القاهرة 15 اكتوبر 2020 الساعة 01:09 ص
المثقف الذي يقبض على الجمر يفكك مقولات الأفكار المتطرفة
د. هويدا صالح
هل وعي الكاتب الصحفي والشاعر اللبناني محمد غبريس تصورات أنطونيو جرامشي عن المثقف العضوي وهو يحاول أن يقبض على الجمر ويفكك العلاقة الملتبسة بين المثقف وقضايا وطنه في كتابه الأحدث " قبضة جمر..دور المثقفين في مواجهة الارهاب" الذي صدر في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتابة، ضمن سلسلة الإبداع العربي، حيث يكشف الكاتب قضية طالما تمّ طرحها عن علاقة المثقف بالسلطة، وعلاقته بتجديد الفكر وغرس الوعي في الشعوب، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلداننا العربية من تفشي الأفكار الارهابية والمتطرفة والتي تقصي الآخر وتنال منها، وتضع مجتماعتنا في مزيد من التخلف والفكر الراديكالي الظلامي. كما يكشف الكاتب عن الدور الذي يمكن أن يضطلع به المثقف في مواجهة الإرهاب وكيفية التصدي للأفكار الدموية الرجعية، وطرح رؤى مغايرة ومقاومة لتلك الأفكار. يؤكد غبريس على الدور الذي يمكن أن يقوم به المثقف، فيقول:" إن العديد من الدول العربية والأجنبية تعرضت لأعمال إرهابية بوجوه متعددة، وتحت عناوين وشعارات مختلفة، وشعر الجميع بأن الإرهاب لن يوفر أحداً، وانطلقت الحملات لمكافحته في كل مكان، الأمر الذي نتج عنه ردات فعل دموية وقاتلة. ورأى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن كل دولة تنظر إلى الإرهاب من وجهة نظرها ورؤيتها الخاصة، وبات الأمر يشكل كارثة إنسانية حقيقية، فتلك الدولة التي تعتبر أن هذا التنظيم إرهابي، تعتبره دولة أخرى ليس إرهابياً، وتعمل على دعمه وتغذيته بشتى الطرق، وبتنا في مأزق خطير يهدد الكيانات العربية وينسف الهوية والتاريخ".
ويطرح غبريس أسئلة تؤكد على أهمية الدور المنتظر من المثقف في وطن صار مهددا في هويته الثقافية بفعل انتشار تلك الأفكار، ويرى أنه .
وأمام هذه الضبابية في المشهد والتزايد في التعقيد والعنف، يتساءل المؤلف: ماذا يقول المثقفون العرب، والإرهاب يضرب تقريباً في كل بلد عربي؟ والمشروع المذهبي الطائفي يتقدم في مستوى الثقافي؟
يتضمن الكتاب ثلاثة فصول: حمل الفصل الأول عنوان "مقالات" حيث رأى المؤلف أن المثقف ظل صامداً وحالماً منذ مطلع عصر التنوير، وقدم دمه وفكره وعقله في أحلك الظروف والأحداث، واستطاع على الرغم من جمر الدروب أن يعبر جسر الهروب، ويكسر حاجز الطغيان، ويتحدى الواقع بكافة أشكاله، وهو سيبقى وإن غاب هنا أو صمت هناك، حامل راية الناس وتطلعاتهم وأحلامهم ونداءاتهم.
يتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول، فيعالج الكاتب في الفصل الأول من الكتاب، دور المثقف العربي في عين العاصفة، والخطر الحضاري والثقافي، ماذا يحدث حينما يتحالف الجهل مع التطرف، حضارتنا.. النجاة رغم الطغاة، تضحيات عظيمة على طريق الحرية، وحشية الإرهاب تهدم ثقافة القيم الإنسانية..
أما في الفصل الثاني فهو يعرض لعدد من التحقيقات الصحفية التي قام بها كصحفي وتحاور من خلالها مع عدد من المثقفين العرب والأدباء والإعلاميين حول العديد من القضايا والأسئلة الراهنة التي تمثل تحديات كبيرة لا سيما على صعيد مواجهة الإرهاب والعوامل المؤثرة في انتشار ظاهرة التطرف والتعصب، بعد أحداث ما سُمّي بالربيع العربي. ومن أهم هذه التحقيقات: دور المثقف في التصدي للإرهاب، ضرورة إنشاء قوة ثقافية عربية مشتركة، حروب مدمرة وقودها الشباب العربي البائس، عاصفة التطرف والعنف لا تبقي ولا تذر، أدوات حديثة لثقافة الثورات، ثقافة المقاومة..
وأخيرا يختتم محمد غبريس كتابه بالفصل الثالث الذي هو عبارة عن شهادات خاصة أدلى بها عدد من المثقفين والمبدعين والأدباء العرب حول الدور المنتظر من المثقف، ومدى فاعلية الدور الثقافى فى مواجهة التطرف والتعصب والعنف والإرهاب، ومدى قدرة الثقافة العربية على الصمود فى وجه التحديات والاشكاليات والتأثير فى مسار تطور الأحداث، وتأتي هذه الشهادات من الواقع الحي للمثقفين، حيث يسردون رؤيتهم لهذا الدور، وكيفية تنفيذه على أرض الواقع، كما يسردون استراتيجيات رؤيوية لو أخذ بها القائمون على الأمر،ى لربما وضعوا من خلالها خططا واستراتيجيات لمقاومة الأفكار المتطرفة، واجتثثاها من كتب التراث والتعليم التي تشكل وعي الطفل العربي، مما يسهم في القضاء على هذا الفكر المتطرف.
تأتي أهمية هذا الكتاب أنه يفتح أفقا وجسرا بين المثقف والمجتمع، ويكسر الصورة النمطية عن المثقف الذي ينعزل عن قضايا مجتمعه، ويعيش في مجموعة من التصورات الذهنية لا علاقة بينها وبين الواقع. ولربما تمثل مؤلف الكتاب والمشاركين فيه من تحقيقات وشهادات ما قدمه أنطونيو جرامشي عن المثقف العضوي الذي يشارك في قضايا مجتمعه، ويصنع وعي وتصور الشعب عن الواقع.