القاهرة 19 يناير 2021 الساعة 06:38 م
كتب: محمد حسن الصيفي
قبل الوداع أهدتني 2020 كتابًا رائعًا، من تلك النوعية التي لا تُنسى ولا تغادر الذاكرة، "الجنوبي" للصحفية والكاتب عبلة الرويني، تتحدث فيه عن سيرة زوجها الشاعر العظيم أمل دنقل.
لم تكن 2020 سنة سهلة؛ بل على النقيض، كانت سنة ثقيلة وكبيسة، تحولت فيها الظروف وتغيرت الأحوال، أطلت كورونا وكانت بطلًا شريرًا لسنة عنيفة فقدنا فيها الكثير من البشر والفرص، وضمن التغييرات حالة الخوف والقلق والتوتر ومتابعة الأخبار بين لحظة وأخرى، وتحول الفيسبوك لبطل أكثر قوة عن قوته المعتادة، وأصبحت القراءة الوحيدة هي قراءة أعداد المصابين والتقارير الجديدة عن المرض المراوغ اللعين.
أضحت القراءة رفاهية، وساءت الحالة المزاجية، والأفكار تلاشت إلى كوابيس.. لكن النهاية جاءت ملهمة، انتهت سنة القراءة بحكايات حانية وحزن دافئ قادم من سيرة الجنوبي أمل دنقل التي تحكيها بصدق وبراعة عبلة الرويني، رحلة امتدت لأربع سنوات أغلبها كان في المستشفى، لكنها عامرة بالحب والحياة والأمل في حياة الرويني وأمل.
بجانب جودة السرد وروعة المقدمة وفتنة الحكاية وسيرة الرجل الملهم، جاء الأمل والوفاء كتيمة أساسية للحدوتة، التماس الشديد والتماهي مع حكاية الرويني عن دنقل، قصة حب أقرب للخيال منها للواقع، امرأة لديها كل الفرص لحياة مريحة، تتركها للارتباط بمصير مجهول مع فنان ثائر وصاخب قادم من الصعيد برأس مدجج بالأفكار الثورية وقلم أشد تأثيرًا من طلقات الرصاص ووضع اقتصادي على كف عفريت.. لكنها تترك الدنيا خلفها من أجل أمل، ومن أجل سنوات معدودة من الحب الغارق في الصخب في حياة لم تعرف الاستقرار والراحة لكنها استمرت بوقود الحب أولاً وأخيرًا.
أدخلني الكتاب في حالة لم أكن أتمنى الوصول إليها، زادني تفكيرًا، وزادني التفكير اكتئابًا حول مصير الحب والوفاء والتضحية هذه الأيام، وهل ستكرمنا الحياة بأمل دنقل آخر أم لا، ولو منحتنا أمل آخر هل سنجد عبلوات أخريات؟
مسألة مربكة، وما أصعب قراءة الواقع في واقع أقرب للخيال منه للحقيقة، وما أصعب القراءة عن قصة حب حقيقية عنيفة وصاخبة في زمن يفتقر فيه خيال الكُتّاب لإغراقنا في قصة حب على الشاشة، أو حتي بين دفتي كتاب!