القاهرة 25 مايو 2021 الساعة 10:58 ص
حوار: هالة حاتم
حسين دعسة؛ قاص وروائي أردني؛ المستشار الإعلامى السابق لوزير الثقافة الأردنية؛ ويعمل حاليًا رئيسًا لتحرير "جريدة الرأي" الأردنية؛ حاز بكالوريوس الدراسات الإنسانية والتربوية من الجامعة الأردنية؛ ودبلوم الوثائق والمخطوطات العربية من المجلس الدولي للوثائق بباريس؛ كما عمل خبيرًا للثقافة السمعية والبصرية في مجال السينما التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس؛ كما كان موفدًا للجنة الأردنية لإنقاذ التراث الثقافى في العراق.
قدم للمكتبة العربية عدة كتب ومجموعات قصصية؛ وروايات منها: "أسطورة البلقاء 2001م"؛ "دليل المؤسسات الثقافية في الأردن 1995م"؛ "متصوفة الفن والجمال 1995م"، "فخر النساء زيد 1994م"؛ "الحياة مع السينما 1994م"، "في الاتجاه الصحيح -مشترك- 1987م"، "حوار الفن التشكيلي 1995م"، "دراسات عن السينما الفلسطينية 1995م"، "الشاهد الوحيد – مجموعة قصصية – مطبوعات الكرمل بفلسطين 1989م"، كما له عدة روايات منها: "رواية خارج اللوتس"؛ " أعشاب المخيم"؛ "بيت خضرة" وقد نشرت مسلسلة بجريدة الرأي الأردنية. كما نشر إبداعاته القصصية بالصحف والمجلات العربية.
بداية؛ تمثل الأردن حاضنة للثقافة العربية كونها جغرافيا تنتصف بحسب الجغرافيا الدول العربية؛ وتجاور فلسطين؛ وفي هذه المنطقة التى تمور بالتحولات اسألك عن كيفية أن يكتب المبدع خلال هذه الأجواء؛ وهل تؤثر عليه الأحداث الداخلية والمشتركات الإقليمية؛ ونحن نرى أغلب أعمالك القصصية تتحدث عن فلسطين وقضايا العروبة؛ والحلم العربي المشترك؟
عاشت المنطقة أحداثًا إقليمية متباينة في قدرتها على مواكبة الحياة الثقافية والفكرة، عدا عن الحياة السياسية والتربوية.
في ذاكرة المنطقة، هذا الصراع السياسي الذي فرض على كل البلاد العربية والإسلامية في بلاد الشام والمغرب العربي ومصر وشمال أفريقيا، وصولا إلى كتاب الشتات والهجر، فقد عايش الفعل الثقافي الحدث السياسي، بل واشتغلنا كفاعلين في الحياة العامة، تربويًّا وإعلاميًّا وإبداعيًّا، فقد كان على المثقف دوره العضوي في دعم قدرات المجتمع في ظل استشراء النظرة الاستعمارية في المنطقة، كنوع من العودة إلى ما نسمية، ظاهريًّا وعمليًّا "عودة الاستعمار الاستشراقي" بدلالة الولايات الفكرية والتربوية ومحاولات التغلغل في نسيج المؤسسة الثقافية والاعلامية وحتى البنى السياسية.
كمثقف، كان فعل الالتحام مع الأجيال المتوالية منذ نكبة فلسطين، مرحلة مهمة لإعادة تعزيز الثقة بالإنسان، بالمتواليات التي خلقت وأبدعت جدل الوطنية والقومية والالتزام بمفاهيم البنية الثقافية المعززة، التي عملت على حماية المجتمع من أشكال الغزو الفكري والسياسي، وفوضى المعايير التربوية والأخلاقية.
عملت مستشارًا إعلاميًّا لوزير الثقافة بالأردن وتعددت مشغولياتك واهتماماتك الإعلامية فهل – في نظرك – يؤثر الإعلام على المبدع؛ أم أنه نافذة للانطلاق في عالم الأضواء والشهرة؟!
