القاهرة 27 فبراير 2024 الساعة 01:08 م
بقلم: د. جافين فرانسيس
ترجمة: د. فايزة حلمي
-
"احترام عملية التعافي" (2)
لا يوجد تسلسل هرمي للمعاناة، ولا يمكن القول عن مجموعة واحدة من الظروف أنها تستحق التعاطف، بينما مجموعة أخرى تستحق الاستبعاد، لقد عَرِفت المرضى الذين سَيْطر على حياتهم لسنوات، حُزن علاقة حُب فاشلة، وغيْرهم مِمّن تعرضوا لأشد الإصابات والألم والإهانة وفقدان الاستقلال في خطواتهم.
على الرغم من أنه قد يكون من المغري الاستياء من شخص يبدو أن مرضه أقل خطورة من مَرَضنا، أو الحكم على أنفسنا بقسوة عندما يبدو أن الآخرين يتعاملون مع ظروف أكثر تحديًا منا، إلا أن المقارنات نادرًا ما تكون مفيدة، ولا يُنصح بوضع جدول زمني صارم للتعافي: من المهم تحديد أهداف قابلة للتحقيق، في بعض الأحيان، كل ما يمكنني فعله هو طمأنة مرضاي بأنني أعتقد أن التحسين من نوع ما ممكن، إن التعافي الذي أطمئنهم منه قد لا يكون بيولوجيًا بطبيعته "من حيث حل حالتهم" ولكن بالأحرى تحسين في ظروفهم.
في سياق عملي الطبي، أرى أحيانًا عدوى فيروسية ترسل مرضاها إلى الفراش لأسابيع أو شهور، وفي حالات قليلة، لسنوات، لماذا يحدث هذا؟! إنه غير مفهوم بشكل جيد، يبدو الأمر كما لو أن الصراع مع المرض يعتمد بعمق على احتياطيات القوة الداخلية للفرد بحيث يبذل الجسم كل ما في وسعه للحفاظ على طاقاته، حتى لو ذهب إلى أبعد من ذلك للتلاعب بإحساسنا بالجهد، لذلك فإن القيام بنزهة قصيرة أو صعود الدرج، هو مخاطرة بالإرهاق.
من خلال الموجات المتتالية لـ Covid-19 خلال عامي 2020 و 2021، تحدثت إلى العديد من المرضى الذين تسبب فيروس كورونا لديهم في هذا النوع من التعب الدائم، ذكرت رسالة في مجلة Nature Medicine نُشرت في مارس الماضي أنه، بالنسبة لمجموعة العينة الخاصة بهم، عانى واحد من كل ثمانية ضحايا لـ Covid-19 من أعراض استمرت لأكثر من أربعة أسابيع، وواحد من كل 22 يعاني من أعراض استمرت لأكثر من ثمانية أسابيع، وواحد من كل 44؛ كان لدى المرضى أعراض استمرت أكثر من 12 أسبوعًا، وكانت الأعراض الأكثر استمرارًا هي ضيق التنفس وفقدان الرائحة والصداع والتعب.
يشجع أخصائيو العلاج الطبيعي الأشخاص الذين يعانون من إرهاق لا هوادة فيه بعد الفيروس، على الدفع بلطف إلى حدود ما يمكنهم القيام به فيما يتعلق بالجهد البدني، لقد وجدوا أنه إذا لم يتم اختبار هذه الحدود، فإن عالَم الممكن يبدأ في الانكماش والآفاق تنقبض، وتضعف العضلات، ويمكن أن يصبح المصابون محاصرين في دائرة من الجهد يتبعها الانهيار، يبدأ الجهد المطلوب لمواجهة كل انهيار؛ في التضاؤل.
كل شخص لديه وتيرة مختلفة من النقاهة، وسوف يتطلب استراتيجيات مختلفة من الطبيعي أن تكون العملية بطيئة، وطبيعية أيضًا، لأن المرض طويل الأمد يختلف في مظاهره من شخص لآخر، قد تختلف الأعراض المطوّلة للعدوى الفيروسية اختلافًا كبيرًا بين الأفراد المختلفين، ولكنها يمكن أن تشمل كميات متفاوتة من ضيق التنفس، وصعوبة التركيز، والنسيان، وتغيّرات الحالة المزاجية، والأرق، وفقدان الوزن، أو زيادة الوزن، والإرهاق، وضعف العضلات، وتيبس المفاصل.
