القاهرة 02 مايو 2023 الساعة 11:22 ص
بقلم: محمود عبد الستار
بدأ توظيف الاتجاه النفسي في النقد الأدبي من خلال تحليل السلوك الإنساني، ومراحل نمو هذا الإنسان منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. وقد أفاد النقد الأدبي من مقولات علم النفس في عمليات التأويل والتحليل.
ويمكن التساؤل عن مدى ارتباط التحليل النفسي بالمنتج الأدبي، وإلى أي حد يتمثل منتج الخطاب الأدبي في تشكيل نصه (الشعري أو السردي) مجموعة القيم والمؤثرات الثقافية، ولا سيما الثقافة الشعبية التي تسهم في تكوين لاوعي الكاتب وشخصياته الفنية.
ولا يمكن أن ننكر أن"علم النفس في ذاته ليس إلا معبرا إلى عملية الإبداع. وأما في العمل الفني ذاته فليست الحقيقة النفسية ذات قيمة فنية إلا إذا منحت التلاحم والتركيب ـ أي إذا كانت، باختصار، فناً"(1).
كان سيجموند فرويد هو أول من طبق منهج التحليل النفسي على الأدب، بل لقد استعان بنصوص أدبية شهيرة وهو يقوم بالتحليل النفسي لأكثر سلوكات الإنسان عمقا وتعقيدا، فاستعان بنصوص مثل مسرحيات"أوديب" و"إلكترا" في التنظير لمفاهيم رئيسية في نظرية التحليل النفسي مثل عقدة "أوديب" وعقدة "إلكترا".
وقد نجح فرويد في الكشف عن المكبوت الذي يجري إنكاره، لكنه قد يظهر في النص الأدبي في أحداثه وحوارات شخصياته؛ بغية الكشف عن العلائق الدفينة بين الوعي واللاوعي عند ربط التحليل النفسي بالبلاغة والسرد واستعانته بالاستدراك أو الإدراك الرجعي لهذا التحليل النفسي(2).
إن بعض منظري الأدب يرون أن التحليل النفسي يحدث موازنة في الاهتمام بسلوكيات الشخصية؛ لئلا يسيطر التحليل النفسي في مجال دراسة الأدب والنقد، من خلال عدم التركيز على اللاشعور وحده في النقد، لإدغام المعالجات النفسية الدائبة بالخصائص الشعورية والمعرفية للإنسان وكيفية التعبير الأدبي عنها(3).
وقد ظلت فكرة "الشعور" هو الأساس لدراسة النفس البشرية تسيطر على الباحثين والعلماء، إلا أن أدرك هؤلاء العلماء في فترة متأخرة أن ثمة طبقات متعددة ومتراكمة من النفس البشرية تحتاج إلى الغوص فيها لاستقصائها ومعرفة عقدها. وقد كان التنويم المغناطيسي والأحلام وفلتات اللسان وحالات الهذيان من الظواهر التي نبهت العلماء إلى طبقات أخرى أكثر عمقا من النفس الإنسانية؛ مما جعل علماء النفس يجعلون "اللاشعور" أو ما هو مقصى ومنسي من النفس الإنسانية أساسًا لتفسير هذه الظواهر النفسية.
وقد أكد منظرو الأدب، حينما عمدوا إلى التحليل النفسي لاستخدامه في مجال في النقد، على أن اللاشعور (اللاوعي) يقف في موازاة الشعور (الواعي)، مثلما أكدوا على الذات العليا أو الضمير هو الكاشف الحقيقي لهذه الموازاة بين اللاوعي والوعي(4).
وقد جاء تلميذ فرويد (كارل يونج) لينقل التحليل النفسي نقلة أكثر اتساعا في منظورها الرؤيوي، حيث تحدث عن اللاشعور هو الآخر، لكنه ليس اللاشعور الفردي الذي يتحكم في سلوك الذات الساردة أو حتى الذوات الروائية المجتمعة في فضاء النص، إنما تحدث يونج عن اللاشعور الجمعي وكيف يمكن أن تؤثر الثقافة الكامنة في اللاوعي الجمعي على سلوك الشخصيات داخل النص الروائي، من خلال اللاشعور الجمعي الذي "يمثّل خبرات الماضي وتجارب الأسلاف"،حيث تتبدى عملية الخلق الفني في نمذجة الشخصيات عبر"استشارة النماذج الرئيسة المتراكمة في اللاشعور الجمعي بوساطة الليبيدو المنسحب من العالم الخارجي، والمرتد إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية أيضا"(5).
ولكي نُدرك العلاقة بين الشعور واللاشعور يمكن أن نتخيل لحظة إبداع نص جمالي ما من قبل كاتب معين، فهناك مشاعر ورغبات وأفكار واضحة تدفعه للإبداع (الشعور)، وهناك أفكار ورغبات ومشاعر دفينة مقصاه في منطقة غائبة عنه (اللاشعور) يقوم باستدعائها دون قصد ودون تعمد، إنما تظهر في النص، وحين يعمد ناقد ما إلى تحليلها والكشف عن هويتها النفسية قد يحتار منتج النص الجمالي، بل قد يقول داخل نفسه أنا لم أقصد هذا، صحيح هو لم يقصده، إنما استدعته لحظة الإبداع من اللاوعي الكامن والذي تكونه الثقافة وسياقها والوجدان الجمعي للجماعة البشرية التي ينتمي إليها.
إذن الطبقات التحتية التي تكمن في اللاوعي (اللاشعور) تكون غاية في العمق والبعد، خفية لا يدركها الإنسان/المبدع، تكون مكتنزة بأفكار ورغبات كامنة، تتَدافع وتُلحُّ لكي تخرج إلى الشعور، لكن المبدع لا يتمكن بعملية استدعاء عادية، فكل ما هو مقصى ومنسي وكامن في تلك الطبقات البعيدة (اللاشعور) ولكنها تظهر دون قصدية في عملية الإبداع.
[1] وارين وويلك،أوستن ورينيه،نظرية الأدب، ت. محيي الدين صبحي، مراجعة حسام الخطيب،ص118
[2] جفرسون و روبي: النظرية الأدبية الحديثة، تقديم مقارن، ت.سمير مسعود، ص208-241
[3] لينداور: الدراسة النفسية للأدب، ت. شاكر عبد الحميد، ص234.
[4] أقلاديوش: السينما والمسرح وأمراض النفس،ص30.
[5] المختاري: المدخل إلى نظرية النقد النفسي،ص15