القاهرة 22 ديسمبر 2020 الساعة 10:19 ص
بقلم: أحمد مصطفى الغـر
مع اقتراب انتهاء موسم أعياد رأس السنة، يخشى صناع السينما والمديرون التنفيذيون في هوليوود ومختلف بلدان العالم من الإحباط الذي أصابهم خلال موسم الصيف، حيث لم تحقق الأفلام التي تم عرضها ما كان مرجواً من وراءها، لقد كان صيفًا كارثيًا للسينما، بحسب وصف بعضهم، وهذا صحيح تماما لا سيما بعد أن انخفضت خلاله إيرادات شبابيك التذاكر بنسبة كبيرة، وانخفض إقبال رواد دور السينما حتى بعد إعادة فتحها من الإغلاق الذي كان مفروضًا لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.
صحيح أنه لم يتم تخزين أشرطة الأفلام لحين عودة الجمهور، وتم التماشي مع الوضع الراهن بان تم عرضها على الشبكات التلفزيونية المدفوعة، لكن هذا الأمر يبدو أنه ليس مؤقتًا، إذ أعلنت شركة "وارنر بروز" العملاقة للترفيه عن خططها لتقديم العرض الأول لمجموعة أفلامها في العام المقبل 2021 بالكامل على الإنترنت، إلى جانب عرضها في دور السينما، إذا سمحت الظروف بذلك. وهنا يبرز السؤال: هل انتهى عصر مشاهدة الأفلام في دور السينما التقليدية؟، إلى أيّ مدى يمكن أن تتشكل طبيعة جديدة لجمهور السينما خلال الفترة المقبلة؟
لا شك أن دور السينما كانت تواجه العديد من التحديات بالأساس من قبل ظهور وباء كورونا، ومن أهمها المنافسة المحتدمة مع شبكات البث التدفقي ومنصات البث الرقمي، لكن بالرغم من النجاح الباهر الذي حصدته تلك المنصات طيلة السنوات الماضية، ظل الذهاب لصالات السينما أمرًا محببًا للكثير من جمهورها الراغب في الاستمتاع في مشاهدة العروض على الشاشة الكبيرة، وتمضية الوقت صحبة العائلة أو الأصدقاء، ولكن نظرًا لإجراءات التباعد الاجتماعي لمنع تفشي الوباء، فإن معظم دور العرض حول العالم، تعمل بطاقة منخفضة، وقد يستمر هذا الامر طوال العام 2021، لذا لا عجب أن تعلن شركة وارنر بروز إن الأفلام الـ 17 التي كانت تخطط لعرضها خلال الأسابيع القليلة القادمة، ستعرض كل منها لمدة شهر واحد على محطات البث التدفقي المدفوعة، بالتزامن مع مواعيد إصدارها في الولايات المتحدة، وبعد انقضاء شهر كامل، ستصبح متاحة في دور السينما في الولايات المتحدة وحول العالم.
قد يكون البث التدفقي وشاشات التفلزيون قد دفعت المنافسة مع دور السينما إلى الارتقاء بصناعة الأفلام لمستويات جديدة في النهاية، لكن قطاع السينما في الأساس يواجه تحديات كثيرة الآ، ويبدو أنه قد لا يستطيع النجاة في خضمها من دون خسائر، خاصةً وأن معظم التوقعات المتشائمة حول هذا القطاع الكبير قد تزايدت مؤخرًا.
لكن ثمة مؤشرات واضحة قد تدفعنا نحو التفاؤل في هذا الشأن، ففي سبعينات القرن الماضي، كان البعض يرى أن إنشاء محطة "HBO" والتي يتم بثها عبر الكابل، قيل حينها أن تلك المحطة هى نقطة البداية في مسار نهاية صالات السينما، كان المشتركون يقبلون على هذه المحطة وغيرها، لأنهم كانوا يدفعون المال لمشاهدة إنتاجات فنية وإخبارية ورياضية ضخمة وناجحة بعد عرضها في الصالات بأسابيع قليلة، ودون الحاجة إلى ترك المنزل، لكن بالرغم من ذلك، كانت الصالات لا تزال تحظى بشئ من الزخم وإقبال الجماهير على مشاهدة تلك الأفلام من حينٍ لآخر، لم تدخل صالات السينما طي النسيان، وظلت الاستثمارات الضخمة لمجموعات الترفيه وسلاسل صالات السينما الكبرى مستمرة في التوسع، فعلى سبيل المثال منذ عام 1987، زاد عدد شاشات السينما في الولايات المتحدة بنسبة 80%، وظل استقطاب الجمهور مستمرًا لمشاهدة الأفلام في دور العرض.
