القاهرة 19 سبتمبر 2023 الساعة 09:39 ص
بقلم: علي سرحان
في محـاولة من بعض الباحثين في علوم المصريات لزيادة تجميل للحضارة المصرية على قرينتها الحضارة اليونانية، قرأنا مقولات بأن المصريين القدماء لم يمثلـوا " العورات" في تماثليهم ونقوشهم! يعد ذلك أكبر خطأ تاريخي من الممكن أن يقع فيه أي باحث في الفنون الأثرية والتاريخية أو محاولة لـتزوير الوقائع والتاريخ.
الحقيقة أن المصريين هم من أوائل شعوب العالم الذين نحتوا تماثيل كاملة بعوراتها، وهناك نقوش واضحة لجسم الإنسان المصري بالكامل رجالًا ونساء، لأنهم كانوا يوثقون لمشاهد حضارتهم وحياتهم اليومية وبمنهج علمي بحت.
فقد نظروا للعورات برقب وكإبداع من الخالق، وليس بشكل غريزى حيواني، وأدركــوا أنه لا حياء فى العلم، وبالتأكيد فإن مفهوم "العوارات" ذاته لم يكن موجودًا أصلا عند المصريين القدماء، فهو مصطلح بدأ بدخول مصر مع اليهود بها، وانتشر أكثر بعد دخول الديانة المسيحية إلى مصر، ومع انتشارالديانة المسيحية في ربوع مصر تصاعدت أعمال العنف بين المسيحيين والوثنيين، حيث دمر المسيحيون معظم التماثيل المصرية القديمة التي تمثل فيها العورات تمثيلًا صريحًا، كما دمرت معابد مصرية وسرقت معظم كنوزها، وكُسرت العديد من التماثيل باعتبارها غيرأخلاقية، حيث كان ذلك سببًا من أسباب الحرب بين أتباع الديانات المصرية اليونانية والمسيحية، لكن على الرغم من ذلك نجت قطع قليلة جدًا من هذه التماثيل، ومنها على سبيل المثال تمثال كبير لنفرتتي في المتحف المصري، كما نجت النقوش الموجودة على جدارن المعابد وبعض البرديات.
خالِق كُلّ شيء، وَصَانِع الآلِهَة والرِّجَال
يذكر كتاب "مقدمة في اللغة المصرية والرموز الهيروغليفية" لجيمس آلن أنَّ الإله مين (ويُنطق بالمصرية القديمة مينو) هو إله مصري نشأت عبادته في صور ما قبل الأسرات، وتُحدّدها "موسوعة بريتانيكا" بالألفية الرابعة قبل الميلاد، وكان لهذا الإله صورًا مختلفة ، ولكن في أغلب الأحيان يُصوَّر في شكل ذَكَر بشري مع قضيبه المُنتَصِب، حاملًا في يده اليمنى "مِنشّة"، وقد عُرِف أيضًا باسم "خيم"، وكان يُمثِّل إلهًا للتَّكَاثُر والخُصُوبة، ويَذكُر ياروسلاف تشرني، وهو عالم شهير في المصريات من تشيكوسلوفاكيا، في كِتابِه "الديانة المصرية القديمة"، أنّ الإله "مين" شأنه شأن الإله "خنوم"، اعتبره المصريون خالقًا لكلّ شيء، وهو بهذا المفهوم "صانع الآلهة والرجال" كما كان يُلقَّب.
ويضيف لصورة إله الخصوبة الفرعوني عالم المصريات، فرانسوا ديماس، بُعدًا آخر فيذكر أنَّ عبادته كانت الأقوى في"قفط" و "أخميم"، بحسب كِتابِه "آلهة مصر"، حيث كانت تُقام الاحتفالات المَهيبة الخاصّة به مع موكب عام، وتُقدَّم الكثير من القرابين.
|