القاهرة 21 نوفمبر 2023 الساعة 01:08 م
بقلم: علي سرحان
فنان يهزم الحنين.. كل ما سجل على جدران المقابر في سقارة والذي يعتبره البعض طريقة تدوين أسلوب حياة المجتمع المصري القديم من حياة يومية يقوم بها الإنسان ليلبي احتياجاته، أراها من منظور آخر، من منظور إنساني؛ أراد الفنان أن يمد يده لمساعدة من فقد إنسانًا ورحل عنه بعيدًا، عندما يرحل أقرب الناس إلى قلوبنا نتألم وكثيرًا ما نغمض عيوننا لنتذكره وهو يمشي وهو جالس عندما كان يصول ويجول ويقتلنا الحنين بل ويعذبنا الفراق ونتمنى لو نراه من جديد، ولذلك أرى في الفنان القديم أنه فكر وجلس يبحث عن وسيلة تساعد من يعاني من الألم والفراق والحنين، وكانت حلوله بين أنامل أصابعه، تلك الأنامل التي صورت تلك المرأة أو ذاك الرجل يرتدي ملابسه المفضلة ويبدو في أحلى وأجمل صورة يتحرك هنا وهناك.
على جدران المقابر صوره كما عاش قبل وفاته صورة في شتى الأحوال هنا يقف وهناك يسير وهنا يصلي وهنا يصطاد وهنا يبحر وهناك أملاكه: طيور وأبقار وأسماك ومياه النهر تتلألأ. أرى أن كل ذلك هدف به تهدئة روع من يقتله الحنين لمن رحل إلى العالم البعيد إنه شخص الفنان الإنسان الذي لا يتحمل أنين محبوب فقد حبيبه أو عزيزًا عليه ويشتاق لرؤياه من جديد ولذا تدبر الفنان الأمر وحاول مواساة من فقد حبيبه برسم صورته على الجدران كى يساعده على قتل الشوق لرؤياه حتى لا يتعذب من فقدان ذلك الحبيب. يا جدي أنت تفوقت في فنون الإنسانية يا جدى أنت فنان بدرجة إنسان.
• الموكب الجنائزي:
اهتم الفنان المصري القديم منذ عصر الدولة القديمة بوضع العديد من مناظر الحياة اليومية والدينية على جدران مقابرهم واختلف العلماء عن سبب تصوير تلك المناظر فقيل إنها تخليد لتلك الحياة أو إنها صورت لتبعث فيها الحياة مرة أخرى بقوى السحر وذلك في الحياة الأخرى حيث يبعث المتوفي ليستأنف حياته كما صورها وكما يتمناها.
لقد تم تصوير العديد من مناظر موكب الجنازة والطقوس التي ترتبط بها في العديد من المقابر من مختلف العصور المصرية القديمة وذلك لاعتقاد المصري القديم أن الزخارف المصورة داخل المقبرة تؤكد على الحياة الأبدية للمتوفي كما أن المناظر الجنائزيه لم ترتبط فقط بالحياة الواقعية التى يعيشها المرء أو وجوده في العالم الآخر ولكن ارتبطت أيضًا بموته الفعلي.
أما عن أماكن تصوير مناظر الجنائزية في مقابر الفرد والتي كانت شائعة في الدولة الحديثة على جدران مقابر طيبة، حيث كانت تصور على حوائط الصالة الطولية وكانت تعرض مناظر الحياة الدنيوية الخاصة بصاحب المقبرة في الجزء الأمامي من المقبرة في الصالة المستعرضة.
وربما كان الهدف منها هو التعرف على صاحب المقبرة واستعراض حياته بينما الصالة الطولية فكانت تعرض مرحلة الانتقال من العالم الدنيوي إلى العالم الآخر وهذا المكان كان يعرض مناظر الحياة الجنائزية وطقوس فتح الفم وتقديم القرابين للمتوفي.
هذا بالإضافة إلى مناظر المحاكمة منذ عهد الملك تحتمس الرابع ولكن منذ عهد "أمنحتب الثالث" تغير هذا التقليد ونقلت إلى الحائط الأيسر لحجرة الولي ومنذ عهد الرعامسة كانت تمثل على الحائط الأيمن والأيسر لحجرة الولي، ونادرًا ما تصور على حوائط الحجرة الثانية.
على الرغم من اختلاف ترتيب مناظر المواكب الجنائزية من مقبرة إلى أخرى إلا أن جميعها تحتوى على العناصر نفسها مثل النادبات والكهنة والخدم وحاملي الأثاث الجنائزي والتي طرأ عليها بعض التغيرات الشكلية والفنية في عصر الدولة الحديثة.
العزف على أوتار ثقافة الجمال عندما تمر فتاة جميلة أمام أعين الرجال تتلألأ في أعينهم الفرحة والإعجاب وكثيرا ما تلاحقها أعينهم حتى تذهب بعيدًا عن مرأى بصرهم فللجميلات تأثير، عندما يهتم الإنسان بتفاصيله ينعكس ذلك على مظهره ويمنحه شيئا من الرضا بل ويتجلى على ملامح وجهه شبابًا وجمالا وهنا نجدها نفرتاري رائعة الجمال التي أسرت أنامل جدي الفنان وجعلته يعزف على أوتار ثقافة الجمال مقوماتها وكل تفاصيلها نهرا عذبًا روت به روح وخيال ذلك الفنان ملامحها، جسدها، زينتها، ملابسها، إنها الممشوقة التى تهتم بجسدها، انظروا إلى مصمم هذا الرداء الذي فاق بيوت الأزياء ديور وباكو ربان الفرنسية انظروا إلى أدوات زينتها، إلى غطاء الرأس إلى حذائها الذى فاق جماله أبيانا وازاليا وجراندينيا البرازيلية يا حبيبتى لقد سحرت الفنانين بجمالك لقد تزينت بالألوان الراقية التي تناسب لون بشرتك الرقيقة، لقد تكحلت فتفوقت على عيون المها، يا جدتي كم أتوق لأن أصبح مثلك، أبدو وكأني فراشة تجول على جدران المعابد تسحر القاصي والداني، يا من نشرت ثقافة الجمال يا جدي يا من سحر العالم أنت حقّا فنان.
|