القاهرة 13 فبراير 2024 الساعة 10:42 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
يُهدي د. رفعت السعيد كتابه "الصراع بين الإسلام والتأسلم" الصادر عن الهيئة العامة الكتاب، إلى مصر آملًا في وطن حر ديمقراطي خالٍ من التأسلم، معلنًا في بدايته أنه كان طوال عقود يواصل انتقاده للفكر المتأسلم، ذاكرًا أنه نجح في إيضاح خطأه وخطره على جوهر العقيدة، وعلى رؤية الآخر للإسلام، وعلى المسلمين ذاتهم.
السعيد يقول إن دولة التأسلم قد جاءت، وهي ليست المرة الأولى، فعبر التاريخ تحققت هذه الدولة لتنهار، وفي كل مرة تأتي لتنهار، وفي زماننا الحديث تحققت هذه الدولة بشكل أو بآخر، ورأينا نتائجها السلبية في إيران وأفغانستان والسودان ومالي وغيرها، ومن هنا يرى السعيد أن الكتابة في موضوع التأسلم ذات أهمية خاصة، وربما ذات مذاق خاص، مؤكدًا مرة أخرى اعتقاده بأن التأسلم ليس جرعة ناقصة من الإسلام، بل على العكس لعله يتبدّى وكأنه جرعة زائدة منه.
كذلك يعتقد أن التأسلم ينشأ من بذرة خاطئة متعصبة رافضة للآخر، وناقصة في فهمها لحقيقة الدين ومبتغاه وروح نصوصه، واللجوء إلى التفسير النصي، وهو تفسير يأتي في الأغلب وفق الهوى.
السعيد يذكر أن التأسلم يتخذ أشكالًا مختلفة باختلاف الزمان والمكان، فتأسلم الخوارج يختلف عن تأسلم قادة ثورة الزنج وهؤلاء يختلفون عن تأسلم إرهابيي جماعة الإخوان المسلمين، ويختلفون عمن أتى بعدهم من متأسلمين، وأيًّا كان الاختلاف، فالبذرة الأصلية تبقى كما هي، وهي التمسك برؤية متطرفة تقتاد صاحبها في كل الأوقات والبلدان إلى إنكار الآخر والاستعلاء عليه واعتبار اختلافه معهم اختلافًا مع شرع الله، وبالتالي يكون هذا المختلف مرتدًّا وكافرًا من وجهة نظرهم.
ويكمل السعيد في هذا الاتجاه فيضيف أن المفردات والعبارات والمواقف التي أتى بها سيد قطب كانت أشد تأسلمًا من الفكر المتأسلم الذي أتى به حسن البنا، وهكذا كل مرحلة تأتي أكثر تشددًا وتأسلمًا، وتكون المفردات والمواقف والاتهامات أشد قسوة وعنفًا، متسائلًا من هو المسلم الحق؟ ومن هو المتأسلم؟ ويرد بأن الإجابة تتطلب التفريق بين الإيمان الحقيقي وبين المتشدد والمتطرف والمتعصب.
مشيرًا في هذا الصدد إلى أن التعصب للرأي الإنساني يكون مدعاة لكل ما نحن فيه من تعصب طائش وتطاول مجنون على المخالفين، وهو ما يتجلى في الآونة الأخيرة من فتاوى وادعاءات ومواقف ما كانت يومًا من تراث إسلامي حقيقي.
إضافة إلى هذا يكتب السعيد عن المعتزلة، الزنج، الشيعة والتلاعب بين القول والفعل، عن مصر والتأسلم العثماني، عن ليبرالية اليمين ضد التأسلم، يكتب عن سيد قطب وكونه يسير على خطى حسن البنا، عن التأسلم على الطريقة الإخوانية.
وبعد أن يتحدث السعيد عن سيد قطب وإعدامه يقول هذه النهاية المأساوية تبقّى منها فكر شديد التطرف أدى إلى إرهاب شديد التطرف طاف العالم كله ولم يزل.
ثم يصل السعيد إلى أن المتأسلم هو إنسان تلبّسته فكرة خاطئة صورت له أنه كلما تشدد وتطرف كان الأقرب إلى الله، وأنه بمزيد من التأسلم سيمضي حتمًا إلى الجنة.
ويختتم السعيد كتابه هذا قائلًا إن موجات التأسلم تتوالى، تأتي، تصعد، ويُخيّل لأصحابها وللجميع أنها تكتمل نفوذًا وسلطة، ثم لا تلبث أن تتآكل من داخلها وتنهار، وإن مصر هزمت كل دعاوى التأسلم بفهمها الصحيح، الجميل، المفعم بالحنان والرفق ومحبة الإنسان واحترام العقل البشري واحترام ثماره واحترام الآخر واحترام المواطنة، ورفضت كل المتأسلمين: أمويين، عباسيين، فاطميين، عثمانيين، مماليك، متأسلمين محدثين، كل هؤلاء أتوا ليرحلوا إلى أسوأ زوايا التاريخ، ويتجدد الوهم المتأسلم: إخوان، جماعات، سلفيون، وكما كان مصير سابقيهم سيكون مصيرهم، وستبقى مصر.
|