القاهرة 01 يونيو 2021 الساعة 09:21 ص
ترجمة وإعداد: محمد زين العابدين
أظهرَ هذا المعرض الاستيعادي براعة الرسام الياباني الأسطوري (روزيتسو) في استخدام الألوان والفرشاة.. بين الشوارع المزدحمة والمرتفعات العالية في مدينة (زيورخ) السويسرية يقبع معرض استيعادي صغير لعبقري الفن الياباني روزيتسو، حيث تشاور متحف (ريتبرج) مع وكالة الشئون الثقافية التابعة لحكومة اليابان لجلب لوحات رسام القرن الثامن عشر الشهير "ناجاساوا روزيتسو 1754-1799" بعيدا عن وطنه، لتعرض في هذا المعرض بسويسرا.
قدم المعرض ستين لوحة على إطارات رسم من الحرير، والورق، والخشب، ومثّل أكبر معرض استيعادي لروزيتسو خارج اليابان.
ولد روزيتسو لعائلة من الساموراي منخفضة المستوى خلال فترة حكم الإمبراطور (إيدو 1603-1668)، ولا يُعرف الكثير عن أصوله، لكن حياته المهنية كرسام بدأت بدخوله مدرسة (ماروياما) في العشرينيات من عمره، وقد تأسست المدرسة على يد أحد أكثر الفنانين تأثيرا في ذلك الوقت وهو (أوكويو ماروياما)، وقامت المدرسة بتدريس العديد من الأساليب التي ابتكرها أوكويو الذي كان أسلوبه متجذرا بعمق من خلال استعمال الفرشاة أحادية اللون، والتي تعلمها من مدرسة (كانو) للرسم، وهو أسلوب استعاره بشدة من أساليب الرسم الصيني، باستخدام فرشاة جريئة، وقوية، وغنية بالحبر، مع اللجوء لأقل قدر من الألوان.
اشتهر أوكويو بتصاميمه التفصيلية للغاية للطبيعة، ورسوماته أحادية اللون، وقد أثر بشكل كبير على روزيتسو، وتتواجد أكثر أعمال روزيتسو إبداعا في معبد (زين) في (كوشيموتو)، وهي بلدة ساحلية في أقصى جنوب (هونشو) في اليابان.
في معبد (موريوجي)، ترك كل من أوكويو، وروزيتسو مجموعات كبيرة من أعمالهما الفنية، هناك ثمانية وأربعون لوحة معلقة وجدارية لروزيتسو تصور العديد من المخلوقات والمناظر الطبيعية التي أصبحت قطعه الفنية الخالدة، وهي نادرا ما تغادر معبد موريوجي للعرض في معارض خارجية، ومن بين الستين قطعة المعروضة في المعرض، كان هناك النمر المرسوم على الشاشة الحريرية أكثر ما يلفت الأنظار، ويحكى أن روزيتسو رسم النمر الغامض مع نظيره التنين على الشاشة الحريرية في ليلة واحدة في عام1786.
وعلى الرغم من أن روزيتسو معروف بتركيبات الحبر كبيرة الحجم على لوحات عملاقة، فإن تصويره لخمسمائة من التلاميذ البوذيين على سطح بوصة مربعة واحدة، وباستخدام عدد لا يحصى من الموضوعات، بما في ذلك الأطفال وهم يلعبون، والمناظر الطبيعية، والنباتات، والحيوانات الأخرى، يظهر روزيتسو إتقانا هائلا للألوان واستخدام الفرشاة، وقد حاكى عمل روزيتسو المبكر عن كثب الأسلوب الواقعي لمعلمه أوكويو، لكن أعماله الفنية انحرفت إلى نغمات أكثر غرابة بمجرد تركه لأوكويو ومدرسة (ماروياما).
وفي بعض اللوحات قام عن عمد بوضع الكائنات الكبيرة مع الصغيرة، مثل الفيل الأبيض والثور الأسود، وفي بعض اللوحات يكون الموضوع صغيراً للغاية لدرجة أنه يتطلب عدسة مكبرة لرؤيته بشكل كامل، وفي حالات أخرى رسم روزيتسو لوحات بأصابعه وكفيه فقط، مثل لوحة الصبي الراعي يعزف على الفلوت.
وقد ابتكر رسامو مدرسة (كيوتو) في القرن الثامن عشر هذا النمط من"الرسم بالأصابع"، والذي عرف باسم (شيتوجا)، وكان غالبا يصاحب إلقاء الشعر وتناول المشروبات الروحية، وعلى الرغم من غرابة أطواره فإن روزيتسو كان رساما بارعا للطيور والزهور، وتعتبر لوحة (شجيرة الفاونيا والعصافير 1786) أفضل تمثيل لقدرته على استحضار الحياة إلى كائنات تبدو عادية، فتبدو أن العصافير تنخرط في أغنية حية، في حين أن كل ورقة وبتلة من أزهار (الفاونيا) تبدو ممزوجة بالضوء والحياة، ومن خلال قطعه الغريبة أبدى روزيتسو اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة بشكل جميل من خلال براعة استعمال الفرشاة والصبغة.
وليس هناك مجال للمبالغة في أهمية روزيتسو الثقافية بتاريخ الفن الياباني، في الواقع تم تسجيل ثلث القطع المعروضة في متحف ريتبيرج كممتلكات ثقافية مهمة، أو موضوعات فنية مهمة، وقد أضاف المعرض قيمة مضافة لزواره من خلال ترتيب القطع الثمانية والأربعين التي جلبت من معبد موريوجي في مخططها الأرضي الأصلي، وذلك مثلما ثبتت بغرف المعبد، وقد أعطى هذا للزائرين فرصة فريدة لمشاهدة عمل الفنان بالطريقة الدقيقة التي تم تصميمه من أجلها مما أضفي مزيداً من الأصالة على المعرض.
وقد افتتح متحف ريتبيرج أبوابه للجمهور في عام 1952، وهو المتحف الوحيد للثقافات غير الأوروبية في سويسرا، حيث يعرض الفن الآسيوي، والأفريقي، والأمريكي القديم، وفنون منطقة (الأوقيانوس)، وتمتلكه وتديره بلدية المدينة، ويتكون المتحف من ثلاث فيلات تعود للقرن التاسع عشر في قلب مدينة (زيورخ).