القاهرة 18 يوليو 2023 الساعة 11:07 ص
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.fcai19-3.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/361645120_1055488652528298_166709914997067362_n.jpg?_nc_cat=100&ccb=1-7&_nc_sid=ae9488&_nc_ohc=WbGLPMqSybsAX-TjU86&_nc_ht=scontent.fcai19-3.fna&oh=03_AdSeFUJXjRoOmStM8YIRy3-9dJYKqJM-RO4v3cZ_RgIjkA&oe=64DDCCE3)
قراءة: أشرف قاسم
ظهرت الرومانسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على أنقاض المدرسة الكلاسيكية في فرنسا، ثم انتقلت إلى الأدب العربي على يد بعض الأدباء الذين درسوا الأدب الغربي وتأثروا به، وكان لظهور الرومانسية عدة أسباب أهمها :
- الشعور بالضياع عقب فشل الثورة الفرنسية الصناعية، مما أدى بالتالي بالشباب إلى الشعور بالتشاؤم والألم الذي اعتصر قلوب الشعراء والكتاب، فجاءت ملامح أشعارهم ونثرهم تكتسي النظرة السوداوية.
على أن الرومانسية ليست انطواءً ولا جلدًا للذات كما قد يتصور البعض، بل هى محاولة للتغنى بألم الذات، والذات هنا تشمل ذات الأنا وذات الآخرين، إذ كلنا في الهم سواء .
ولذا جاءت أعمال الرومانسيين مطبوعة بطابع الحزن والتشاؤم إلى حد بعيد، مع محاولات يائسة لتغيير هذا الواقع المؤلم، وامتد هذا التأثير الرومانسي في الأدب إلى العصر الحديث لا فرق في ذلك بين شاعر وشاعرة، فكما قرأنا لناجي والهمشري وصالح جودت، قرأنا لجليلة رضا وزكية مال الله وروحية القليني وسعاد الصباح وعلية الجعار وغيرهن من الشاعرات الرومانسيات اللائي نقشن بصماتهن على جدر التاريخ الشعري العربي بإتقان .
والمرأة ضعيفة بطبيعتها زرع الله في قلبها الحنان واللين والعطف والرحمة وإذا نظرنا إلى هدف الأدب –شعرًا ونثرا- سنجده يدور حول محورين :
أولًا - إمتاع القارىء بنص جيد شكلًا ومضمونًا.
ثانياً - أن يكون هذا النص لبنة بناء في جدار المجتمع لا معول هدم، ولا داعي للدخول في مناقشة قضية (الفن للفن، والفن للمجتمع) فقد أشبعها النقاد بحثًا وتنظيرا .
" وفاء بغدادي " شاعرة سكندرية تكتب شعر العامية، أصدرت عدة دواوين منها "زي الحقيقة، شرايح من روح بنت، البحر مش عارف ينام، الحتة اللي بتحلم فيا – بير مسعود " وغيرها .
تتسم أعمالها بشكل عام بالبساطة والانسيابية والشاعرية التي لا يخلتف عليها اثنان، إذ إن مسام موهبتها مفتوحة دائمًا لاستقبال أجمل المشاعر الإنسانية وأسمى المعاني، ونبضات قلبها في تناغم تام مع الروح فهى تؤسس ليوتوبيا تحيا في شغف انتظارها وتعيش على أمل الآتي :
فكرت انك تبني يوتوبيا جديدة
سكانها ملايكة وحور بيدفوا الشمس
مفروشة بأحلام الناس الغلبانة (1(
- وعقارب ساعتي في حالة بعث
وبتحسم لحظة من لحظات الخوف
ما املكشي ف ايدي
غير اني استنى (2(
إنها في انتظار الحلم دائمًا، في انتظار أن ترى فرحة ميلاد الأمل تتلألأ في عيون البشر وترى ابتسامات الرضا ترف على شفاههم :
اللي نصيبه من الدنيا
سريره الفاضي
ونضارته الغامقة
اللي
لما بتسقط آخر عدساتها
بيفتح عينه ف عين الشمس
بالليل
بينور كل الأنوار
ويعلي الراديو
وقلبه يشيله
في جراب أحلامه المخروم
وينام(3)
المرأة التي تمتلئ حبًا وتفيض عشقًا لكل ما هو إنساني، تتحول إلى كتلة من يأس وألم أمام دمعة لا تقوى على تجفيفها لإنسان، فما أقسى العواطف التي تربط بيننا عند الشعور بالعجز :
ما بتعرفشي تعوم
والبحر ف عز يناير
