القاهرة 16 مايو 2023 الساعة 12:16 م
بقلم: دوايت جارنر
ترجمة وإعداد: سماح ممدوح حسن
ولد الشاعر الصربي الأمريكي "تشارلز سيميك" فى 9 مايو 1938، وتوفي يوم الاثنين 9 يناير 2023، فى منزله بدوفر، نيوهامبشير، عن عُمر 84 عاما، وبحسب صديقه ومحرره، دانيال هالبيرن، أن الوفاة جاءت نتيجة مضاعفات الخَرف.
يعد "سيميك" شاعرا غزير الإنتاج، حاز على جائزة البولتزر 1990، عن ديوانه النثري"العالم لا ينتهي" أيضا حاز على جائزة شاعر الولايات المتحدة ما بين عامي 2007:2008. وقال عن هذه الجائزة "تأثرت، ويشرفني أن أُختير، فقد كنت فتى لا يتحدث اللغة الإنجليزية حتى سن الخامسة عشرة".
تنوّع تصنيف قصائده. فبعضها بسيط وسريالي، والبعض الآخر واقعي وعنيف وكلها تقريبا، تمتلئ بالسخرية والاستعارات المدهشة. وكما كتب عنه "دونالد جيروم رافايل بروكنر، فى ملف أعد فى صحيفة النيويورك تايمز، عن سيميك: قال"إن الناقد المتهور هو مَن سيغامر ويقول عما تدور قصائد سيميك. فالتفاصيل الغنية الممتلئة كلها بأشياء عادية، تترك لدى القارئ انطباعا بأن الشاعر أحدث فجوة فى الحياة اليومية، ليكشف لمحة من شيء لا نهائي".
تكرر، فى أغلب أعماله، موضوع طفولته فى بلجراد أثناء الحرب العالمية الثانية. فمثلا قصيدة "كلبان" يتذكر الجنود الألمان وهم يسيرون بالقرب من منزل عائلته 1944، "الأرض ترتج، الموت يمر" وفى قصيدة "الظهور الموجز" ويقول:
كنت أمتلك، جزءا صغيرا أخرس
فى ملحمة دموية. كنت واحدا
من قصف وفرار البشرية.
وعلى مبعدة منا،
يقف قائدنا العظيم،
يصرخ كديك فى شُرفة،
أم تُراهُ ممثلا محترفا
أنتحل شخصية قائدنا العظيم؟
هذا أنا، هناك، قلت للأولاد،
أنا محشور بين الرجال،
مع ضمادتين لليد، مرفوعة
والمرأة العجوز بفم فاغر
كما لو أنها تعرض سنا.
انتقل، سيميك، إلى أمريكا فى عُمر المراهقة، ولبقية حياته ظل ينظر إلى الماضى، ليس فقط لطفولته فى زمن الحرب، لكن أيضا إلى سيرك الحياة اليومية فى بلجراد. فامتلأت قصائده بالحكايات الشعبية وحكايات اللصوص والأحقاد القديمة. فى ديوانه "العالم لاينتهي" كتب"خطفنى العجر، وأستعادني وآلدي. وبعدها خطفنى الغجر مرة أخرى، وأستمر الأمر هكذا لبعض الوقت".
اعتنق الحياة الأمريكية، فكتب الشعر بروح إنسان نجا من مصير قاسِ وقرر ألا يضيّع لحظة. تتخم قصائده المهذبة والساخرة بالجنس والفلسفة وأغاني البلوز ومحادثات آخر الليل، ووقته الذى يقضيه على مائدة العشاء.
يكاد "سيميك" أن يكون شاعر الطعام الأكثر إخلاصا ونشوة فى أمريكا. إحدى قصائده كانت بعنوان "مجنون بالجمبري التى تحضّره". أيضا أصدر كتابا بعنوان "مقهى باراديسو" وفى أحد قصائده يقول:
حسائي للدجاج، ثخين
بأرطال اللوز الصغير
ومزيج الخُضر الشتوية.
أفضل "تالياتلى" مع المشروم والإنشوجة
طماطم وصلصة الفيرموث.
سمكة الصياد الرائعة،
مطهوة بالبصل والكزبرة
وزيتون أخضر.
تذوّق الفاصوليا البيضاء والثوم.
تشكيلة مثيرة من الجبن والفاكهة.
أود الغرق معك فى النبيذ الأحمر كالكمثرى.
وبعدها أنام فى سلطة التوت البرى بالكريمة.
شاعر الانقسامات، والذى ينبعث عمله من عدة زوايا دفعة واحدة. وقد كتب الناقد "آدم كريش" فى صحيفة "نيويورك صن، عن تأثير "سيميك"على الأدب الأمريكي وقال:
"يعتمد سيميك على الكوميديا السوداء، التهكم القاتم لأوروبا الوسطى، والحيوية الحسيّة لأمريكا اللاتينية، والتجاور المشحون للسريالية الفرنسية، ليخلق أسلوبا لا مثيل له فى الأدب الأمريكى. ومع ذلك، فإن شعر سيميك لا يزال أمريكيا بشكل معتبر، ليس فقط فى تراكيبه القوية المبلورة، درامية ساخرة بطابع الأربعينيات، لكن أيضا بثقة انتقائية".