لا شك أن شبكات البث التدفقي تتمتع بترفيه أكثر، واستطاعت أن تكسب جمهور عريض خلال الأعوام القليلة الماضية، ولكن على المستوى الإنساني يعدّ انهيار دور السينما كارثة ثقافية واقتصادية، فهل تلتزم الأستديوهات الكبرى وشركات الإنتاج بإصدار الأفلام الكبيرة لدعم دور العرض؟، بالرغم من أنهم قد يخسرون أموالهم على المدى القصير، لكنهم يدركون أن الحفاظ على شبكة التوزيع السينمائي عبر دور العرض هو في النهاية أمر أكثر أهمية بالنسبة إلى نتائجهم النهائية للربح الذي يحققونه من وراء أفلامهم، خاصةً وأن أوامر إغلاق دور السينما في ظل الجائحة قد أثارت الجدل في أماكن عديدة حول العالم، مثل المملكة المتحدة، إذ كما يشير مؤرخ السينما لورانس نابير، فـ"خلال الحرب العالمية الأولى، كانت دور العرض مفتوحة وشعبية للغاية في معظم الأوقات، حيث كانت السينما هي النشاط الترفيهي الرئيسي آنذاك، كما كانت دور السينما موقعًا رئيسيًا للدعاية ونقطة اتصال رئيسية بين الفرد والمجتمع المحلي والجهود الحربية الوطنية، ونجحت في إبقاء الناس مشغولين، وساعدت في الحفاظ على هدوئهم، كما أبقتهم خارج الحانات!"، وفي عام 1918، كانت هناك الكثير من الرسائل إلى الصحافة من مديري دور السينما، يقولون فيها إن إغلاق دور السينما بسبب الأنفلونزا الأسبانية هراء، ويسألون ماذا عن الأحداث الرياضية والمصانع؟، لماذا يجب أن تكون دور السينما هي التي تتلقى الضربة المالية؟، كانت النقاشات الدائرة حينها حول موازنة الأثر الاقتصادي مقابل تكلفة الأرواح، حيث اشتكى بعض أصحاب دور السينما من الإغلاق.
هناك العديد من التحديات التي يواجهها أصحاب دور السينما في الوقت الراهن، منها ارتفاع التكلفة المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية التي حلّت تدريجيًا محل بكرات الأفلام التقليدية القديمة، فالبث الرقمي حساس للغاية تجاه الحرارة وتقلبات شدة التيار الكهربائي، هذا إلى جانب التكلفة التشغيلية التي زادت طبيعيًا بمرور الزمن، كما أن هناك خشية أخرى من محاولة بعض منتجي الأفلام تقليص الفاصل بين عرض الأفلام في السينما وعرضها على شاشات التلفزيون ومنصات البث التدفقي، وسبق وأن تعرضت نتفليكس لانتقادات كبيرة، بعدما كشفت عن قرارها بانها ستعرض فيلم "ذي أيريشمان" للمخرج الشهير مارتن سكورسيزي، بعد مدة 20 يومًا فقط من عرضه للمرة الأولى في صالات السينما، أي أقل من نصف الفاصل التقليدي وهو 70 يومًا بين العرض على شاشة السينما وشاشة التلفزيون.
بأيّ حال.. عند إعادة فتح دور السينما، ستكون هناك تحديات كبيرة، والمشكلة الأولى بالطبع هي كيفية تجاوز الأثر المالي لخسارة شباك التذاكر طيلة الأشهر الماضية، ومن غير المرجح أن ترغب الأستوديوهات الكبرى وشركات الإنتاج الشهيرة في المخاطرة الفورية بأفلامها المهمة عندما يتم إعادة فتح دور السينما في نهاية المطاف، لأنهم سيكونون بحاجة إلى التأكد أولا من أن الجمهور مستعدًا للعودة إلى السينما مرة أخرى. وهنا يبرز السؤال الأهم: هل حقا سيعود الجمهور إلى دور العرض مثلما كان في عصور المشاهدة الذهبية؟، أم أن التحول الشامل في المواقف تجاه منصات البث والنوافذ الرقمية عبر الانترنت، قد سحبت البساط من تحت دور العرض السينمائي إلى الأبد؟