القاهرة 24 يناير 2024 الساعة 02:27 م
كتب/ احمد صلاح
كانت اليونان مكانًا رائعا للغاية لكي تتحول إلى مصدر الفلسفة أو لو شئنا الدقة، نقول، إن اليونان كانت المرتع الذي تظهر فيه المدارس الفلسفية والفلاسفة، فامتلأت بالعديد من المدارس والتي ذكرنا بعضها سابقا، ومنهم من لم نذكرها، ولكننا سنتكلم عن الأشهر، ومن أشهر تلك المدارس الرواقية نسبة إلى الرواق.
اسس المدرسة الرواقية زينون الرواقي ، ويروي أنه كان في فينيقيا ثم استقر بمدينة أكتيوم اليونانية بعدما غرقت سفينته في البحر ولم يستطع العودة، كان في سن الثلاثين وقتها، ثم توجه إلى أثينا ودرس فيها، ولما استقر به المقام اشتري كتابا من ورَّاق كتاب زينوفون عن سقراط، وهو المذكِّرات المشهورة، فأُعجب به وسأل: أين يوجد رجل مثل سقراط؟ فأشار عليه الورَّاق باتباع أقراطيس الكلبي. وتنقَّل زينون عشرين عامًا بين المدارس الفلسفية في أثينا، ثم أخذ يُعلِّم الفلسفة في رواق مشهورٍ بأثينا كان محلًّى بنقوش بوليجبنوتس أشهر الرسَّامين اليونانيين في القرن الخامس قبل الميلاد. وكان ذلك الرواق فيما مضى منتدًى للأدباء والشعراء يلتقون فيه، وكان إلى ذلك مباحًا لكل طارق، فلمَّا اتخذه زينون مكانًا للتعليم، سُمِّي وأتباعه بالرواقيين.
وكما استمدت المدرسة الأكاديمية اسمها من أكاديموس، والمشائية من طريقة التعليم في أثناء المشي، كانت المدرسة الرواقية تستمد اسمها من الرواق الذي كان يلقي فيه زينون تعالميه.
وعلى الرغم من تغير مذهب الرواقية على مر الزمان إلا أن الشخص الرواقي يمتاز بثلاثة أمور أخلاقية، هي التحرُّر من الأهواء، وعدم الخضوع للأفراح والأحزان، والاستسلام لقانون القضاء. فإذا تيسَّر لأحد أن يملك زمام نفسه على هذا النحو؛ فهو الحكيم الرواقي. ويمكن القول بعبارة أخرى، إن الحكيم الرواقي هو الذي يصبر على أحداث الزمان، ويرضى بما يجري عليه ولا حيلة له فيه من العطاء أو الحرمان، وهذا شيء ليس من اليسير أن يتقبَّله كل إنسان.
ويقول أحمد فؤاد الأهواني في كتابه "المدارس الفلسفية" والرواقية مدرسة عجيبة ظهرت في بلاد اليونان، ولكن مؤسِّسها غير يوناني، وجمعت بين السيد والعبد على صعيد واحد، ولم تُميِّز بين شرقي ولا غربي، ولم تستقر في مكان واحد أو داخل جدران مدرسة واحدة، ومع ذلك انتشرت تعاليمها، ولا تزال ساريةً حتى الآن. وتطوَّرت آراؤها على مر العصور، ولكنها احتفظت بطابع أخلاقي يُميِّزها عمَّا عداها.
استمرَّت رسميًّا خمسة قرون، من الثالث قبل الميلاد، إلى الثاني بعد الميلاد. أول ممثليها زينون، وآخرهم مرقص أوريليوس المتوفى 180ب.م. وتُقسَّم المدرسة عادةً إلى قديمة ووسطى وحديثة؛ فالقديمة في أثينا، ويُمثِّلها زينون وكليانتس وكريسبوس. ووسطى يُمثِّلها بناثيوس وبوزيدونيوس، وحديثة في روما يُمثِّلها سينيكا وأبيكتيتوس ومرقص أوريليوس. ثم تسرَّبت آراؤها إلى المسيحية واستمرَّت في التراث الغربي حتى الوقت الحاضر. وقد كان لها أثرٌ كبير على الحُكَّام والملوك الذين اعتنقوا هذه الفلسفة، حتى قيل إن معظم الملوك بعد الإسكندر المقدوني كانوا من أتباع الرواقية.
وتقوم الرواقية على مبدأين أساسيين مع التوفيق بينهما؛ وهما الحتمية الكونية والحرية الإنسانية. والأول منهما خاص بالطبيعة، والثاني بالإنسان؛ ذلك أن حوادث الكون محكومةٌ بقوانين صارمة، وليس ثمة في نظر الرواقيين صدفة أو اتفاق. وعندهم أن كل شيء في هذا العالم مسوق نحو غاية ومدبَّر لخدمة الإنسان، وهذه هي نظرية العناية الإلهية. وعلى الإنسان أن يسعى بإرادته، ومحض حريته واختياره إلى أن يتوافق مع القوانين العامة للطبيعة. فالفضيلة إذن تقوم في حرية الإرادة الموافقة للطبيعة. وما دام الأمر كذلك، فلا بد أن يكون الحكيم الرواقي سيد نفسه، لا يُهمه فقر أو غنًى، ولا تصده أي قوة خارجية عن الفضيلة."
|