القاهرة 14 يناير 2020 الساعة 10:30 ص
قراءة: أشرف قاسم
أسمى آيات الجمال الفني في الكتابة أن نكتب عما نعرفه، وعايشناه، وارتبط به وجداننا.
منذ أقل من عامين وخلال شهر رمضان الكريم 2017 بدأ الصديق الكاتب الصحفي سعيد الخولي كتابة سلسلة من المقالات على صفحته الخاصة على فيسبوك تحت عنوان "نعكشة في الذاكرة"، كنت أتابعها بشغف واقترحت عليه أن يجمع كل ما يكتبه في كتاب ليكون توثيقا لما عاينه وعايشه في قريتنا "نكلا العنب"، وسعدت جدا أن لاقى اقتراحي قبولا لديه، وها هو الكتاب الآن بين يدي حاملا هذا الحب الجارف وهذا الحنين لتلك الأيام الخوالي من هذا العمر الأخضر كما سماه الكاتب.
يحمل الكتاب بين سطوره بساطة القروي الأصيل الذي لم تغيره المدينة ولم تبهره أضواؤها، ورقة الفنان الذي يحرص على رسم أدق تفاصيل لوحته بتؤدة وروية، فنراه حريصا على استعادة أدق تفاصيل الحياة الريفية التي عاشها لمدة عشر سنوات في أحضان نكلا العنب، يحكي عن طقوس شهر رمضان الكريم، وليالي العيلة، والدار العتيقة، بل نراه يستأنس كل شيء ترك بروحه أثرا كسوق القرية وقهوة عبدالسلام، وماكينة الطحين، وغيرها من مفردات الحياة الريفية منذ أواخر الستينيات حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي.
كل هذا تحمله لغة عذبة رقيقة صافية، بعيدة عن الغموض، حكي صاف منساب كالغدير.
كما اهتم سعيد الخولي بشكل كبير بالناحية التوثيقية لبعض الأحداث التي شهدتها القرية وعايشها عن كثب وهي أحداث فارقة كزيارة السادات التاريخية لنكلا العنب أواخر السبعينيات، ونزوله بسراي آل دبوس، وكذا نكسة 1967 الموجعة، وغيرها من الأحداث التي عاصرها.
وإذا كانت الكتابة السير ذاتية تعتمد بشكل أولي على الحكي والوصف واستعادة الحدث، فإن سعيد الخولي لم يكتف بمجرد الحكي فقط، بل نراه مهتما بربط الماضي بالحاضر، وعقد المقارنات بين ما كانت عليه القرية المصرية في السبعينيات مثلا وما آلت إليه الآن من عمران وتمدين، وسبل الحياة الممهدة، في مقابل الظلام وشقاء الفلاح قديما، من خلال لغة حية نابضة، تلتصق بالإنسان وتأنس لها الروح، تلك اللغة الشفافة التي تخترق شغاف القلب لتستقر في النفس، وتترك آثارها في الوجدان ، دون معاظلة أو تكلف، حتى إنك تكاد تشم رائحة الزرع الأخضر وهو يتحدث عنه ، وترى كل تفاصيل سوق السبت، وتسمع جعجعة ماكينة الطحين، وتستعيد معه وجوه الراحلين، وملاعب الذكريات.