس مجلس إدارتها وزير الثقافة ورئيس تحريرها طالب عمران، تهتمّ بالعلم وآداب الخيال العلمي (ص124).
4ـ مجلة الفانتازيا والتخيل العلمي: مجلة أمريكية، تهتم بأدب التخيل العلمي والفانتازيا نشرت للمرة الأولى عام 1949، أسسها أنتوني بوتشر وفرانسيس كلوماس لناشرين صدرت ربع سنوية في البداية ثم تحوّلت إلى شهرية (ص177).
5ـ مجلة قصص العلم الخارقة: مجلة أمريكية تعني بنشر القصص القصيرة في التخيل العلمي صدرت للمرة الأولى عام 1940 وشهدت فترات من التوقف، عادت للظهور1943ـ 1949ـ 1951ـ تميزّت بقدرتها على الدفع المُجزي للكتّاب فجذبت كُتابا كبارا وفي مرحلتها الكندية ازداد اهتمامها بقصص المجرات والفضاء واستمرت في الصدور حتى عام 1953 (ص200).
6ـ مجلة مستقبل التخيل العلمي: صدرت بأسماء عديدة بين عامي 1939ـ 1943ـ ثم بين عامي 1950ـ 1960، اهتمت بنشر أجمل قصص هذا النوع جمعت بين إصدراين، الأول: التخيل العلمي وصدرت في مارس 1939 والتخيل العلمي التي صدرت في نوفمبر 1939 ثم صدرتا تباعا معا عام 1940 تحت اسم المستقبل المتوحد للتخيل العلمي ثم تغير الاسم عام 1942 وفي عام 1943 صار اسمها قصص التخيل العلمي وفي عام 1955 صار اسمها مستقبل التخيل العلمي ظلت تصدر حتى عام1960.
أما بالنسبة للجوائز التي رصدت لأعمال التخيل العلمي الإبداعية فقد أشار المؤلف إلى الجوائز التالية:
1ـ جائزة برادبوري: جائزة أدبية اسمها (جائزة راي برادبوري لفنون الدراما) تقدّم في مجال التمثيل العلمي الفانتازي لأدباء أمريكا, ثم صارت جائزة بديلة لجائزة نيبولا منذ عام 2009 ومنحت لعدد من الأفلام الأمريكية.
2ـ جائزة فونيكس (العنقاء): وهي جائزة أدبيّة بريطانية تمنح سنويا في مجال التخيل العلمي، والفائزون منها ينتمون إلى قوميات عديدة, منحت للمرة الأولى عام 1970.
3ـ جائزة نيبولا: تعتبر الجائزة الأكثر أهمية التي تمنح كل عام في أميركا يمنحها اتحاد كتاب التخيل العلمي والفانتازيا لأحسن رواية نشرت خلال العام الماضي وذلك للرواية المكتوبة باللغة الإنجليزية أو المترجمة إليها وذلك للرواية المكتوبة باللغة الإنجليزية أو المترجمة إليها وذلك في الروايات والقصص القصيرة والروايات القصيرة وتمنح في مجال الرواية منذ عام 1966 يتم ترشيح ست روايات ويختار منها واحدة وآخر من حاز عليها كيم ستانلي روبنسون عام 2012.
4ـ جائزة هيجو: وهي إحدى أهم الجوائز العالمية التي تمنح لأدب التخيل العلمي، تمنح كل عام لكاتب من أدباء التخيل العلمي لرواية نشرت في العام الماضي، كما تمنح لمجلات التخيل العلمي ولأفلام التخيل العلمي، وتحمل اسم الصحفي (هوجو جرنسباك) الذي أسس مجلة التخيل العلمي (قصص مسلية) تأسست عام 1939، وقد فازت بها مجموعة كبيرة من الروايات وأساطين التخيل العلمي، كما فاز بها عدد من دور النشر بالإضافة إلي مجلات التخيل العلمي, وفي عام 1991 منحت في خمسة عشر فرعا أي إلى أكثر من خمسة عشر مبدعا له علاقة بأدب الخيال العلمي وأدب الفانتازيا وهذا نوع من التحدي للجوائز الأخرى التي لا تمنح أبدا لمثل هذا النوع من الروايات وفي عام 1994نال الجائزة فيلم صديقة الديناصورات(ص302)
بهذا الجهد الواعي والمكثف اشتغل الأديب الموسوعي (محمود قاسم) على موسوعته التخيل العلمي فقدم من خلالها خدمة جليلة لكل مهتم بهذا الجنس الأدبي كتابة ومتابعة ونقدا.
ولا أدري إن كان المؤلف قد قدّم أدباء كل دولة على حده، فيبدأ بالأمريكيين ثم البريطانيين والعرب فيكون التصنيف تبعا لكل دولة مما يُسهم في مساعدة الباحث على إيجاد من يرغب من المبدعين، ولو وضع المجلات في قسم والجوائز في قسم آخر بدلًا من تداخلها في صفحات الموسوعة من دون تمهيد أو تقديم ومع ذلك فهو أدرى بالمنهج الذي اتبعه في تصنيف أسماء الموسوعة وتبويبها الموسوعي المعروف بموسوعياته في مجالات السينما والأدب وغيرهما، لتبقى الموسوعة إنجازا إبداعيا ومتألقا.
ستبقي المكتبة العربية الحديثة ومن له علاقة ما بأدب التخيل العلمي بحاجة ملحة وضرورية لها، لأنها وضعت بين أيدينا أهم من اشتغل على هذا الجنس الإبداعي في دول العالم، وهنا تكمن أهمية مثل هذه الموسوعات المتخصصة، والمصنوعة بخبرة عالية في فن إعداد الموسوعات وتبوبيها.
|