القاهرة 12 يناير 2021 الساعة 08:26 ص
كتبت: فادية بكير
أحيانا يتخيل الإنسان أن ما يمر به من ظروف قاسية هو عقاب من الله على ذنب ارتكبه في حياته مما يكون سببًا في ضيقه وشعوره بتأنيب الضمير، بالإضافة للضغط النفسي من الظروف التي يعانى منها أصلًا، ومن أكثر الأمثلة لهذا والتي نتأثر بها عند سماعها هى شكاوى أمهات أبنائنا ذوي الاحتياجات الخاصة، وللأسف الشديد يكون سببه في أحيان كثيرة هو حديث الأقارب والمجتمع المحيط بهن؛ الأمر الذي يسهم في ترسيب ذلك الشعور في أذهانهن، وذلك ما لاحظته في أكثر من شهادة على لسان الأمهات في أكثر من مكان، وكانت فئات الإعاقة لدى أبنائهن متنوعة (إحداهن في مركز لعلاج الشلل الدماغي، وأخرى في مدرسة للتربية الفكرية، وثالثة في مكان لعلاج الإعاقة الذهنية) وكانت أغلب الحاضرات يؤيدنها في كلامها.
ومن أهم الأسئلة التي تكاد تكون أساسية عندما كنا نفتح باب الأسئلة بعد المحاضرة (هل إصابة ابني أو ابنتي بهذه الإعاقة عقاب من الله على ذنب فعلته؟) وبعضهن كن تبكين أثناء الحديث، وعند سؤالها عن سبب تفكيرها بهذه الطريقة، كانت كل منهن ترد -بحسب اختلاف المكان والإعاقة كما سبق- بأن الجد أو الجدة من الأب أو الأم يتهمونهن بذلك، وأحيانًا تكون قريبة تبغضها قد تكون زوجة عم الطفل أو زوجة خاله على سبيل المثال، أو إحدى الجارات، أو حتى زميلة في العمل! ونفاجأ أن أصوات باقي الحاضرات يقرون معها كلامها!
وفي إحدى المحاضرات كان المحاضر شيخًا سمحًا رءوفًا متفهمًا لظروفهن، فرد على السؤال بهدوء وحزم قائلا: "هل من تقول لك ذلك تضمن أن الله لن يرزقها إصابة فى نفسها تسبب لها إعاقة؟ أو يبتليها الله بالمرض الذي تسخر من خلقته لطفلك ذي إعاقة بطفل مثله وقد تكون إعاقته أشد من إعاقة طفلك؟" وترد السائلة: "لا" وأكمل فضيلته: " أبناؤكن أمانة ورزق وربما يصبحون سببًا أساسيًّا لدخول الجنة لو أحسنتن رعايتهم والابن المعاق ليس ذنبًا يمنعك رضا الله ورحمته كما تزعم من تعايرك بل العكس هو الصحيح فربما يكون بابًا للرحمة والمغفرة" ثم يسأل فضيلته: "من منا يحزن وفى يده مفتاح لو أحسن التعامل به ومعه يستطيع أن يفتح به ويدخل من أحد أبواب الجنة؟ هذا هو طفلك إذا رزقت الرضا والصبر وراعيته قدر الاجتهاد فى ذلك دون تأفف أو غضب، ويجب أن تقولي لمن تتهمك أو تعايرك أنها تعيب على خلق الله وأن قضاءه ليس ببعيد عنها أو عن من تحيط بها شفقة وعزيز على قلبها".
ونجد السائلة تمسح دموعها وهى تردد الحمدلله، وإحدى الحاضرات تحمد الله وهي تحتضن طفلها وكأنها تعتذر له عن تفكيرها وضيقها الذي تصاب به أحيانا من ضغط شخصيات حولها لا تراعى حالتها النفسية وضغط مسئوليات الطفل عليها، وتتجاهل أن البسمة والكلمة الطيبة من أبسط وأهم قواعد الإنسانية، وأن الرحمة صفة أوصت بها جميع الأديان السماوية.
وفي محاضرة أخرى كان المحاضر الفاضل هو متخصص فى مجال الإعاقة وتعديل السلوك وعندما تم سؤاله هذا السؤال أجاب في ثقة أن هذا الأمر له أسباب علمية، منها أسباب وراثية أي أن من يضايقك أو يعايرك ليس ببعيد عن الإصابة المشابهة بحالة طفل من ذوي الإعاقة إذا كان من نفس العائلة، وأيضا من خلال عملنا أحيانًا في مستشفيات ومع مرضى نجد حالات كثيرة كانت نتيجة إصابة في حادث أو مرض مبكر، إذن لا تحزني أو تجعلي كلام شخصيات تجهل الأسباب العلمية أو تتغافل عنها لأنها بالتأكيد تعلم وترى مثل هذه الحالات حدثت لشخصيات تعرفها أو سمعت عنها، وهكذا أجد أن الإجابة العلمية المنطقية أيضا تهدئ من قلق وغضب السائلة والأمهات الموجودات بالمكان.
للأسف هناك شخصيات معنا وحولنا لا تعلم أننا معرضون لظروف تجعلنا فريسة سهلة للهجوم بمعايرات أو سخرية أو تنمر من الآخر، ولكن تبقى الأخلاق الحسنة والطباع النبيلة والتربية الواعية، واحترام ومراعاة شعور الآخرين هي العامل الأساسي في سلوكياتهم، ونتمنى أن تكون هناك مراعاة لأشخاص قدر لهم أن يكون أحد أبنائهم أو أكثر من ابن مصاب بإعاقة معينة، ولكن يبقى له علينا وأسرته أيضًا حق المعاملة والكلمة الحسنة "عدلًا لا فضلًا منا عليه".