القاهرة 27 اكتوبر 2020 الساعة 08:03 ص
حاورته: نضال ممدوح
حول فن القصة القصيرة وفنياته? كان لــ "مصر المحروسة" هذا اللقاء مع الكاتب الشاب هشام أصلان? وفيه تحدث عن أهم الكتاب الذين تأثر بهم قبل أن يتجه لهذا الجنس الأدبي? وعن الكتب النقدية التي قرأها وتؤرخ للقصة القصيرة? وعن شغفه بعالم القصة وكيف دخله فكانت مجموعته "شبح طائرة ورقية" عن دار العين? 2014وهل بالفعل هو فن أدبي بلا قراء? وغيرها من قضايا هذا الجنس الأدبي.
• من هم كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
لم أكن بصدد تنفيذ قرار اتخذته بكتابة القصة القصيرة، بالتالي لم يكن الأمر عبارة عن خطة تأهيل، وهكذا أتعامل مع القراءة كما يتعامل معها الجميع. وعادة أختار ما سأقرأه وفقا لنصيحة صديق أثق في ذائقته مثلا، أو كتاب أثار جدلًا أو آراء، أو من باب أخذ فكرة عن أعمال كاتب بعينه. من هنا قرأت في القصة القصيرة لكل من جاءوا في طريق القراءة عموما، ومثل جميع من قرأوا في القصة القصيرة قرأت الأسماء المكرسة فيها مثل تشيخوف ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبدالله وطبعا إبراهيم أصلان، وهذا لا يعني أنني أحببت أعمالهم جميعا في المطلق ولكنها أسماء لا بد من قراءتها في معرض الاهتمام بالقصة القصيرة. أيضا قرأت أعمال قصصية لأغلب الأصدقاء من الأجيال الأحدث.
• ما الذي لفتك إلى الاهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟
أنا لم أهتم بالقصة القصيرة تحديدًا، ولكن الاهتمام كان بفن السرد عمومًا، ربما يعطي الانطباع بالانحياز للقصة القصيرة أن كتابي الأول والوحيد الذي صدر حتى الآن كان عبارة عن مجموعة قصصية، ولكن لدي رواية أعمل عليها منذ فترة، أتركها وأعود إليها ولكن ظروف كثيرة تتعلق بالتزامات الحياة لا تساعد في التركيز معها فترات طويلة متصلة، كما انتهيت مؤخرًا من كتاب سردي بعنوان "أحلام العاديين"، وهو عبارة عن عدد من النصوص المفتوحة بعضها سرد لحكايات وبعضها مقالات أدبية، حاولت فيها رصد علاقتي الخاصة بكل ما ومن ترك شيء مؤثر في ذاكرتي أو رؤيتي للحياة من أماكن وأشخاص معروفين وغير معروفين قريبين لي أو قابلتهم مرة واحدة أو أغاني أو حتى أصوات وروائح. هو كتاب منتهي تقريبًا ولكن أجلت نشره قليلًا حتى أعود للنظر فيه بعد فترة من باب الاطمئنان.
• هل قرأت شيئا عن أصول الفن القصصي أو طرائق كتابته؟
كما قلت كان اهتمامي بالسرد عموما وليس بالقصة القصيرة تحديدًا، من هنا كانت حتى القراءة النظرية أعم، وعادة أحب كتابات الروائيين والقصاصين عن تجاربهم مع الكتابة أكثر من الكتابات النظرية، ولكن لو تقصدين المنطقة النظرية فأتذكر مثلا كتاب "الصوت المنفرد: مقالات في القصة القصيرة" لفرانك أوكونور، ترجمة محمود الربيعي، و"ثلاثية الرواية" لكونديرا بترجمة بدر الدين عرودكي.
• ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟ هل يتعلق الأمر بحالتك النفسية أم بطبيعة الموضوع الذي تعالجه؟ أم أن إمكانية النشر هي التي توجهك إلى هذا الاختيار؟
عندما كتبت نصوص "شبح طائرة ورقية"، لم أتخذ قرارا بأنها ستكون مجموعة قصصية إلا بعد انتهاء أغلبها، كانت مجرد نصوص متفرقة تدور تقريبا في أجواء مكانية وزمنية واحدة وشخصيات هي أبناء لنفس البيئة والعالم، لذا اتفقت مع الصديق منتصر القفاش عندما وصفها بـ "كتاب قصصي" لنصوص مرتبطة ببعضها البعض، وكنت أفكر أثناء الكتابة أنها قد تكون رواية، ولكن انتابني شعور بأنني سأضطر إلى لي عنق الأمور لمجرد أن تصنف رواية خضوعًا لشروط السوق والجوائز، فقررت أن تصدر بالصيغة التي خرجت عليها. هكذا أتصور أن طبيعة النص هي ما تختار لنفسها التصنيف.
• ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب؟ ومن قارئك؟
إذا اتفقنا على أن الكتابة تعالج صاحبها بوضعه على طريق البوح وطرح سؤاله الإنساني شديد الخصوصية، فأنت في هذه الحالة تكتب نفسك بينما تأمل أن تتسع دائرة من يشاركونك عالمك، من هنا لا معنى لمحاولة إرضاء كل ذائقة قرائية، ولكن عليك احترام القارئ الذي لا تعرفه بأن تجتهد في عدم الاستسهال ولا تعتبره غبيًا، وسيكون أمرًا عظيمًا لو وجد ما تكتبه استحسان الكثير من القراء.
• ما مدى الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدي القصص القصيرة؟ وهل تواجه أحيانا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا؟
لا أعتقد أن هناك زمنًا معروف لكتاب نص لدى أي كاتب، بالنسبة لي هناك قصة تُكتب في ساعتين زمن وقصة قد تستغرق أسابيع. الصعوبات أيضًا ليست واحدة. ولكن لا أتصور أن هناك أصعب من أن تجد الوقت الكافي الذي تكون مستعدًا فيه للكتابة وهذا فيما يخص المادة القصصية أو الروائية، أما فيما يخص الكتابة عمومًا فأنا أكتب طيلة الوقت إذا اتفقنا على أن المقالات الأدبية جنسًا أدبيًا.
• هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة؟ مثل ماذا؟
ليس أكثر من محاولات دائمة لتدريب العين على التقاط ما هو مار، وعدم الاستجابة لإغراء التفاعل اللحظي معه، والعمل الدائم على محاولة تطوير العلاقة مع اللغة.
• هل تهتم في كل قصة قصيرة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة إلى الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
أبدًا. المغزى الوحيد هو طرح ما يشغلني، آملًا أن يشغل الآخرين. والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية بالنسبة لي يأتي في سياق أثرها على النفس البشرية والعلاقات بين الناس وبعضها في ظرفها الزماني والمكاني، أو للدقة.. كيف تتعامل النفس البشرية مع متغيرات الزمن والمكان.
• كيف يكون مدخلك إلى القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلى الحدث أم إلى الشخصية؟
لا يوجد كتالوج. كل نص له ظرفه الخاص، بينما الفيصل هو أنك عندما تنظر إلى النصوص مفترض أنك ستشعر بعالم واحد، ليس لأن هذا مقصود ولكن لأن أسئلة هذا العالم هي ما يشغلك، وأنت تحاول طيلة الوقت صياغته بأشكال متعددة.
• إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلى غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث هذا ؟ ولماذا؟
كما قلت لك، أنا لم أنصرف عنها لأنني لم أكتبها بقرار منذ البداية. طبيعة المادة أو النص هي ما تختار لنفسها التصنيف. أنا أريد أن أقول لك شيئًا ما وفقط. وسأحاول أن أقوله عبر قصة قصيرة أو رواية أو مقال أدبي أو حتى حكاية بالعامية.
• كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي؟
بالتأكيد القصة القصيرة مصابة بقدر ملحوظ من التراجع، وهو تراجع بدأت ظلاله تلوح مع ظهور مصطلح "زمن الرواية"، مرورًا بمقاومته من قِبل القصاصين والشعراء، ثم الاعتراف الجمعي، معلَناً أو غير معلن، بسيادة الرواية كجنس أدبي يحتمل احتواء العالم. ويأتي هجران أغلب القصاصين كتابة القصة القصيرة إلى الرواية، لأن التلقي العام للرواية والتسليط الإعلامي أصبح مغريا للكاتب، ثم من ناحية أخرى أتصوّر أن هناك جانبا كبيرا له علاقة بظهور جوائز مالية لا قِبل للكتّاب العرب بها خُصّصت لفن الرواية، ليزداد الأمر ترسّخاً بانسحاب كثير من الكتّاب لشروط هذه الجوائز بدءاً من المعايير الفنية والأخلاقية، وصولاً إلى معيار الحجم، لتظهر روايات “الكعب” العريض بكثرة على غير العادة.
هكذا، أتصور أننا لسنا بصدد حالة احتفاء بالقصة كجنس أدبي، ولكن أمامنا ما يمكن تسميته بانتقائية المتلقي، وهو نفس الحال الذي أصاب فنونا أخرى تراجع الإقبال الشعبي عليها مثل المسرح، ولكن تلمع بينها حالات استثنائية.