القاهرة 20 مايو 2021 الساعة 01:03 م
كتب: وائل سعيد
قليلة هي أفلام الرعب في السينما المصرية، ربما لأنها تحتاج لإمكانيات خاصة، بعيدة كل البعد عن أهداف صناع السينما، هذه النوعية من الأفلام تتخطى إشكالياتها حدود السينما المصرية، فهي تشمل السينما العربية على وجه العموم، كما يمكن تطبيقها كذلك على الأدب حيث تتعامل هذه الأعمال -بالدرجة الأولي مع فكرة كسر التابوهات -الدينية أو الأيديولوجية- مما يتعارض مع مفاهيم وعقائد المؤسسة الدينية في المقام الأول، يليها المؤسسة الشعبية "الوعي الجمعي" بكل ما على عاتقها من عادات وتقاليد تستهجن جموح الخيال، حتى أن بعض الأفلام القديمة التي تطرقت لفكرة عودة الموتى على سبيل المثال لجأت لحل وسط في النهاية، كأن يكون هذا مجرد حلم في نوم البطل.
رغم ذلك لم تخلُ السينما المصرية من تجارب تظهر بين الحين والآخر، قليل منها ما علق في ذهن المشاهد بالفعل، وعلى رأسها فيلم "سفير جهنم" المعروض منتصف الأربعينيات تأليف وإخراج يوسف بك وهبي الذي أدى دور الشيطان مغويا أحد الزوجين بالخضوع له مقابل الشباب والمال، أيضا التجربتان الشهيرتان في الثمانينيات "التعويذة، والإنس والجن"، في الأخير يقوم عادل إمام بدور الشيطان الذي يقع في حب امرأة من نسل آدم وحواء ويظهر على غير الصورة المتخلية لإبليس، بلا أنياب أو ملامح تثير الفزع، بل مهندما بكرافت مربوط، الغريب أن البطولة النسائية في التجربتين كانت للفنانة يسرا!
على جانب آخر، قُدمت أفلام من نوعية الرعب الكوميدي حظيت بقبول أوسع مثل بعض أفلام إسماعيل يس، عفريتة إسماعيل يس، وحرام عليك، وبيت الأشباح. وما يظل مشتركا بين جميع التجارب التي توخت الرعب أو الإثارة في السينما المصرية والعربية، هو الالتزام بالنقل أو الاقتباس عن سينما هوليود، سبق أن أشار إليه المخرج محمد راضي في أحد الحوارات التليفزيونية عن أسباب فشل أفلام الرعب المصرية، مضيفا إليه نُدرة كُتاب هذه النوعية.
الطريق الهوليودي
تعددت التفسيرات حول المفهوم الفني "للخيال العلمي"، منها من رآه محض تخمين للمستقبل كالكاتب الأمريكي "روبرت هاينلاين"؛ عميد كُتاب الخيال العلمي، ومنها ما اعتبره مزيج من الشغف والتنبؤ في قالب علمي، حسب رؤية المخترع والكاتب الأمريكي "هوغو جيرنزباك" الذي أصدر أول مجلة متخصصة في هذا المجال بعنوان "قصص مذهلة 1926". بينما يعرفه الكاتب والناقد اليوغسلافي "داركو سوفين" على أنه نوع فني يعتمد على البديل التخيلي لبيئة المتلقي.
عرف الإنسان هذا النوع الفني بداية، عن طريق السرد أو الأدب، قبل انتقاله التدريجي إلى الوسيط البصري باختراع السينما منذ قرن وربع، وما ترتب عليه استحداث ميزانيات مختلفة الإنتاج لتجسيد الخيال السردي عن طريق الصورة المتحركة الضاجة بمؤثراتها الخاصة على المستويات كافة. أما أعمال الخيال العلمي فهي لا تراهن في المقام الأول على العنصر البشري أو القصة؛ وإنما علي توليفة معقدة من الإبهار والتشويق تستطيع جذب انتباه المُتفرج بصريا وسمعيا، الأمر الذي ازداد تعقيدا بدخول عنصر التكنولوجيا في صناعة الصورة حاليا، ربما لذلك تندر هذه النوعية في الأعمال العربية عامة "سينما ودراما" وإن ظهر في السنوات القليلة السابقة محاولات من البعض لخوض ذلك المجال كثير المتطلبات.
في كتابه "السينما الخيالية – ترجمة مدحت صفوت"، يُعطي الناقد السينمائي "بيتر نيكوللز" للفيلم الخيالي وصفا مُبسطا بأنه كل ما "يدور في عالم يختلف عن عالمنا الفعلي الذي نعيش فيه، في ناحية هامة واحدة أو أكثر". وذلك لتعددية هذه العوالم، إلا أن البعض يرى من منظور فلسفي بأن كل الأفلام والأعمال الدرامية خيالية بالأساس طالما لم تحدث في الحقيقية!