هناك علاقة بين العملية الإبداعية والحياة الثقافية والإعلامية، وتحديدا في مجالات الإدارة الثقافية واشتباكها وتواصلها مع الحركة الإعلامية، بكل أشكالها ووسائلها، وتحولاتها الرقمية، فمنذ بدء مأسسة العمل الثقافي، اجترحنا مفاهيم السياسات الاجتماعية الثقافية، التي انعكست على الفعل الإبداعي، بالتوازي مع الواقع وتنمية المبدع ثقافيًّا، ليكون مديرًا لفعله الثقافي، وأوكلنا مهمات ترويج العمل الإبداعي للمؤسسات التي تعني بالترويج الاعلامي، مع الحفاظ على حساسية العمل الإبداعي وقيمته.
للإبداع قدرة جبارة تصلنا إلى تحقيق رؤية مختلفة، كان لا بد من الاستفادة من انشغالي في مثلث الإعلام والإدارة الثقافية والعمل الإبداعي، سواء في الرسم والفنون التشكيلية أو الرواية أو القصة، وحتى في الكتابة الاحترافية في المقال السياسي، وهي انشغالات متماسكة عندي، بمعنى لا اقتراب بين الإعلامي والمثقف إلا بحدود حيوية العمل وحساسيته..
عموما، اقتراب المبدع من الإدارة الثقافية ضرورة لحماية الإبداع؛ ذلك أن المؤسسة الثقافية لها تراتبية إبداعية وإدارة، تحتاج إلى شخصية ثقافية تسيير أعمالها، وتنقل أفكارها.
لماذا انزوت القصة العربية أمام الرواية التى أطلق عليها "ديوان العرب" وأصبحت تتصدر المشهد العربي؛ بل والعالمي؟ وهل هناك أمل في عودة الصدارة لها في ظل أزمة الوعي؛ أم أنها لن تعود من جديد؟
بما أفكر، ومن خلال دراسات نقدية، من هذا المنطلق النقدي، أجدني مع نظريات مغايرة لما يفكر به بعض الكتاب، لأقف في مواجهة "ضد" فكرة سيادة نوع أدبي على آخر!
من يتحكم في سوق الإبداع شركات ومؤسسات لها أدوارها في تكفين "نوع أدبي" على حساب آخر، لاعتبارات تتعلق بالنشر وتسويق وتوزيع وجوائز.
أعتقد، القصة بخير مثلما الرواية، وأيضا المسرحية والشعر، لكن هناك معضلة مختلفة عند جيل الشباب، وهم الذين أصبحت ميولهم في القراءة عجيبة غريبة، وهذا يعود لنشوة قراءة الأعمال البوليسية أو الخيال العلمي أو الأديان، وهذا لا ينفي أن لميولهم ضائقة إبداعية تخضع لطبيعة العمل الثقافي ورعاية الإبداع في أي بلد عربي أو إسلامي، وهي غالبا طبيعة متغيرة سلطوية، تتحكم في اوعية الثقافة والمؤسسات التي تعمل على رعاية الثقافة الجماهيرية في بلدانهم.
في مجموعتك القصصية "الشاهد الوحيد" كيف تكون شاهدًا على مأزومية ضياع الحلم العربى؛ وكان المنوط بك أن تكون التنويري الذي يوجه الرأي العام العربي باعتبارك أحد الكتاب الذين لديهم مشروع قومي؛ وعروبى ممتد عبر كتاباتك ومقالاتك في جريدة الرأي التي تتشارك في إدارة التحرير، كذلك؟
عندما كتبت هذه المجموعة، وضعت كمخطوطة، للعديد من قصصي التي كنت فيها مواكبًا، مشاركًا، شاهدًا على أحداث سياسية وفكرية مرت بها البلاد العربية والإسلامية، على هامش أزمات وحروب متباينة تركت ندوبها في ذاكرة كل الشعوب، هنا القصة القصيرة تتبادل الأدوار مع هامش الحرية وتحاكم سلطة عودة الاحتلال الغربي لبلادنا عبر الوسائط الناعمة في الثقافة والإعلام، وحتى في نتائج ما نكتب، بحيث أبرزت المخطوطة مسارات أن تدخل في أواني مستطرقة لتكون هذا الشاهد الوحيد على صورة وحقيقة ما حدث في العراق وليبيا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وسوريا وغير ذلك من الصراع الفكري، لشخصيات تحاول أن تخرج من أزماتها.
