القاهرة 13 سبتمبر 2023 الساعة 06:30 م
ترجمة وإعداد: محمد زين العابدين
أدخِلوا المزيد من النباتات المنزلية إلى منازلكم، واستمتعوا بالفوائد الصحية الناتجة من عطاء الطبيعة خلال الأوقات الصعبة...
قد تتفاجأ عندما تعلم أن الشخص البالغ العادي يقضي ما يقرب من 90 % من وقته داخل المنزل أو مقر العمل، على الرغم من أننا قد نذهب للتجول في وقت الغداء، أو لركوب الدراجة في طريقنا للعمل، أو من خلال قضاء عطلات نهاية الأسبوع في جولات المشي في الريف.. إلا أن الواقع هو أن معظمنا يعيش حياة داخلية أكثر مما نعتقد.
• فوائد زراعة النباتات المنزلية:
مع استمرار الأبحاث في تأكيد الآثار الإيجابية للتواجد بالقرب من الطبيعة، والتأثير السلبي على رفاهيتنا عندما نفتقر إليها، تتزايد الابتكارات في مجال الزراعة بداخل المنازل والمنشآت المختلفة، وبالطبع هناك العديد من الفوائد التي يمكن اكتسابها من خلال العيش والعمل بجوار النباتات المنزلية، حيث يساعد ذلك على هدوء الأعصاب، وانخفاض ضغط الدم، بالإضافة لزيادة اليقظة، وتحقيق صحة ذهنية أفضل، ومن ثم يجب أن نأخذ أهمية وجود الخضرة في حياتنا، على محمل الجد.
• فوائد النباتات الداخلية مدعومة بالأبحاث:
لقد كانت قوة النباتات المنزلية المعززة للصحة معروفة منذ عقود، وفي الثمانينيات مثلاً أجريت دراسة رائدة بوكالة "ناسا" لأبحاث الفضاء، كانت معنية بتقييم فوائد تنقية الهواء باستخدام أنواع مختلفة من النباتات الداخلية، حتى أن الباحثين قاموا بإعداد جدول شامل لمقارنة خصائص تنقية الهواء بواسطة النباتات، والفرق قبل زراعتها في البيئة الملوثة، وبعد زراعتها.
ولكن على الرغم من النتائج المشجعة لهذه الأبحاث، فإن النباتات المنزلية لم تعد رائجة في التسعينيات، على الرغم من أن مجموعة مختارة من العلماء والبستانيين استمرت في الصراخ حول فوائدها، وكان أحد هؤلاء الرواد هو المهندس الميكانيكي النرويجي "جورن فيومدال"، الذي تحَّولَ إلى متحمسٍ للنباتات.
• نظام الجدران النباتية:
يعتمد نظام "سكوجلوفت Skogluft" والذي يُطلق عليه ترجمة تقرب معناه وهي"هواء الغابة"، على إنشاء جدران نباتية لمساحاتنا الداخلية تمتلئ فيها الزراعات المثبتة على الحائط بنبتة واحدة سريعة النمو وتكون مرنة وغير مكلفة، مثل نبات "اللبلاب الشيطاني" الذي يطلق عليه "البوثوس الذهبي"، وهو يتطلب الحد الأدنى من الرعاية، ويعتبر مُحَّسِنًا فعالاً للهواء بشكلٍ لا يصدق.
ومنذ أن بدأ "فيومدال" في تسويق "نظام سكوجلوفت" الخاص به للشركات، تزايدت الأدلة على فائدته، ويمكن العثور على نظام الجدران النباتية الذي ابتكره في المقر الرئيسي لشركة "جوجل" بالنرويج، بالإضافة إلى الشركات الكبرى الأخرى، ناهيك عن العديد من المدارس والمنازل الخاصة.
