القاهرة 04 اكتوبر 2023 الساعة 12:04 م
كتب: علي سرحان
كانت شخصية المصرى القديم تميل إلى السلم بغضل استقرار الحياه الزراعية الآمنة التى كان يحياها على ضفاف وادى النيل، هذا بالإضافة إلى أنه كان يميل إلى الإهتمام بتشييد وبناء أسس حضارته العظيمة فى كافة مناحى الحياه، أى أن المصرى القديم بفطرته وطبيعته السمحه الهادئة المسالمة لم يكن يميل إلى الحرب والقتال والتدمير، ومن ثم لم يكن غريباً أن النشاط الحربى فى مصر ظهر قليلاً خلال عصر الدولة القديمة، وعلاوة على ذلك كانت مصر أول أمة فى التاريخ نمت فيها عناصر الأمة بمعناها الكامل الصحيح، وبعدها كانت أول دولة بالمعنى السياسى المنظم، فبالتالى إن التاريخ العسكرى لمصر يشهد أنها أنشأت أول جيش نظامي في العالم منذ حوالى 3200 ق.م، وبفضله أنشأ المصريون أول أمبراطورية في العالم القديم وأعظم حقيقة سياسية فى الشرق الأدنى القديم، وكان الجيش المصرى القديم أقدم وأعرق مؤسسة عسكرية فى التاريخ، والدرع الحصين لمصر القديمة وحضارتها الشامخة فى مواجهة كل من تسول به نفسه الأعتداء على حدودها المقدسة.
ظهرت بواكير أول جيش مصرى منظم خلال عصر الدولة القديمة مكونة من عشرة الآلاف جندى فترة الحاكم "ونى" حيث قام بحملة عسكرية إلى غرب آسيا، ومع نهاية عصر الدولة القديمة شهدت مصر صراعات حربية مسلحة بين الآقاليم المصرية بسبب ما عانته مصر من تمزق وفرقة وحروب أهلية خلال تلك الحقبة العصيبة، والتى انتهت بوحده البلاد على يد الملك "منتوحتب نب حبت رع" خلال عصر الدولة الوسطى، ومع استعادة مصر لوحدتها وقوتها مرة آخرى عادت مصر إلى مزاولة دورها التاريخى وعملت على تشييد العديد من الإنجازات الحضارية والفكرية الكبرى، واستطاع ملوك الدولة الوسطى تكوين جيش من قوات الحرس الملكى ومن الفرق العسكرية المتعددة بغرض تأمين حدود مصر، ولكن سرعان ما تعرضت مصر مرة آخرى لمحنة سياسية كبرى وقاسية على يد "الهكسوس" اللذين اجتاحوا مصر، وكانت هذه المرة الأولى التى تتعرض خلالها مصر لغرو أجنبي همجي، ولكن سرعان ما أدرك الشعب المصرى تفاقم تلك المحنة وعادت مصر فى توحيد صفوف جيشها، فجاء التحول الكبير والحاسم فى شخصية المصريين من الشخصية المسالمة إلى الشخصية العنيفة القاسية لسد هجمات الهكسوس، وبفضل جهود الجيش المصرى تم طردهم على يد الملك أحمس، وفى تلك اللحظة أدر المصريون أن التخلص من الاحتلال الأسيوى الغاشم لن يأتى إلا بإرادة شعبية عظمى وقوة.
تكوين الجيش في مصر القديمة:
وكان الجيش فى مصر القديمة يتكون من خمسة أسلحة، هي: سلاح المشاه وكان يسمى "منفتيو"، وسلاح الفرسان وكان يسمى "حترو"، وسلاح القوات الخاصة وكان يسمى "كفعو قن"، وسلاح المركبات وكان يسمى "وررت"، وأخيراً سلاح البحرية وكان يسمى "غنيت".
وقد نظمت صفوف الجيش بالعربات الحربية، حيث اعتمد الملك رمسيس الثالث على العربات فى الهجوم الأول، ثم يتبعها المشاه بأسلحتهم الخفيفة.
لكل أمة تاريخها الحربى الذى يتآلف من المعارك العسكرية المتتابعة التي حارب فيها الشعب، ويتضمن هذا التاريخ أحوال جيوشها أو تطورها والوقائع التي خاضتها والقادة اللذين أبلوا فيها، ولكن بعد كل هذا فقد فقدت بعض من حلقات التاريخ الحربى، فالمعارك التى خاضها المصريون القدماء منذ فجر التاريخ ظلت غامضة لأنها لم توثق.
نهض الجيش الوطنى منذ تكوينه بأروع الواجبات، وصلة هذا الجيش بتاريخ مصر وثيقة منذ آلآلاف عام، فقد عاشت مصر أمة مستقلة ذات سياده خلال معظم تلك السنين بفضل زعمائها من رجال الإدارة والجيش وبجهود شعبها الحى.
