القاهرة 05 مارس 2024 الساعة 11:52 ص
كتب: إبراهيم محمد حمزة
عن دار متون المثقف بالقاهرة، أصدر الناقد المصري فرج مجاهد عبد الوهاب كتابا يتناول رحلة طويلة للرواية السعودية منذ نشأتها الأولى وحتى عام 2008م، حمل الكتاب عنوانًا مدهشًا هو "نوستالجيا الوجوه في الرواية السعودية" عبر ثمانين عامًا من الإبداع في جنس فني غربي هو فن الرواية، منذ ظهرت المحاولة الروائية الأولى في المملكة العربية السعودية عام 1930م، وهي رواية (التوأمان) عبد القدوس الأنصاري والذي يُعَدُّ البداية التاريخية للرواية السعودية، وهي بداية مبكرة جدًا إذا ما قورنت ببدايات هذا الفن في عدد من البلاد العربية ولكن على الرغم من هذا لم تحقق الرواية السعودية نضجها الفني سريعًا بل ظلت أسيرة البدايات المتعثرة لزمن طويل وفي عام 1959م، جاءت رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري التي عدها النقاد البداية الفنية للرواية السعودية.
في مقدمة الكتاب يقسم الناقد فرج مجاهد مراحل تطور الرواية السعودية إلى أربع مراحل متتالية زمنيًا، أولها منذ عام 1930 إلى عام 1959، وقد سادت نظرة ازدراء ودونية لفن الرواية، حيث كان الشعر سيدًا للفنون، وقد نهض الأدباء الرواد أمثال عبد القدوس الأنصاري، وأحمد السباعي، ومحمد على مغربي، وغيرهم بهذه المهمة إذ بدأوا بالحديث عن الرواية والدعوة إلى كتابتها عبر الصحافة المحلية المزدهرة آنذاك مشيرين إلى حاجة الأدب السعودي إليها أسوة بالبلاد العربية الأخرى التي أصبحت الرواية جزءًا لا يتجزأ من أدبها، ومؤكدين أهمية الرواية وقدرتها على استيعاب كثير من القضايا المعاصرة ونجاحها في التعبير عنها بدقة وشمول تفوق قدرة الشعر، ثم بدأ عبد القدوس الأنصاري خطوة عملية فأصدر رواية "التوأمان" عام 1930م ثم صدرت بعدها مباشرة محاولة أخرى "فتاة البسفور" لصالح سلام عام 1350هـ، وهذه المحاولة لم يذكرها أحد من النقاد والباحثين غير الدكتور على جواد الطاهر في كتاب معجم المطبوعات العربية. كانت الأعمال قليلة نادرة، لا تسير وسط تيار، بقدر ما تمثل انتفاضات مضيئة من جانب كتاب مثل: أحمد السباعي ومحاولته الروائية الأولى (فكرة)، وفي العام نفسه أصدر الأستاذ: محمد على مغربي محاولته الروائية الوحيدة (البعث)، وكانت الكتابة تقترب في بنائها ورؤيتها من طبيعة الحكايات الشعبية المعتادة وقتها، وتسيطر النزعة الإصلاحية على المحاولات السردية وقتها. وبصدور رواية "ثمن التضحية" لحامد دمنهورى عام 1959م تبدأ مرحلة ثانية من تاريخ الرواية السعودية، نظرًا لفنيها وانتمائها الفعلي لفن الرواية لدرجة جعلت النقاد يجعلونها المؤسسة لفن الرواية السعودية، وفى هذه المرحلة ظهر القلم النسائي مشاركًا في الكتابة الروائية للمرة الأولى خلال هذه المرحلة فأصدرت سميرة بنت الجزيرة (سميرة خاشقجي) ستة أعمال وهي على التوالي (ودعت آمالي 1961م ، ذكريات دامعة 1962م، بريق عينيك 1963م، قطرات من الدموع 1971م، وراء الضباب 1971م، مأتم الورود 1973) ثم تأتى المرحلة الثالثة، والتى يمنحها المؤلف عشرين عاما من 1980 إلى عام 2000، لتشهد ازدهارا في الكم والكيف معًا، فوصلت الروايات إلى مئة وستين عملا، وتنوعت التجارب، وتطورت سبل البناء، واتجهت الرواية للتجريب، وظهرت أسماء مهمة مثل: عبد العزيز مشرى الذي أصدر ست روايات هي (الوسمية، والغيوم ومنابت الشجر، وريح الكادي، والحصون، وصالحة، وفي عشق حتى)، وعصام خوقير الذي أصدر خمس روايات هي (الدوامة، وزوجتي أنا، والسنيورة، وسوف يأتي الحب، والسكر المر) ورجاء عالم التي أصدرت أربع روايات وهي (أربعة صفر، وطريق الحرير، ومسرى يا رقيب، وسيدي وحدانه) وأمل شطا التي أصدرت ثلاث روايات وهي (غداً أنسى، ولا عاش قلبي، وآدم يا سيدي آدم) وغازي القصيبي الذي أصدر ثلاث روايات هي (شقة الحرية، والعصفورية، وسبعة) وقد فقدت الرواية في هذه المرحلة شيئا من خصوصيتها المتميزة، وقد ظهر أول كتاب نقدي عن الرواية وهو كتاب (فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور) للدكتور السيد محمد ديب، وقد لحق بعض روايات هذه المرحلة تهمة تداخلها مع السيرة الذاتية، فقد ذهب بعض النقاد إلى أن رواية (شقة الحرية) لغازي القصيبي سيرة ذاتية للكاتب أو لمرحلة من مراحل حياته.