في رواياتك الثلاثة وخاصة "أعشاب المخيم" تطرح الكثير من المواقف والرؤى التي عبرت عنها في كتاباتك القصصية فهل منوط بالكاتب أن يعيد تكرار ما كتبه؟ أم أنك تؤكد على القيم العامة؛ وتنادي بأنه لابد للكاتب أن يكون لديه مشروعه الإبداعي غير المنفصل عن شكل كتاباته؟
أعشاب المخيم، رواية أولى، كتبت ما بين عمان وبغداد، وكتب لها تقدمة الشاعر والروائي العراقي الراحل يوسف الصائغ، وهي تقوم على ثلاثة أجيال عاشت بين الساحل الفلسطيني الذي تعرض لنكبة، تركت آثارها على وضع كل فلسطين المحتلة، وجيل آخر يعيش الشتات والهجرة بين أكثر من بلد، منها العراق ولبنان وأوروبا، وجيل ثالث يعيش حلم العودة، فاقدا بوصلة النجاة.
الرواية ممتدة، تتراكم فيها الشخصيات على هامش أزمات لا حل لها إلا بالبحث عن منطق وخيارات الترحال، وبالتالي الموت بعيدا عن الأوطان.
هل ترى أن القصة القصيرة قادرة على حمل هموم الوطن؟ وما موقفك من الأشكال الجديدة كالقصة القصيرة جدًّا؛ القصة الومضة أو الإبيجرامات؛ والقصة الشاعرة؛ وغير ذلك؟!
في إبداع القصة القصيرة، حالة من إعلاء، واستمرارية لما كان وما زال حاضرًا ومستقبل الكتابة الإبداعية السردية.
القصة القصيرة، أدب رفيع، واكب تحولات الحضارات والمجتمعات والبيئات المتباينة، فمنذ كان السرد الحكائي شفاهي، وإلى أوائل الكتب والمخطوطات، كانت القصة، هي سيدة معالجة حال الناس والأرض والأوطان، وسياق الكتابة بتكويناتها وبنيته وجدلها اليومي مع الحياة، هي قصص تنبض بهموم الوطن، والمجتمع، تعيش شخصيات إنسانية تتمسك بالأرض والحب والجمال، لهذا فالقصة القصيرة، بكل تحولاتها وأشكالها، هي من أساسيات السرد في التراث البشري عامة.
قطعا ما زلنا نختلف حول تطور الأشكال الأدبية والسردية، وهذا الأمر يظهر في القصة القصيرة جدا، والومضة… إلخ.
أعتقد أننا بحاجة إلى فهم جاد لعملية التحول من شروط القصة القصيرة، إلى الومضة وهذا السرد المكثف، الذي يمتلك شاعرية ومصفوفة فلسفية تختزل الكثير، ذلك هو مستقبل الكتابة.
هذا الأمر لا يقلل من أهمية كتاب القصة في كل البلاد العربية وبالذات في مصر، فقد كانت التجارب الأدبية ومواكبة حركة النقد لها، من أهم مفاتيح سيادة السرديات.
هل تظن أنك قدمت حسين دعسة كما يجب؟ أم أنه لازال لديك الكثير مما لم تقدمه بعد؟!
في كراسات أي شخصية أدبية أو إعلامية، حراك ثقافي صاخب، لهذا فالصورة هنا، تعانق مرايا حسين دعسة التي تحتفظ بكل متغيرات العمل الإبداعي،.. دعكم من تلك المرايا، لا تحولوا كسرها ففيها قوى من صميم قضايا واكبناها، لنقف، حسين دعسة وجميع القراء على مسافة واحدة من الحرية والحب والجمال، تلك المسافة الجدل، أو قدرتنا على صياغة مشروعنا الثقافي الفكري..
عشت أشترك مع شخصيتي، صورتي، تلك المرايا، واقفا بعماد وباحثا عن الإنجاز والتغير، فقدمت مجموعة مهمة من الدراسات النقدية في الأدب والفنون التشكيلية والسينما، مثلما أقف ناظرا على تحولات العالم الرقمي نركن لها لأنها "ممكن المستقبل" في قيمته الثقافية والفكرية والاجتماعية.