هناك العديد من الأفلام التي تطرح تصورا خياليا لنهاية البشرية وهي من أكثر الأفكار الرائجة جماهيريا، ربما يرجع ذلك لشغف الإنسان لمعرفة خاتمته، حيث يحتدم الصراع في الحدث الدرامي على البقاء -جراء مُسببات مختلفة- ويخول لبطل العمل وقتها مُهمة السيطرة علي الأحداث وتحقيق الخلاص لبقية البشر.
هذه التيمة الشعبية تربت عليها ذائقة الكثير من الأجيال، حين غزت هوليوود العالم بهذه الأفلام في الثمانينيات والتسعينيات، مُشكلة الوعي البصري لمواليد جيل السبعينيات، الذي كنت واحدا منهم، ويبقي أن المعيار الوحيد لما يتم طرحه هو القيمة الجمالية، فهناك الكثير من الأعمال التي قدمت معالجات درامية لم تخل من تعثرات كتابة الخيال أو الخيال العلمي، إلا أنها حققت تلك القيمة رغم استعانتها بمصطلحات وهمية، كما في فيلم "جري الوحوش 1987 – إخراج علي عبد الخالق" وتأليف السيناريست محمود أبو زيد، ولكن الأمر مع أبو زيد مختلف؛ فقد جعلنا نعتقد –دراميا علي الأقل- بوجود مصطلح طبي يسمى "الانترلوب" ويتحكم في قدرة الإنجاب من عدمها، الوسيلة التي اتبعها السيناريو في صُنع الحبكة الدرامية.
وفي مسلسل "نهاية العالم ليست غدًا 1983 – إخراج علوية زكي" ينسج المؤلف يسري الجندي حبكة عن اتصال بكائنات من الفضاء تأتي لمساعدة بطل العمل "حسن عابدين" في مواجهة هلاك العالم القريب. لم تكن الخدع وقتها ولا المؤثرات الخاصة قد وصلت لما هي عليه الآن، وربما يستقبل المُشاهد الحالي هذه التقنيات بسخرية إلا أنها قامت بوظيفتها الدرامية قديما بشكل جيد. كرر الجندي نفس الفكرة في قالب مختلف في المسلسل الإذاعي "دي نهاية العالم يا زغلول 1999 – بطولة فاروق الفيشاوي ومعالي زايد وإخراج محمد مشعل".
بين الماضي والحاضر
على الرغم من غنى التراث العربي بصور غرائبية تستحق الاقتباس، استفاد منها زمرة من كتاب الغرب النابهين ولم ينتبه إليها أصحاب البيئة التي أبدعتها، فحين نتتبع كتابة الخيال نجدها قد اعتمدت على الترجمة والنقل لفترات طويلة، في الخمسينيات طرق المجال عدة أسماء من بينها الكاتب "يوسف عز الدين عيسى"، ومسلسل "عدو البشر" ذائع الصيت الذي عُرض إذاعيا أولا منتصف الخمسينيات ثم على الشاشة في الستينيات ويدور حول جرائم بشعة وغريبة لا يُعرف مُرتكبها لكنها تتم أثناء اكتمال القمر من كل شهر.
توفيق الحكيم أيضا ويوسف السباعي كتبا في مجال الخيال، وكانت عوالم الحكيم أقرب لبيئة الخيال العلمي؛ لما تحتويه من أحداث تدور بين الأرض وكوكب من الفضاء الخارجي "رحلة الي الغد"، أو من خلال تجربة طبية تُعيد لأحد المُسنين شبابه "لو عرف الشباب"، فيما اقترب السباعي أكثر للغرائبية في "أرض النفاق ونائب عزرائيل".
ومع ظهور كتابات نهاد شريف وتحديدا رواية "قاهر الزمن"، بدأ مصطلح كتابة الخيال العلمي في الانتشار وخلق فئات عريضة من المتابعين، تحركت الرواية حول تيمة تجميد البشر من قبل أحد العلماء العاملين بمرصد حلوان الفلكي، وتحولت إلى فيلم سينمائي بنفس العنوان عام 1987 من إخراج كمال الشيخ وبطولة نور الشريف، وهو ما سلط الضوء على تجربة نهاد الخيالية التي انحصرت في الخيال العلمي، حتى أن البعض لقبوه "عميد أدباء الخيال العلمي".
لاحقا، ظهر اسمان يفصل بينهما عقد من الزمان، سيضعان الصورة الحالية لكتابة هذا المجال وهما "د. نبيل فاروق – ملف المستقبل" ثم "د. أحمد خالد توفيق" الذي حاول الحصول علي منطقة تخصه فاحتفى بعالم أدب الرعب والفانتازيا.