القاهرة 09 سبتمبر 2023 الساعة 04:22 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
لم يتم سرد تحركات الرب "رع" في السماء والدِوات (العالم الآخر) بشكل كامل في المصادر المصرية القديمة، على الرغم من أن النصوص الجنائزية مثل الإيمي دِوات وكتاب البوابات وكتاب الكهوف تحدثت عن نصف الرحلة الليلي في سلسلة من الحلقات القصيرة، كانت تلك الرحلة هي مفتاح طبيعة الرب رع والحياة كلها.
في سفره عبر السماء، كان رع يجلب الضوء إلى الأرض، ويحافظ على كل الأشياء التي تعيش فيها، كان يصل إلى ذروة قوته عند الظهيرة، ثم يشيخ ويضعف، كلما تحرك نحو غروب الشمس. في المساء، يتخذ رع شكل آتوم، الإله الخالق، الأقدم من بين كل الأشياء في العالم. وفقًا للنصوص المصرية القديمة، في نهاية اليوم، كان يقوم ببصق جميع الآلهة الأخرى، التي التهمها عند شروق الشمس، وهنا يمثلون نجوم السماء.
وتشرح القصة سبب ظهور النجوم في الليل، وغيابها أثناء النهار. عند غروب الشمس يمر الرب رع عبر الأفق في الغرب، كان يُوصف الأفق أحيانًا بأنه بوابة، أو باب، يؤدي إلى الدِوات. في حالات أخرى قيل إن إلهة السماء "نوت" قد ابتلعت إله الشمس، لذلك فإن رحلته عبر الدِوات تشبه رحلة عبر جسدها.
في النصوص الجنائزية، تم تصوير الدِوات والآلهة الموجودة فيه في صور متقنة ومفصلة ومتنوعة على نطاق واسع، وكانت تلك الصور رمزًا للطبيعة الرائعة والغامضة للدِوات، حيث كان يتم تجديد كل من الآلهة والموتى من خلال الاتصال بقوى الخلق الأصلية.
على الرغم من أن النصوص المصرية تجنبت قول ذلك صراحة، فإن دخول الرب رع إلى الدِوات يُنظر إليه على أنه موته، وتظهر موضوعات معينة بشكل متكرر في تصوير الرحلة، حيث يتغلب الرب رع على العديد من العقبات في مساره، وكان ذلك يمثل الجهد اللازم للحفاظ على الماعت، وكان التحدي الأكبر له هو اعتراض عبب، الإله الثعبان الذي كان يمثل الجانب المدمر للفوضى، والذي كان يهدد بتدمير إله الشمس وإغراق الخليقة في الفوضى.
في العديد من النصوص يتغلب رع على تلك العقبات بمساعدة آلهة أخرى كانت تسافر معه، وكانت تمثل قوى مختلفة ضرورية لدعم سلطة الرب رع، وفي مروره كان الرب يسلط الضوء أيضًا على الدِوات؛ لإحياء الموتى المباركين الذين كانوا يسكنون هناك.. وعلى النقيض من ذلك، فإن أعداءه -الأشخاص الذين قضوا على الماعت- تم تعذيبهم وإلقائهم في الحفر المظلمة أو بحيرات النار.
كان الحدث الأساسي في الرحلة هو لقاء رع وأوزيريس، وتطور ذلك الحدث في عصر الدولة الحديثة ليصبح رمزًا معقدًا للتصور المصري للحياة والزمن، وصُور أوزيريس -الذي هبط إلى الدِوات- على شكل جسد محنط داخل مقبرته. كان الرب رع، يتحرك بلا نهاية، مثل البا، أو روح الإنسان المتوفى، والتي كانت قد تسافر أثناء النهار، ولكن يجب أن تعود إلى جسده كل ليلة، وعندما التقى رع وأوزيريس، اندمجا في كائن واحد، وعكس الاقتران بينهما الرؤية المصرية للزمن كنمط متكرر مستمر، إذ كان أحد الأعضاء (أوزيريس) ثابتًا دائمًا، والآخر (رع) يعيش في دورة ثابتة. وبمجرد اتحاده مع قوة أوزيريس المتجددة، استمر رع في رحلته بحيوية متجددة.
وجعل هذا التجديد ظهور رع ممكنًا عند الفجر، والذي كان يُنظر إليه على أنه ولادة جديدة للشمس، وكان يتم التعبير عنها من خلال استعارة كانت تلد الربة نوت فيها الرب رع بعد أن تبتلعه، ومن ثم تكرار شروق الشمس الأول في لحظة الخلق.
في تلك اللحظة، ابتلع إله الشمس المشرقة النجوم مرة أخرى، وامتص قوتها في حالة التجديد تلك، وقد صُوَّر رع كطفل أو كإله خنفساء، أو الجعران خبري، وكان كلاهما يمثل ولادة جديدة في المناظر المصرية.
|