وقد ساعد الموقع الجغرافي مصر مساعده عظمى فكان من أشق الأمور وأصعبها إغارة الجيران القدامى، وكانت صحراء ليبيا أو سيناء أو النوبة إلى حد ما تقف عائقًا أمام أى معتدٍ قادم، كما نهض المصريون للحفاظ على رقعة وطنهم وكانوا مدفوعين بغريزة الحرص على الحياة والدفاع عن النفس والوطن، فانطلقت الجيوش المصرية إلي هضاب آسيا الصغرى وروابى سورية، وبادية شبه الجزيرة العربية، والصحراء الليبية، وأعالى النيل، في سبيل تحقيق الآمن الداخلى لمصر.
الجندية المصرية:
كانت الجندية في مصر القديمة فى طليعة المهن التى تسبغ الشرف على صاحبها وتمنحة ميزه علي أقرانه، وأكثر من ذلك أن الجندى حظي بالتقدير والإحترام مثلما حظى الكاهن نفسه، تميز الجندى بروح الوطنية التي ظلت مستأسرة بسمعتها وقيمتها، وخلدت لنا مناظر المقابر والمعابد العديد من النقوش الآثرية صور الفتية وهم ينتقلون في صفوف مميزة وفى أفنية التدريب علي الرماية بالقوس والألعاب الرياضة، ولعل الشاهد على ذلك مقابر الأسرتين الحادية عشر والثانية عشر في بنى حسن والبرشا، كما رسخت الدولة فى نفوس جنودها حب الوطن فجعلت الشباب يطمح فيها ويموت من أجلها، وكافأت الدولة الجندي بعشره آفدنة معافى من الضرائب حتى ظهرت المقولة "أن الجنود المصرية تمتلك ثلثى الأراضى المصرية فى عهد الملك سنوسرت الأول".
معارك وانتصارات جيوش مصر القديمة:
اعتاد المصرى القديم التعبير عن ذاته بأسمى صور العظمة واظهار القوة والكبرياء، بينما درج علي تصوير أعداءه التقليديين بشتي صور المهانة والاحتقار، فنجده يصور الأسرى علي النعال تعبيراً على الاحتقار لكل أعداء مصر، وبعد غزو الهكسوس لمصر الذى استمر قرابة المائة وخمسين عاماً وطردهم على يد الملك أحمس كان علي ملوك مصر اللذين خلفوا أحمس أن يأمنوا وطنهم بمقابلة العدو في عقر داره، وهذا ما قام به الفرعون تحتمس الثالث في مواجهة المعتدين حتى نهر الفرات، وهو من قال عنه وزيره "رخيمرع" أنه كالصقر يرى كل شئ، حيث قاد الملك تحتمس الثالث 16 حملة عسكرية على آسيا، وهو بطل معركة مجدو الخالدة، ومازلت خططه الحربية تدرس فى أعلى الأكاديميات العسكرية فى العالم، كما أنشأ الملك تحتمس الثالث أكبر أسطول حربي واستطاع من خلال ذلك السيطرة على الكثير من جزر البحر المتوسط.
إنشاء القلاع لحماية الحدود المصرية:
احتوت البلدان والقرى المهمة من الناحية الحدودية فى مصر القديمة على قلاع للتحصين ضد أى معتدٍ، وكانت تلك القلاع ممثلة كمرفقات بيضاوية أو مستديرة. وكانت هناك عدة أسباب أخرى لإنشاء تلك القلاع منها :
انشئت تلك القلاع ضد البدو، حيث كان من الضروري سد الممرات الطبيعية المؤدية إلى الصحراء لتجنب زحفهم إلى البلدان.
حماية الموارد الاقتصادية من حملات الليبيين على رحلات الحج القادمة من جميع البلدان محملة بالبضائع إلى أبيدوس كقلاع معبد أبيدوس.
وخلال بداية الفترة الانتقالية الثالثة أصبحت طيبة مستقلة عن المراكز السياسية التى انتقلت إلى الدلتا، فى ذلك الوقت كان هناك ازدهار فى أنشطة المبانى على قمة التل الشرقي، فقد عثر على بقايا جدران من الطوب اللبن لقلعة تؤرخ بالأسرة الحادية والعشرين، وكانت الجبلين أخر رابط جنوبى لخط التحصين التى قامت به مراكز القوى السياسية، لكن هذه الجدارن فى حالة حفظ سيئة الآن، والقلعة مُشيدة من الطوب اللبن وتُظهر بقايا الطوب اللبن نقوش لإسم كبير الكهنة "من خبر رع" ابن "بانجم" حاكم طيبة وزوجته "است-إم- ب حب"، وقد أُنشأت تلك القلعة لتأمين الطرق المؤدية إلى الواحات الداخلة والخارجة، وتفيد بتلك المنطقة خلال هذه الفترة بنفى بعض نبلاء المنطقة إلى الواحات بسبب إثارتهم للشغب فقام "من خبر رع" بنفيهم منعاً لإثارة أى شغب، إذ كانت تلك القلعة نقطة دفاعية أيضاً لحماية المعبد والمنطقة من أى أعتداء قادم عليها سواءاً من الغرب (ليبيا) أو الجنوب (بلاد النوبة).
|