القاهرة 03 يناير 2024 الساعة 02:44 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
للمدرسة المشائية أو المدرسة اللوقية حكاية طريفة حدثت في بداية معرفة العرب بهذه المدرسة الفلسفية، فعند ترجمة اسمها من اليونانية كان اسم المدرسة يكتب هكذا Lykeum، ومن هنا اشتق كلمة اللوقيون، ولكن الفرنسيون عندما اخذوا نفس الاسم اليوناني كتبوها Lyceum ثم حرفت بعد ذلك إلى Lycée، وانتشر هذا الاسم لتعرف به سلسة مدارس شهيرة عرفت باسم مدارس الليسيه، ومن مفارقات القدر أنها لا تدرس إلا مقررات الفسلفة الحكومية!
كما تعرف نفس المدرسة باسم المدرسة المشائية أو المشائين، لأن المعلم وتلاميذه كانوا يتعلمون ويتلقون دروس الفلسفة وهم يمشون، ويبدو أن مسألة المشي لم تكن مقصورة علي تلك المدرسة بل كان بسبب جو أثينا الحار كان المعلم يفضل ان يصطحب تلامذته للمشي اسفل ظلال الاشجار أو يسيرون جيئة وذهابا في الأروقة.
وذا كان أفلاطون قد أنشأ الأكاديمية، فان أرسطو هو من أنشأ المدرسة المشائية أو اللواقية، وكانت تلك الأخيرة تنافس المدرسة الأكاديمية، حتي أغلق جستنيان أبواب المدرستين، وقد أنشأ ارسطو مدرسته في عام 387 ق.م، واستمر رئيسا لها حتي وفاته في عام 347 ق.م، وكان أن افتتح مدرسته وهو في سن الخمسين.
التحق أرسطو بالمدرسة الأكاديمية عندما وفد إلى أثينا وهو في سن الثامنة عشر وظل بها عشرين عاما يتلقي العلوم، وتأثر بشخصية معلمه افلاطون وتعاليمه، وبالرغم من كثرة وتعدد المدارس الفلسفية في أثينا إلا أن أرسطو كان متاثرا بطريقة عظيمة بأستاذه، وكان كثير القراءة حتي أن أفلاطون أسماه "بالقراء " وأحيانا "بالعقل "، وكان أرسطو دائما ما يصف نفسه وزملائه بنحن الأفلاطونيين مما يدل علي ولائه للأكاديمية.
ويقول أحمد فؤاد الأهواني في كتابة المدارس الفلسفية: "ويبدو أن الطابع العام لجميع المدارس الفلسفية قديمًا كان واحدًا، فالمدرسة جماعة من الباحثين والمفكِّرين يرتبطون بروح مشتركة، ويُشاركون في آراء أساسية، وفي الوقت نفسه يحتفظ كل واحد منهم باستقلاله في البحث، وهذا الاستقلال يُفسِّر لنا اتجاه أرسطو منذ كان في الأكاديمية إلى متابعة البحث في العلم الطبيعي، كما ذكرنا قبلًا.
لم يكن أرسطو الذي سمَّاه أفلاطون «القَرَّاء» و«العقل»، ليَقْبَل أن يستمر في الأكاديمية تحت رئاسة سبيسيبوس، الذي مضى -عد موت أفلاطون- يُوجِّه المدرسة نحو الرياضة، وأن يقلب الفلسفة -كما يقول أرسطو- إلى رياضيات.
مهما يكن من شيء، فلسنا ندري الأسباب الحقيقية التي من أجلها هجر أرسطو الأكاديمية، ورحَّب بدعوة زميل قديم له في تلك المدرسة هو «هرمياس»، الذي أصبح حاكم أسوس، وجمع حوله حلقةً صغيرةً من الأفلاطونيين، وبعد ثلاث سنوات ذهب إلى ميتلين في جزيرة لسبوس، حيث لقي صديقه ثاوفراسطس زميله في الأكاديمية، وخليفته فيما بعدُ على رئاسة «اللوقيون».
وترجع مباحث أرسطو ومشاهداته في العلم الطبيعي والبيولوجي إلى إقامته في أسوس وميتلين.
وفي سنة 343ق.م. دعاه الملك فيليب لتثقيف ابنه الإسكندر، فعلَّمه إلياذة هوميروس، ومبادئ الحكم، ولكن حقيقة «التعليم» الذي تلقَّاه الإسكندر من معلِّمه غير معروفة، فلمَّا تُوفي فيليب 335ق.م عاد أرسطو إلى أثينا، وأنشأ مدرسة «اللوقيون»، وتلقَّى من تلميذه الإسكندر معونات كبيرةً ماليةً وأدبية."
ويفند الأهواني مكان تواجد المدرسة المشائية واللوقية وايضا سبب التسمية فيقول:
"أنشأ «اللوقيون» مدرسةً فلسفيةً تختلف في اتجاهها عن الأكاديمية التي عُنيت بالعلوم الرياضية، كانت الأكاديمية تقع خارج أسوار أثينا في الشمال الغربي من المدينة، فاختار أرسطو لمدرسته موقعًا في الطرف المقابل من المدينة شرقي الأسوار -أو الشمال الشرقي- على مقربة من طريق ماراثون، أكبر الظن بين جبل ليقابيتوس ونهر أليسوس، حيث كانت تقع أيكة مقدسة موهوبة للرب أبولون لوقيوس وربات الفنون، وكانت تلك الأيكة من الأمكنة المحبَّبة إلى سقراط وكان يرتادها كثيرًا. أمَّا لوقيوس التي منها اشُتق «اللوقيون»، فهو صفة لأبولون، وتعني الذئب، أو رب النهار.
ولمَّا كان أرسطو أجنبيًّا، أي ليس مواطنًا أثينيًّا، فلم يكن له الحق في امتلاك الأرض ولذلك استأجر بعض الأبنية وجعلها نواة مدرسته، وفي جوار ذلك المكان كان «يتمشَّى» هو وتلاميذه في المماشي وتحت ظل الأشجار ذهابًا وجيئة، ولذلك سُمِّي أتباعه بالمشَّائين، ولو أن هذا الأسلوب في «التعليم» -كما ذكرنا من قبل- لم يكن مقصورًا على أرسطو وحده، والتعاليم المشَّائية هي المأخوذة عن مدرسة أرسطو".
|