القاهرة 10 ديسمبر 2023 الساعة 01:19 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
أيام قليلة ونودع عامًا جديدًا، أيام أخرى اقتطعت من رصيد وجودنا على سطح هذا الكوكب بما به من فوضى عارمة.. فوضى مشاعر، فوضى حياتية، فوضى مصيرية.
مر عام آخر منذ بدأنا رسائلنا التي ربما وصلت للعديد، لكنها لم ولن تصل إليك أبدًا!
لا أخفي عليك أنه كان عامًا مليئا بالأحداث الجيدة منها والسيئة، بدأ العام بخسارة كبيرة حيث رحلت أمي الحبيبة بعد رحلة قليلة جدًا مع المرض، رحلت قبل أن يبدأ العام ب 15يومًا فقط، ليبدأ هذا العام دون وجودها الفعلي بيننا، دون صوتها المميز وضحكاتها التي تنير الكون، ومزاحها المحبب، وشجارها المفتعل، ونقاشاتها الحادة.
بدأ العام مع وابل من الذكريات، فقد كانت سيدة من سيدات الزمن الجميل، هانم راقية، سيدة مثقفة لبقة رغم حدة طباعها ولين قلبها الذي جاهدت في إخفائه.
بدأ العام بصدمة فراق وفاجعة كبيرة، وها هو يختتم أيامه بفواجع عديدة وليست فاجعة واحدة، قد تكون فردية وخاصة..
لا تزال الحرب تدور رحاها، يدفع ثمنها الأبرياء من العزل من النساء والأطفال والشيوخ.. كلما اشتدت وتيرة العدوان، كلما تأكدت أن ضربات المقاومة كانت موجعة ومؤثرة ومنهكة.
لسوء الحظ أننا نشهد كتابة التاريخ بدموية من جديد، سمعنا عما حدث في السابق، على لسان الآخرين، سمعنا روايات مغلوطة، قضينا حياتنا كلها ونحن ضحية أكذوبة روجها أحدهم بمهارة، أقنعنا أن هناك من فرط في أرضه ببساطة مقابل المال!
لم يذكر رواة التاريخ والقصص أن هناك من صمد، أو قُتل، أو نُكل به لأنه رفض التفريط أوالاستسلام.
مرر العدو بحرفية عن طريق أعوانه في كل مكان أنهم باعوا وتركوا كل شيء، لكن ها هو التاريخ يعيد نفسه أمامنا، بعد أكثر من 50 عامًا تحدث حرب مشابهة لما حدث في السابق لتتكشف الحقائق رويدا رويدا..
يخبرنا الشيوخ أنهم هجروا قسرًا من يافا لغزة، وأن هناك من رفض وتم ذبحه وحرقه، وأن ما نراه ونعايشه هذه الأيام عدوان أشد ضرواة مما مر على مدار عمرهم الذي قارب ال90..
العدو واحد، والأرض واحدة، والمحتل يكرر ما فعله، مرة تانية في غزة.. يرغب في الاستيلاء على أرضها وضمها إليه لبناء مستوطنات عليها، لتندثر القضية ويتم القضاء على الوجود الفلسطيني..
يمارس العدو أبشع الجرائم بحق العزل من الشعب الفلسطيني، يحاصرهم برًا ويمارس حرب تجويع محرمة دوليا، ويكثف هجماته العسكرية برًا وبحرًا وجوًا بدعم من دول العدوان الثلاثي ممن هاجموا مصر يومًا، دعم من كبرى دول العالم فرنسا وإنجلترا بالإضاف للولايات المتحدة، لتنتفض شعوب العالم بما بها من يهود الخارج دعمًا لغزة، لكن حكوماتهم تهب لتدعم العدوان عليها.
مر ما يزيد على 60 يومًا على بدء العدوان الغاشم على قطاع غزة، عشنا تفاصيله منذ السابع من أكتوبر، وتوقعنا بعض ما سيحدث، وتوقعنا رد الفعل المدمر أيضًا، لكن ما لم نتوقعه تواطؤ وخذلان الآخرين سواء من الداخل أو الخارج، لم نتوقع كل هذا الضعف والهوان!!
ألا يكفيهم ما حدث من تدمير وإبادة ارتكبت عن عمد بحق الأبرياء العزل؟!
