القاهرة 16 فبراير 2021 الساعة 08:48 م
كتبت: سماح ممدوح حسن
أعلنت الجامعة الأمريكية عن القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ. وعلى رأس الترشيحات جاءت رواية "اختفاء السيد لا أحد" من تأليف الروائي الجزائري، أحمد طيباوي.
تحكي الرواية عن السيد "لا أحد" ومن اسم الرواية لن يكون للبطل اسم لأنه ببساطة "لا أحد". إنسان عادي، ولد لأب وأم عاديين، تتوفى الأم ويلحق بها الأب، وتعتني الخالة بالإنسان العادي هذا، فتموت هي أيضا بعد تبنيها له بفترة قصيرة، فتتولاه زوجة العم بالرعاية، وبالتأكيد تلحق بالأموات قبلها. هذا سيسبب قناعة راسخة لدى "السيد لا أحد" بأن به لعنة ما، تتسبب بموت كل من يقترب منه، فهجر أخاه الوحيد "عمار" ويرحل وقلبه يتمزق، لكن هذا أهون من إصابة أخيه بسوء من لعنته.
يتخرج "لا أحد" في الجامعة، هذا الشيء الوحيد الذي استطاع الحصول عليه من العالم، وللأسف لم تفده الشهادة الجامعية هذه بشيء، حصل عليها بمساعدة من آخر من أحبته قبل موتها، زوجة العم. لكن بعد التخرج يبدأ رحلة عذاب أبدي، ربما لا يزال ضائعا فيها. لا يجد عملا، لا يجد مكانا للسكن، فيتسول في الشوارع وينام فيها. عمل، وهو الخريج الجامعي، في جمع القمامة التي كان يأكل منها.
في رحلة التشرد والنوم بجوار أحد حاويات القمامة، يجده "مراد"، شاب عربيد، عاق لوالده السيد سليمان، المحارب القديم، لكن يحنو عليه ويوافق على توطينه في شقته، مقابل أن يرعى "لا أحد" أباه أثناء هجرته لألمانيا. وشيئا فشيئا، بعدما كان يراعي الاثنين ماديا، الأب ولا أحد، ينسى أمر كليهما.
تبدأ رحلة اختفاء السيد "لا أحد" من العالم، بعدما هرب من رب عمل سابق، منافق. وكان رجلا يحتفظ بهوية جميع من يعملون لديه، وفي يوم، تشاجر "لا أحد" مع رفاقه، وضرب أحدهم وهرب، وقبض عليه وأودع مستشفى الأمراض العقلية، وهرب أيضا في يوم الإفراج عنه، ونسي أن يأخذ هويته.
ظل ضائعا، يرعى المريض المحتضر "سليمان" حتى مماته. وحتى لا يُسأل عمن يكون، ترك الرجل المتوفى لتعلن رائحة جثته عن موته. بعد أن كان قد اتفق مع صاحب المقهى بالحي أن يستخرجا كنزا من الذهب من أحد المقابر البعيدة، التي خبأ فيها إرهابيو العشرية السوداء كنوزهم من الذهب التي سلبوها واغتنموها من أهالي مختطفيهم.
أن تعامل كأنك غير موجود ستصبح "لا أحد":
لم ينتج عن تجاهل العالم للسيد "لا أحد" أن أصبح "لا أحد" وحسب، بل أيضا نتج عنه أن صار أقرب للجماد منه للبشر. فبعد طول معاناة في الحياة، من يُتم ووفاة جميع من أحبهم، والعيش شريدا في الشوارع، والأكل من القمامة. فقد السيد" لا أحد" كل المشاعر التي تدل على إنسانيته، فلم يعد يحب أو يكره، أو يتعاطف. حتى ذلك المسن الذي يرعاه، ماكان يرعاه إلا لانتفاعه بالعيش في مسكنه، والأكل من طعامه.
مخاوف مماثلة:
عندما نقرأ الرواية، القصيرة نسبيا، وننظر حولنا، سينتابنا خوف مماثل لبطل الرواية، خوف من أن نصبح نحن أيضا السيد لا أحد، فكما في حالة الرواية لا يكفي أن تكون حيا لتكون موجودا. فكم من قارئ فكر ماذا سيحدث إذا فقد هويته (وهي الرمزية الأساسية في النص) خاصة وإن كان شخصا منعزلا ومنطويا بطبعه!
ونحن أيضا في عصر يتوارى فيه الناس خلف شاشات، ينظرون إلى العالم، يقيمون علاقات، يكوّنون آراء، يتعلمون، من خلال هذه الشاشات. ففي بعض المجتمعات، نرى أن هناك من لا يعرفون جيرانهم، بعدما انقطعت صلتهم بأهاليم، وحرفيا يعيشون كالأشباح، أحد، ولا أحد في الوقت عينه، ليسوا أكثر من مجرد خوارزميات على أجهزة إلكترونية. وكما حدث مع المحقق "رفيق" وهو يبحث عن السيد لا أحد ولم يجتمع شخصان على الرأي نفسه عنه، فكذلك في الواقع. هناك أشخاص لن يستطيع جيرانهم في البيت المجاور أو المقابل التعرف عليهم إن قابلوهم في مكان ما، أو إن سألوا عنهم.
إشكالية الوجود وعدمه:
هل الاختفاء، طوعا أو قسرا، أفضل، أم الظهور؟ واحد من أهم الاسئلة التى يفرضها النص على القاريء، ويذّكر بها. بمعنى إذا عاش أحدهم فى جحيم الحياة التي فرض على السيد لا أحد، وجعلت من لا أحد، من أطماع، ونفاق، وكل الشرور التي تنضح بها النفس البشرية، والتي تؤدي إلى القتل والتعذيب والتشريد، فما إن تعرض أحد لكل هذا هل سيفضل الوجود أم سيفر هاربا ويختفي؟ أجاب السيد لا أحد إجابة هذا السؤال عن نفسه وقال"الوحدة سيئة، لكن مخالطة الناس أسوأ".
يطرح النص، الكثير من الأسئلة المؤرقة، والتي تتردد على ألسن البشر دوما، مثل: ما هو الوجود الإنساني بالأساس؟ما هي قيمة البشر كبشر دون تلك الوسائل التي فرضت عليهم لإثبات ذلك؟ كالأموال، والعشائر، والهويات. ألا يكفي كوننا أحياء لنكون موجودين؟ هل الآخرون جحيم يمكن الاستغناء عنه؟ هل من الأفضل الوجود أم عدم الوجود؟ كيف تكون حيا ولست موجودا في آن؟