ولد "دوسان سيميك" فى بلجراد، يوغوسلافيا 1938، مع بداية الحرب واحتلال دول المحور لبلاده. هرب والده المهندس الكهربائي إلى إيطاليا 1944 بعد اعتقاله عدة مرات. فى النهاية سافر إلى أمريكا، لكن العائلة لم تلحق به إلا عام 1954. ولاحقا قال الشاعر"إن وكلاء سفري كانوا، هتلر وستالين".
فى الملف الذى شارك فيه "بروكنر" حكى ما أخبره به سيميك عن مدرسته الثانوية "أوك بارك" وقال"كانوا يذكرونا طوال الوقت بأنها المدرسة التى تخرّج فيها آرنست هيمنجواي، وهذا يجعلك تتسائل من أنت. لكن لو وجدوا لديك شغف القراءة، فسيمدونك بالكتب".
حضر الفصول الدراسية الليلية، بجامعة شيكاغو، لمّا عجز والده عن دفع رسوم الجامعة. وكان يعمل خلال تلك الفترة كمصحح لغوى وعامل فى مكتب صحيفة شيكاغو تايمز. انتقل إلى نيويورك 1958، حيث عمل فى وظائف غريبة نهارا وكتب الشعر ليلاً. قال:
"كنت أكتب بالغة الإنجليزية منذ أن رغبت فى أن يقرأ أصدقائي وحبيباتي قصائدى"
نشرت له أول قصيدتين فى صحيفة "شيكاغو ريفيو" عدد شتاء 1959، وكان عُمره 21 عاما. تم تجنيده لعامين،1961، كشرطي عسكري فى ألمانيا وفرنسا وقال حينئذ "إنه وجد صوته عند عودته".
كتب: "قبل الجيش كنت أديباً أكثر من اللازم، رسمي وممل، أرتدي صوف التويد، أدخن الغليون، وإلى ما غير ذلك. وبعد الجيش أكتسبت نظرة أكثر تواضعا لنفسي. وبدأت أفكر فى ملاحظة الرسام، بول كالي، والتى كان مفادها، إن أراد شاب إنجاز هدف ما، لابد وأن يجد شيئا خاص به. وكان لدي الحافز نوعاً ما، ولهذا بدأت أكتب عن الاشياء البسيطة، أشياء منزلية، كسكين، شوكة، ملعقة، حذائي"
تزوج سيميك من مصممة الأزياء، هلين دوبين، عاشت معه طويلا، أنجبا، آن سيميك، وديفيد، وميلينا. ورزقا بحفيدين. التحق سيميك بجامعة نيويورك، وعمل ليلاً ليتمكن من دفع الرسوم، حصل على البكالوريوس1966، وأصدر أول دواوينه"ما يقوله العشب"بعد التخرج بعام.
عمل أستاذا بجامعة نيوهامبشير، كأستاذ مساعد 1973، وظل يعمل بها طوال ثلاثين عاما. نشر طوال حياته أكثر من ثلاثين ديوان شعر، وعمل فى صحف عديدة وأهمها نيويورك تايمز.
طالما استعاد "سيميك" فى أعماله الدروس السياسية التى تعلمها فى شبابه. فاشمئز طوال حياته من القوميين المتشددين، والانقسامات العرقية ولما قال عنه فى إحدى مقالاته "مايسمى بالقادة العظام والنشوة الجماعية التي يثيرونها".
رغم عيشه عدة سنوات في ريف نيوهامبشير، إلا أنه رفض تماما إضفاء أي طابع رومانسي على حياة المزرعة وقال:
"وماذا عن ذاك المزارع خلف المروج الرائعة والذى يعمل سبعة أيام فى الأسبوع من الصباح حتى الليل ولا يزال يتضور جوعاً؟" وفى مقال آخر قال"وماذا عن زوجة المزارع المريضة وابنهم الذي يُعذب القطط؟".
أمتلك سيميك مفاهيمه الخاصة عن الطبيعة وقال:
"الطبيعة كتجربة، مثل صنع صلصة الطماطم، مع جبن الموزاريلا مع أوراق الريحان الطازجة وزيت الزيتون، أفضل من أي فكرة أخرى عن الطبيعة".
قال السيد "سيميك" لأحد محرري باريس ريفيو،" بالتأكيد، يجب أن تُختبر كل نظرية عظيمة أو مشاعر نبيلة أولا فى المطبخ وبعدها فى السرير"
فى ديوانه الأخير"المجنون"، والصادر 2015 بدا أن فكرة الشيخوخة والموت لا تزعجه على الإطلاق. فكتب "بأن يوم ربيعي، يجعله فى منتهى السعادة، حتى لو اضطر لمواجهة فرقة إعدام فسوف يبتسم، كمصفف شعر، يعطي كاميرون دياز شامبو".
- نشر هذا المقال في صحيفة نيويورك تايمز، في يوم وفاة الشاعر.
|