متى سيتحركون؟! متى سيكون لهم رد فعلهم إيجابي وليس التنديد والشجب؟!
طالعتنا الصحف مؤخرا بتداول صور لعشرات وعشرات من الأسرى الذين تم اعتقالهم وإعدامهم في الساحات، كل جرمهم أنهم ما زالوا قابعين فوق رماد الحياة، فوق ما تبقى من بيوتهم.. تحصنوا بقلوبهم الدافئة، يتخذون من السماء ستارًا لهم، ويستمدون من الأرض الثبات.
يأملون أن يستيقظ ضمير العالم ويتم إيقاف إطلاق النار لتتوقف الحرب.
تمنوا أن يكون كل ما يحدث مجرد كابوس بشع، منام سيء ينتهي بمجرد أن تشرق السماء بنور ربها!
كل جريمتهم أنهم تمسكوا ببقايا أمل، بقايا حياة، رضوا بها على أن يتركوا أرضهم وبيوتهم حتى ولو كانت ركاما! دفعوا ثمن صمودهم وتمسكهم بأرضهم ببطولة منقطعة النظير، ما فعلوه حقيقيًا وليس كلامًا ورد في قصص الخيال العلمي.
ما يحدث هناك ضد هؤلاء الأبرياء فاق خيال كُتاب أفلام الرعب رعبًا ودموية..
كل ما أتمناه أن تقف عجلة الحرب، وأن يتم إنقاذ ما تبقى منهم..
عزيزي عمر خورشيد،،
كلما مر عام أشعر معه بالسعادة، لأن كل أيامه قطعًا لم تكن سيئة، تخللتها أوقات مجرد مرورها بهدوء أعتبره قمة النعم، حتى أنني أعتبر السييء بها جميلًا، لما به من دروس وعبر، لذا لا أرى أن هناك أيامًا قد تكون مرت علي سيئة بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى محنة وفاة أمي كان داخلها رحمة من الله عز وجل..
لا أعلم ما الدرس المستفاد من أيامنا هذي، أيام متشحة بالسواد مملوءة بالحزن والألم، إلا أنه قطعًا هناك رحمة داخل كل ظلام.. يوما ما ستشرق شمس الحرية على من سلبت منهم.
لذا أعتبر هذا العام اسوأ عام مر بي وربما بالجميع.. رأينا في ثلاثة أشهر ما لم نره طيلة أيام عمرنا، وقد لا نراه بعد ذلك أبدًا!
رغم ذلك تخلل هذا العام إنجازات شخصية أفتخر أنها حدثت، وتجارب جديدة مررت بها استفدت منها.
أشكر هذا العام بكل مابه من تضاد، يكفي أني بفضل أحداثه المختلفة أصبحت أكثر قدرة على قراءة الآخرين جيدًا، وبمهارة! كنت أنخدع في الماضي بسهولة في الآخرين فقط لمظهرهم وتصرفاتهم الظاهرية التي يحرص الجميع على أن تكون مثالية.. لذا أصبحت أرى أن كل مثالي مشوه، وأن كل ما نعتبره عشوائي أو غير مرتب جيد!
لذا أعتبر نفسي من الأشخاص المحظوظة والأكثر امتنانًا لهذا العام بشكل عام، ولمحنة فقدان أمي بشكل خاص.
بسبب هذا العام وما به من دروس وعبر أصبحت ما أنا عليه.. أحب نسختي الجديدة هذه.. أحب تصالحها مع النفس، أحب هدوءها، كذلك أحب يقينها أن كل ما تتمناه سيحدث، وقريبًا جدًا.. أحب نسختي الجديدة هذه بما بها من نضج، وحكمة، وحب، ومرح، وعشوائية.
عزيزي عمر خورشيد،،
كل عام وكل من يحب رسائلنا بخير وسعادة.. أتمنى أن نلتقي الأيام المقبلة ويكون الوضع أصبح أكثر هدوءا واستقرارًا، أتمنى أن يكون العام القادم بلا حروب، بلا ألم وحزن، أتمنى أن يعود كل شيء كالسابق وأفضل، بل أن يزين برايات النصر للأبد..
عزيزي عمر خورشيد،،
كن بخير، لأكتب لك مجددًا.
|