القاهرة 17 اكتوبر 2023 الساعة 11:55 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
لكل شعب خصائص تمّيزه شكليًا ومظهريًا عن الشعوب الأخرى. ولا شك أن الأزياء التراثية الشعبية العتيقة من أهم السمات المظهرية التى تميّز شعبا عن آخر. وعندما أتحدث عن تلك الأزياء التقليدية الخاصة بشعب ما فإنها بالتأكيد ليست هذه الأزياء العالمية الحديثة التى يرتديها الجميع بشكل متشابه.
فكما يرتدي عرب الجزيرة العقال، ويتزينون بخنجر الخصر، ويلتحفون بعباءة مطرّزة الأطراف. كذلك تميّز المصريون فى أوقات قديمة بعدة أشكال من الأزياء التراثية التي تغيّرت على مدى العصور لكنها ظلت لوقت طويل خاصة بهم. ومن أهم هذه الأزياء، ملابس"التلي".
اعتادت أغلب شعوب المنطقة العربية على مشاهدة الأفلام المصرية، أفلام الأبيض والأسود. وربما علق في الأذهان كثيرًا من الخصائص المرئية لهذا الفن خاصة الأفلام التى أنتجت فى أربعينيات القرن الماضي، مثل اللوحات الاستعراضية والأزياء المستخدمة فيها. ومن أهم هذه الأزياء التى ارتدها، تقريبًا، جميع فنانات السينما في تلك الفترة "ثوب التلي".
فى تلك الفترة التى لم تكن صناعة الملابس في كثير من المناطق في مصر تعرف الآلة، كانت الملابس كافة تُصنع يدويا، وبالتأكيد من خامات طبيعية صِرفة، من زراعة القطن أو الكتان، أو حتى من صوف الأغنام وحرير الدود. والتلي واحد من هذه الصناعات اليدوية.
هو عبارة عن أقمشة شبكية، تشبه فى شكلها نسيح التول،Tulle الفرنسي. تصهر سباك الفِضة والذهب ويصنع منها خيوط. ومِن نسيج القطن المصري الخالص تصنع الأقمشة التي تُنسج حينها على أنوال يدوية وُجدت في أغلب البيوت المصرية خاصة الريفية الصعيدية، التي كانت تصبغ عادة باللون الأسود الذي يُمثّل خلفية تتباين مع لوني الفِضة والذهب فتشرق اللوحة المطرّزة عليه بتفاصيلها، ويكون النسيج شفّافاً خفيفا.
في البدء كان التلي من أهم القطع التي ينبغى أن يتضمنها جهاز كل عرُوس مقبلة على الزواج. مهما كان وضعها المادي. فكان"التلي" بمثابة القطعة الفنية المتفردة، خاصة في الصعيد، التى تماثل قطعة من المجوّهرات"الشبكة" التى تحصل عليها العروس بمناسبة زواجها. حتى لو اقتنت قطعة واحدة فحسب، وفي الغالب تكون شالًا. وكانت الأم، أم العروس، هي من تحيك وتطّرز هذه القطعة.
بما أن الإيمان بالحسد أمر مصدّق به في أغلب الثقافات العربية القديمة والحديثة، فلم تكن الثقافة المصرية، خاصة فيما مضى، بمنأى عن هذا الأمر. وبما أن التقليد يقول إن العروس عادة تكون هدفًا أكبر للحاسد والحسد، فلا بد لها من تحصين.
فبجانب الخرز الأزرق، والعروس الورقية التي تخزق بالإبرة ويتلى عليها جُملًا للوقاية من عين الحاسد ثم تحرق، والرقية القرانية. فاللوحة المطرّزة على شال التلي لم تُبعد أكثر من ذلك. فالأم تطّرز على الشال، العيون الزرقاء التى تقي شر الحسد لكنها أيضًا تحكي قصة خروج العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها. فتطرّز على اللوحة شكل بيتين بيت الأب بداية الرحلة وبيت الزوج العريس نهايتها، والخط الواصل بينهما جمل يحمل هودجا تمتطيه العروس، وجملاً آخر يحمل جهازها.
وللأسف، لم تستمر صناعة أثواب التلي لوقت طويل. فكاد أن يندثر، حتى جاءت المصادفة التي قادت الفنان الأسيوطي "سعد زغلول" إلى هذا الفن وإعادة بعثه مرة أخرى.
فقد صادف التشكيلي سعد زغلول إحدى السائحات الأجنبيات في مصر تحمل قطعة من التلي، وتجول بها على أماكن التطريز لتعرف مصدرها وتاريخها ومن يصنعها، لكنها رجعت بلادها خائبة الأمل بعدما عرفت أن هذا الفن اندثر، ومن هنا التقط الفنان الفكرة، وقرر بعث الحياة في هذا الفن. ظل يبحث وينبش في الماضي ليخرج بنتيجة فعلية.
في البداية عثر على إحدى السيدات، والتي صارت مسنة، ممن كن يصنعن هذا الفن، وبعدها عثر على الإبرة التي تصنع خصيصًا لتطريز التلي في إحدى محلات الخردوات القديمة جدًا، ثم سعى لسبك خيوط من الفضة للتطريز. ووظف صانعة التلي المسنة لتعليمه وتعليم آخرين هذا الفن حتى استطاعوا في غضون عدة أشهر إنتاج العديد من قطع التلي التي تعرض وتباع الأم في المعارض العالمية، وصارت ترتديها نجمات السنيما العالمية كما كن يفعلن قديمًا.
تعرض الآن الكثير من قطع التلي الأسيوطي في عروض الأزياء العالمية. وقد أنشأ الفنان سعد زغلول مؤسسة فنية في أسيوط اسمها "بيت التلي" يصنع بها أثواب التلى والعديد من الفنون الأخرى.
ارتدت التلي قديما نجمات السنيما المصرية مثل: سامية جمال، وتحية كارويكا، ونعيمة عاكف، وغيرهن، كما ارتدته النجمة بربارا سترايساند، حيث اعتمدت دار ازياء كريستيان ديور العالمية أقمشة التلي الأسيوطي في فستانها، وكذلك هايدي لامار وإليزابيث تايلور.
|