وفي جميع أنحاء العالم حذت الشركات الكبرى حذوه، حيث أصبح تصميم ما يعرف ب"المكاتب الصديقة للطبيعة" حاليًا، كلمة رنّانة بالنسبة للشركات الراغبة في زيادة إنتاجية العمال إلى الحد الأقصى، وعلى سبيل المثال توجد في المقر الرئيسي لشركة "أمازون" العملاقة في"سياتل" ثلاث قباب زجاجية ضخمة تحتوي على جدران مفعمة بالحياة، تضم أكثر من 40 ألف نبات بداخلها.
كما أنشأت شركة "ميكروسوفت" مساحاتٍ للاجتماعات في بيوتٍ بداخل الأشجار، بالإضافة لمنشآت نباتية داخلية، وفي إنجلترا قامت شركات أصغر مثل "أو?و OVO" وهي شركة للطاقة يوجد مقرها بمدينة "بريستول" بملء ردهاتها المليئة بالضوء بأوراق الشجر الحية..
وهذا الاستثمار الضخم المتعلق بالفوائد الاقتصادية لتوظيف النباتات في الشركات مدعومٌ بالأدلة.
• الفوائد الصحية والبيئية والاقتصادية:
لا تعمل النباتات الداخلية فقط على تحسين الحالة المزاجية، أو تحسين الإنتاجية والتركيز، ورفع مستويات الطاقة، وتقليل التوتر، بل إنها تعمل أيضًا على توفير هواء أنظف بكثير، لأن النباتات -خصوصًا نباتات معينة- تعمل على تنظيف الهواء من المواد الكيميائية والملوثات.
ومن خلال البيانات التي تم جمعها -بعد تركيب أنظمة الجدران النباتية- في المدارس والمكاتب والمستشفيات، أبلغ العمال والمَرْضى والأطفال، عن انخفاضٍ في الشعور بالتعب والصداع، وعن قلة مشاكل التركيز والحد من انتشار السُعال، وعندما تم إدخال هذه أنظمة الجدران النباتية المتضمنة للضوء والنباتات المكتبية في قسم الأشعة بإحدى مستشفيات العاصمة النرويجية "أوسلو" -حيث لم يكن يتوافر فيه ضوء طبيعي- حدث انخفاض في معدل التغيب عن العمل بسبب المرض، من 17 % إلى 5 %، كما حدث انخفاض في شعور العاملين بالتعب والصداع.
ويوضح "فيومدال" السر في ذلك بقوله: "تساعدنا أشعة الشمس الساطعة والنباتات الخضراء النضرة على الشعور بالتفاؤل، لأنها تبدو وكأنها تتحدث إلينا عن المياه العذبة ووفرة الطعام. إن النباتات المورقة هي علامة على توازن الطبيعة. وعندما لا نستطيع رؤية النباتات الخضراء، ولا نحصل على الضوء الذي نحتاجه، نصاب بالمرض".
إن الاضطرار إلى قضاء بعض الوقت في مكانٍ يدركُ جسمنا بشكلٍ غريزي أنه مكانٌ غير صحي، يعني أنه يتعين علينا بذل الطاقة حتى نتمكن من اجتياز هذه التجربة، مما يرهقنا بالطبع.. إن الافتقار إلى الطبيعة يستنزف قوتنا.
ويُظهر بحث مماثل من الولايات المتحدة، أن المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية يتعافون بمعدل يوم واحد في المتوسط بشكلٍ أسرع، ويحتاجون إلى كمية أقل من مسكنات الألم إذا توافرَ لديهم منظر للمساحات الخضراء يتطلعون إليه من على أسِّرتِهم في المستشفى، وثبت أن شركات التسويق تحقق أعلى إنتاجية وتقل فيها الإجازات المرضية للعاملين عندما تقع مكاتبها بداخل مبنى يطل على الطبيعة الخضراء والمياه.
يمكن للنباتات أيضًا تحسين اليقظة الذهنية، حيث أظهر الطلاب الذين يعملون في مُختَّبر مملوء بالنباتات، زيادة في درجة استيعابهم بنسبة 12?، مقارنة بأولئك الذين يعملون في مختبر لا تتوافر فيه النباتات.
