القاهرة 19 سبتمبر 2023 الساعة 09:32 ص
كتبت: سماح عبد السلام
إذا كان أديب نوبل نجيب محفوظ قد اتخذ من الحارة عنصرًا مهمًا في كتاباته ليقدم لنا أفضل الإبداعات الأدبية التي ستظل خالدة في الوجدان المصري، فإن هناك عددًا غير قليل من التشكيليين شكلت الحارة أداة أو ثيمة كبيرة في مشروعهم الفني، كونها أداة وثيمة فنية غنية بالتعبير.
فبالنظر إلى التجارب التشكيلية التى تناولت الحارة نجد عددًا كبيرًا من الفنانين الذين برعوا في التعامل مع هذه الأيقونة، كل حسب أسلوبه واتجاهه الفني، حيث تناولوا أدق التفاصيل المتعلقة بها، فنجد الشوارع والأزقة والعطفة، الأسبلة والمشربيات الخشبية، الدلالة، الخاطبة، الباعة الجائليين، المقاهي، الفطاطري، السقا، أعمدة الإنارة والزينة في الأعياد والمناسبات، الأطفال في الشارع وهم يمارسون ألعابهم التقليدية البسيطة، وغيرها من الرموز التى شكلت عناصر مهمة في اللوحة التي تجسد الحارة.
ونظرًا لأن الحارة تتخذ طابعًا مميزًا في شهر رمضان، فكثيرًا ما نجد أعمالا فنية تتألق فيها هذه الأيقونة في المعارض التي تتناول هذا الحدث، حيث يبرز الفنان فى لوحته بائع الكنافة والعرقسوس والفول، مدفع الإفطار، المقرئ والسهرات الرمضانية وغيرها من الأمور المرتبطة بهذا الشهر الكريم بشكل كبير في الحارة، والتى يلجأ الفنان للتعبير عنها بباليتة لونية دافئة تتفق وطبيعة تلك الأيقونة.
وبتتبع الفنانين الذين نجحوا في رسم الحارة المصرية نجد فنان الباتيك الراحل علي دسوقي، حيث تشبع بالأجواء الشعبية نتيجة نشأته في حي الحسين العريق، ومن ثم كانت الحارة بما تحتويه من معالم وموتيفات متباينة على مستوى العادات والتقاليد، أو المعالم معمارية حاضرة في لوحاته.
وكذلك الأمر بالنسبة للدكتور صلاح عناني، الذى كان لنشأته في أحضان القاهرة الفاطمية دورًا كبيرًا في اتجاهه لرسم الحارة الشعبية والوعي بجميع أيقوناتها، بل أصبح فنانها الأول، كما أن تعبيره عن أيقونات الحارة لم يقتصر على اللوحة كوسيط فني، بل امتد إلى النحت حيث نحت تمثالا للكناس في الشارع بمقشة طويلة بأسلوب فني غاية في الجمال.
كما يعُد الفنان الكبير عبد الفتاح البدري والمعروف بعشقه الكبير للموالد الشعبية، أحد أبرز الفنانين الذين جسدوا مظاهر الحياة الشعبية بالجو الروحاني والتكوينات المميزة والخطوط الانسيابية، ومحمد عبلة في انحيازة للبسطاء والكادحين، ومحسن أبو العزم الذى ركز على عادات وتقاليد الشارع المصري بما يملكه من تراث ومأثورات شعبية، والدكتور طاهر عبد العظيم، وآخرين من المبدعين الذين يسعون بشكل مستمر لرسم الحارة باعتبارها مَعين وأيقونة لا تنضب، بل ن نجاحها في استقطاب المتلقي أمر مرهون بالنجاح باعتبارها النواة الأولى للمجتمع المصري.
|