عندما أرى مَرْضَى يعانون من هذه الأنواع من المشاكل، أحاول أن أؤكد أن تجربتها ليست دليلاً على أن التعافي قد توقف، أو أنه يسير في الاتجاه المعاكس، على العكس من ذلك، فهذه الأعراض هي دليل على أن الجسم والعقل يتفاعلان ويتغيران استجابةً للمرض، وحيث يكون هناك تغيير؛ هناك أمل.
-
تجربتي الشخصية مع التعافي
خلال سنتي الأولى في التدريب كطبيب عام، مَرضت، لقد عملت لسنوات عديدة في المستشفيات، وقد تأهلت بالفعل كَمُتدرب في طب الطوارئ، لكن شدة واتساع المشكلات التي كنت أتعلم مواجهتها في دوري الجديد كطبيب في المجتمع، أشعرتني بالارتباك، اندلعت مشكلة قديمة في الجيوب الأنفية، مما جعلني أعاني من صداع مستمر فوق عيني استنزف كل طاقتي، كنت منهكًا ولا أستطيع التركيز وكنت أعاني من ألم مزمن، أظهر فحص التصوير بالرنين المغناطيسي أنني بحاجة لعملية جراحية قد تستغرق شهورًا لترتيبها، في غضون ذلك، كان لدي تدريب الممارس العام لإكماله.
لم يكن بإمكاني فعل أي شيء لتسريع موعد عمليتي، لكن يمكنني فعل شيء حيال الإرهاق ومستويات التوتر لديّ، بدلاً من التوقف عن العمل تمامًا، قمت بتخفيض ساعات العمل إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، كل يوم في العيادة سيتبعه يوم عطلة للتعافي، كان الصداع سيئًا كما كان دائمًا، ولكن مع وجود المزيد من الوقت للراحة والتعافي بين أيام العيادة، كان الألم يزعجني بدرجة أقل، إن معرفتي بأن لديّ مساحة للتنفس ليوم واحد في المنزل تعني أنني تمكنت من بذل قصارى جهدي لمرضاي في تلك الأيام التي كنت فيها في العيادة، سوف يتأخر تدريبي، سيستغرق الأمر الآن أكثر من عام حتى يتم تسجيلي كطبيب عام مختص، لكنني أقنعت نفسي بأنه لا جدوى من المخاطرة بالإرهاق من أجل جدول زمني يضعه شخص آخر.
وقد تأهلت على نفس المستوى، وإن تأخرت شهرين، كانت العملية ناجحة، وتم علاج الصداع الذي أصابني، وتعلمت درسًا قيّما، نحن بحاجة إلى القوة والطاقة لنتعايش مع المرض، لقد منحني خفض أعباء العمل؛ الاحتياطيات التي احتاجها، ليس فقط لأعيش مع الألم المزمن حتى العملية، ولكن للبدء ببطء في طريق التعافي منه.
يجب أن تعمل جميع أعمال التعافي الجديرة بالاهتمام بالتنسيق مع العمليات الطبيعية، وليس ضدها، لا "تقتل" العديد من المضادات الحيوية البكتيريا في حد ذاتها، ولكنها تعيق نمو المستعمرات البكتيرية وتترك الجسم يقوم بالباقي، إن الطبيب الذي يشرع في "الشفاء" هو في الحقيقة أشبه بالبستاني الذي يشرع في "النمو"، في الواقع تقوم الطبيعة بالعمل كله تقريبًا، حتى عندما أقوم بتخييط جرح مريض، فإن مادة الخيط نفسها لا تحيك الأنسجة، هذا الخيط هو مجرد تعريشة لتوجيه الجسم في عمله الخاص للتعافي..
(يتبع)
|