مش قادر يكتم أنفاسها
والصياد الواقف آخر الحلم
من غير سنارة
بس عجوز البحر
عمال بيقلب ودعاته
وبيأكد
لسه المخرج موجود (4(
يتسم الإيقاع الشعري عند وفاء بغدادي بأنه إيقاع بركاني -إن جاز التعبير- فهو هادىء ظاهريًا، ولكنه يغلي من الداخل وتلك هى طبيعة الشاعرة نفسها وكأن إيقاعاتها الشعرية هى حالة انعكاس جميل لإيقاعاتها النفسية:
نصب نفسك راهب
قطع فيا
وزع جسمي على كافة أركان الأرض
إخلق مني "هيباتيا"جديدة
واحلف باسم إله الحب
اللي أناح أفضل أحلف عمري
إنك معرفتوش
إن السكينة بتدبح غصبن عنك
بس إوعدني
لما توزع أخرحتة ف جسمى
ما تفكرشى
إنك تجمعني (5(
إن الثورة النفسية التي تجتاح حياة البشر -والشاعرة منهم- تجعلهم يتجاوزون الإيقاعات الحياتية التي تتسم بالرتابة، إلى إيقاعات خاصة يحاولون من خلالها تأسيس وتسييس حياة على قدود مشاعرهم وشاعرية لغتهم اليومية بفنية وحرفية عالية، بعيدة عن الابتذال والوقوف على نواصي الإرث البالي والفلكلور المستبد، في محاولة لتجديد دورة الحياة الدموية أو خلق حياة جديدة بعيدة عن الألم والمعاناة :
فيه حاجة ف أمي بتفكرني بنفسي
فيه حاجة ف قلب البحر بتشبه أمي
فيه حاجة ف نفسي بتفكرني بجرحك
فيه حاجة ف جرحك بتفكرني
بكل حروف الحزن اللي ف شعري
فيه حاجة ف شعري بالقاها
ف قلب عيون الناس
فيه حاجة في قلب عيون الناس
بتموت في البحر
فيه حاجة ف قلب البحر
بتحاول تطلع فوق فوق
فيه حاجة فوق عمالة بتسقط
قدام عيني
ياخسارة
فيه حاجة ف عيني
لسه بتشبه لك !(6)
تتسم اللغة في شعر وفاء بغدادي بالشاعرية والبساطة في آنٍ، بعيدًا عن التكلف والغلو الذي يدخل بها في دهاليز الإعراب والتعتيم بعيدًا عن لغة الشارع المبتذلة :
من غير مقايضة للزمن
خدها هبه
واشرب عصير العمر مني تجربه
واسمع نصيحة
كل دقة قلب فيك
كان عندها حلم وخبا
الحلم نار نورها لغيرك
لو تقرب تحرقك
يفضل لك اللحن الحزين
لحن الصبا
وبروح بترفض
تبقي سلم للهبوط
ماسمعتهاش
وفضلت أرسم في الخيال
دنيا صبا
يا دي الغبا
سكة جهنم
مفروشة دايمًا
بالنوايا الطيبة (7)
والتصوير في قصائد وفاء بغدادي بسيط كلغتها، ولكنه عميق مع التناغم الواضح بين الكلمة والصورة، مما يخلق جوًا أكثر تأثيرًا على المتلقي :
الشرخ
اللي ف سقف الحيطة
راسم بير بالمقلوب
بيشد فضولي لآخر نقطة ف قلب الطوب
ألمحني
غرقانة ف أبيات الشعر
أستنجد بيا
تتمد إيديا
في محاولة لإثبات الذات
ف محاولة لإحياء الحلم في واحد مات
أسقط فيا
من تاني باغرق
لكن جوه البير المعدول (8(
أما عن تأثير البيئة الساحلية في شعر وفاء بغدادي، فإنما يتضح بجلاء عبر مفرداتها ابتداءً من عنوان أحد دواوينها "بير مسعود " مرورًا بمفردات "البحر، الموج ، الرمل ، العوم ، الصياد الودع".
- قال عنها الشاعر سيد حجاب: "في أشعارها صوفية كفافيس، وعشق بيرم للحياة وسحر" بنات بحري " لمحمود سعيد " وقال عن قصر قصائدها "إن ذلك لا يعني أنها ذات نفس شعري مقطوع لكنه حرص كالوسواس في أن تنفذ من أقصر طريق إلى الجوهر الشعري الصافي لتجربتها الشعورية "
وقال عن قصائدها إنها تتسم "ببساطة غنائية آسرة بمهارة الصانع المعجون "بمية العفاريت" تلتقط شذرات المشاعر ونثار اللحظات الشعورية وتنتقي من بينها الأكثر لمعانًا وتأثيرًا ودلالة لتصل به إلى جوهر تجربتها الشعورية وتنفذ من خلاله إلى قلوبنا "( 9 ) جريدة ( القاهرة) عدد 215
* الشواهد من ديواني (الحتة اللي بتحلم فيا – بير مسعود).
|