وكل هذه الأدلة -إلى جانب جاذبية صور الأوراق الخضراء المورقة على موقع "إنستجرام"- تفسر سبب الاهتمام بوجود النباتات المنزلية، وليست الأوراق الخضراء فقط هي المفيدة لنا، بل النبات بأكمله، بما في ذلك جذوره والتربة التي يستقر فيها.
ومؤخرًا، ظهرت أبحاث حول أهمية التعرض للميكروبات الموجودة في التربة، وقد تبين أن التعامل مع النباتات الداخلية، أو "تربية النباتات" كما تسميها المغنية والناشطة البيئية البريطانية "شارلوت تشيرش" له فوائد تنعكس على الصحة العقلية، وتعتبر "تشيرش" من أشد المؤيدين لإدخال النباتات في المدارس، وهي تقود حاليًا مشروعًا لإنشاء مدرسة جديدة حيث ستكون النباتات والبستنة والتعلم في الهواء الطلق أمرًا أساسيًا فيها.
نحن نتطلع دائمًا إلى موسم تقل فيه حدة ضوء الشمس، وتعتدل درجات الحرارة، ويؤدي قضاء قدر متزايد من الوقت في الداخل إلى دفع الكثير منا إلى درجة من الاضطراب العاطفي الموسمي، فليس هناك إذن الكثير مما نخسره في تجربة نظام "الغابات الداخلية" المزود بإمكانية التعرض للضوء، مما يسمح لنا بتعريض أنفسنا للضوء كامل الطيف.
ولكن حتى لو لم تتمكن من الوصول إلى تطبيق هذا النظام بالكامل، فعلى الأقل يمكننا التوجه إلى مراكز بيع النباتات والمشاتل لالتقاط مجموعة مختارة من النباتات المنظفة للهواء بشكل طبيعي، لوضعها في منازلنا وترتيبها، وحتى الأعمال الروتينية البسيطة لرعايتها سوف تنعكس على صفائنا الذهني.
• ولكن أيُّ النباتات مفيدة بصورة أكبر؟
يستخدم نظام "سكوجلوفت" نبات "اللبلاب الشيطاني" سريع النمو، والرائع في إزالة المركبات العضوية المتطايرة من الهواء، ولكن هناك الكثير من النباتات الأخرى التي تتمتع بخصائص قوية لتنظيف الهواء، ومن أمثلتها ما يلي:
- نبات "زنبق السلام": حيث يعتبر هذا النبات البسيط، وغير المكلف، ذو الأوراق اللامعة، والزهور البيضاء، من أفضل النباتات في إزالة المركبات العضوية المتطايرة، مثل الفورمالديهايد والبنزين والتولوين.
- نخيل الخيزران: حيث يساعد هذا النوع من النخيل في التخلص من البنزين، وثلاثي كلور الإيثيلين المحمول بالهواء.
- نبات اللبلاب الإنجليزي: يساعد في معالجة مادة الفورمالديهايد الموجودة في منتجات التنظيف.
- نباتات "الدراسينا": حيث يساعد نوعٌ معينٌ من "الدراسينا" في الحد من تأثير التلوث الناتج عن المواد الكيميائية الموجودة في الورنيش.
- يعتبر "سرخس بوسطن" -وهو نبات سرخسي يزدهر في مدينة "بوسطن" الأمريكية- أفضل نبات في إزالة التلوث الناتج عن مادة الفورمالديهايد أكثر من من أي نبات آخر.
- يعمل نبات العنكبوت "Spider Plant" بنفس الجودة تقريبًا، حيث يزيل 90 % من آثار مادة الفورمالديهايد المتبقية بالغرف المغلقة خلال 24 ساعة.
- أما نبات الصبار البلدي "الألوفيرا": فله القدرة على إزالة مادتى الفورمالدهيد، والبنزين من الهواء المحيط بهما.
|