أول ما يظهر بجلاء في المرحلة الأخيرة التى أرخ لها المؤلف وأعطاها فترة قصيرة جدا من 2000 إلى 2008م هو تزايد حجم الإنتاج الروائى بشكل بالغ، فقد صدر خلال هذه السنوات مئتان وإحدى وسبعون رواية، وهو عدد يفوق كل ما صدر قبل هذه الفترة، وقد ظهرت أسماء جديدة جيدة، اقتحمت ميدان الرواية بجرأة وثقة، مثل يوسف المحيميد، وأميمة الخميس، ومحمد حسن علوان، ونورة الغامدي، وهاجر المكي، وعبد الحفيظ الشمري، وعواض العصيمي، وعبد العزيز الصقعبي وغيرهم، وازدهرت كتابات نسائية عالية الجودة، قادرة على إثارة نقاش جاد بخصوص إبداعاتهن، مثل رجاء الصانع صاحبة رواية (بنات الرياض) وأميمة الخميس صاحبة رواية (البحريات) وسارة العليوي صاحبة رواية (سعوديات) وصبا الحرز صاحبة رواية (الآخرون) وتركية العمري صاحبة رواية (ويقول لي يا كاثرين) وغيرهن.
اختار الكاتب لمُؤَلَّفِه عنوانا مميزا، "نوستالجيا الوجوه في الرواية السعودية" وهو عنوان لا يعبر بالضرورة عن مضمون الكتاب، فقد خصص مقدمته لحركة تطور الرواية ، ثم طرح للنقاش ست عشرة رواية لـستة عشر روائيا سعوديا، رتبهم أبجديا، فتناول أعمال إبراهيم مضواح الألمعي وروايته "عـتق"، أحمد الدويحي وروايته "غيوم امرأة استثنائية" وجبير المليحان وروايته "أبناء الأدهم" وخالد اليوسف وروايته "نساء البخور" وسلطان القحطاني وروايته "في سوق الحميديّة"، وعبد الحفيظ الشمري وروايته "نسيج الفاقة" وعبد العزيز الصقعبي وروايته "في غفوة ذات ظهيرة" وعبد العزيز مشري وروايته "الغيوم ومنابت الشجر" وعبد الله أحمد الفيفي وروايته "طائر الَثبغطر" وعبده خال وروايته "لوعة الغاوية" وعبد الله بن صالح العريني وروايته "مهما غلا الثمن" وغازي القصيبي وروايته "الجِنِيَّة" وماجد سليمان وروايته "دم يترقرق بين العمائم واللحى" ومحمد بن سعد بن حسين وروايته "الزهرة المحترقة" ومـحمد حسن علوان وروايته "مو ٌت صغير" ويوسف المحيميد وروايته "غريق يتسلى في أرجوحة".
أما مسألة النوستالجيا أو الحنين للماضى، فلم تغلب على إنتاج الروائيين السعوديين بشكل يجعلها ظاهرة، وتتكون كلمة نوستالجيا من شقين، الكلمة الإغريقية «نوستوس« (Nóstos)، وتعني رحلة العودة، و«ألغوس« (álgos)، وتعني الألم والحزن. استخدمها في القرن السابع عشر طالب الطب السويسري هانس هوفر كلمة نوستالجيا التي تعود إلى اللغة الإغريقية لوصف الألم النفسي الناجم عن الحنين للعودة إلى الماضي. بينما يتناول المؤلف الروايات بأشكال مختلفة نقديًا، فبعضها يتوقف أمام الحدث بشكل عام أو تفصيلي، بينما يتناول روايات أخرى بشكل حداثى ويعتمد على الخطوط والتوازيات وتكرار الألفاظ وتعدد الدلالة، وهو ما يؤكد أنها كتبت بشكل منفصل وجمعت في كتاب كعادة غالبية الكتب في عصرنا الحالي، وربما يصدر المؤلف كتابًا خاصًا يحمل الملامح الروائية النسائية السعودية، خاصة وأنه أصدر كتابا بعنوان "مسافة للممكن ..مساحة للإبداع" عن إبداع للرائدة الكويتية د. فاطمة يوسف العلي ، وقد أصدر أربعة عشر كتابا، وعددًا من الكتب المشتركة.
|