القاهرة 07 ابريل 2020 الساعة 11:44 ص
قصة: ياسر الششتاوي
أنا وصديقي من هواة التزحلق على الجليد، هواية قاسية أحياناً، ولكنها ممتعة دائما، فأنت تشعر فيها كأنك تصبح إنساناً آخر يملك قدمين غير القدمين، كأنهما طلقتان تسابقان الريح، وعندما تنحدر من مكان عال إلى مكان منخفض، تطير في الهواء، كأنك طائر يجيد التحليق، ما أجملها من هواية! نمارسها أنا وصديقي المفضل منذ مطلع شبابنا، ولن نتخلى عن تلك الرياضة ما دمنا نقدر عليها، وما دامت السماء تمطر بياضاً.
لنا كوخ في نتوء صخري في أعلى الجبل، نحتفظ فيه بما نحتاج من وقود وخشب، وملابس ثقيلة، وطعام يكفينا، ونبدأ من عنده الانطلاق، وقررنا أن نسجل أحلى المشاهد لنا في التزحلق في هذا اليوم، وكانت الكاميرات جاهزة لذلك، فكل منا سوف يصور الآخر، ثم نضعها على اليوتيوب، ونترك المشاهدين يحكمون على قفزاتنا!
لكننا عندما وصلنا الكوخ على أمل بدء رحلة من التزحلق المغامر، وجدنا بجوار الكوخ شيئاً لم نكن نتوقعه قط، وجدنا ذئباً يكاد يموت في الثلج المحاط بالكوخ، وكان منظره ليس بمنظر ذئب إطلاقاً مع أنه ذئب فعلا، فالدموع تنزل من عينيه، وتكاد تسمع صوت أنينه وهو يصارع الموت، فقلت لصديقي أمراً أزعجه مني إيما إزعاج، وجعله يغضب غضباً شديداً، فقد طلبت منه أن ننقذ الذئب، وزيادة على غضبه اتهمني بالجنون، وقرر أن يتركني عائداً بعد أن رأى إصراري على إنفاذ الذئب، وأكد لي أنه سوف يأكلني بعد أن أنقذه، وأكد لي أنني من سوف أستحق الشفقة بعد أن يتم إنقاذ الذئب.
مضى صديقي، وهو متردد أن يتركني وحدي مع الذئب، فهو حيناً ينظر أمامه، وحين ينظر لي، ورحت أشعل ناراً بجوار الذئب حتى بدأ يخرج من دائرة الموت شيئاً فشيئاً، وحينما استرد قوته، شعرت فعلا أنه ذئب، مع أنني منذ قليل كنت أعامله كطفل يتيم، وراح يعوي، ويعوي، ويتقدم نحوي، وظننت أنها النهاية، وهو يكشر عن أنيابه، ثم راح يتمسح بي كأنه قطة أليفة، فمسحت على شعره، ورجعت لي روحي مرة أخرى، وأدركت أن ما فعلته كان هو الصواب، وأن المعروف لا يضيع حتى لو كان مع الذئاب، وأحسست بأنه جائع، ولكن لم يكن معي إلا سندويشات بها بعض اللحم القليل، فأخرجت له ما فيها من لحم، ولكنها لم تشف جوعه بالطبع، ثم فجأة تركني،وذهب مسرعاً في نفس الخط الذي مضى فيه صديقي، فقد كان عائداً لي بعد أن سمع عواء الذئب، فقد ظن أن الذئب قد أكلني!
جلست قليلا أمام الكوخ، وظننت أن الأمر انتهي بيني وبين الذئب، ثم قررت أن ألحق بصديقي، وكان في تلك اللحظة وجهاً لوجه مع الذئب، ثم مزقه تمزيقاً، وأكل منه ما ملأ بطنه، وكنت وقتها قد وصلت إليهما، فرحت أبكي على صديقي بشدة، ورأى الذئب بكائي، فراح يبكي بنفس الدموع الذي كان يطلقها وهو في الثلج، ثم نظر إليّ نظرة، كأنه يقول لي: أنا آسف.
ثم مضي للمرة الأخيرة بخطوات منكسرة إلى حد ما، وتركني مع أشلاء صديقي.