القاهرة 07 يناير 2020 الساعة 10:15 م
حوار: صلاح صيام
الكاتب فاضل الكعبي: أوقفوا ترجمة الأدب الأجنبي الرديء وتقديمه إلى النشء؟
اليوم نصل إلى الحلقة الأخيرة مع كاتب الأطفال العراقي فاضل الكعبي؛ حيث يحدثنا – من خلال تجربته الطويلة والمتنوعة فى مجال أدب الاطفال عن ما يقدم للنشء من أدب أجنبي, وخطورة هذا المنتج عليه, كذلك عن إمكانية تقديم أدب عربي خالص يتسق مع عقل الطفل العربي وهويته وثقافته بما يخدم الأجيال القادمة التى هي نصف الحاضر وكل المستقبل, وأخيرا يطلعنا على آخر إبداعاته.. وإلى نص الحوار..
** برأيكم ووفق تجربتكم الطويلة ومتابعتكم الواسعة لواقع أدب الطفل العربي.. كيف يمكن الحد من إنتاج الأدب الأجنبي غير المناسب للطفل العربي؟
* إذا ما أردنا الإجابة العلمية والنقدية الدقيقة في هذا المجال، فإنَّ هذه الإجابة – كما أرى وأعتقد - ستطول وتتشعَّب؛ وتأخذ اتجاهات ومحاور متعددة يشترك فيها أكثر من طرف من الأطراف الفاعلة في صياغة وإنتاج وتقديم الأدب للطفل بمراحله المتعددة وصوره المختلفة، ولهذا نقول ابتداء: إن الحديث عن هذا الأمر، حديث شائك وطويل وعريض لا يتسع المجال له هنا، وقد كتبنا فيه كثيراً، ونبَّهنا عنه مراراً وتكراراً، لعل هناك من يأخذ بذلك ويتنبَّه لمؤثراته الواضحة في واقع حال هذا الأدب على امتداد ساحتنا العربية، ومع ذلك يمكن تكرار بعض ما ذكرنا وقلنا، وإيجاز ذلك بإجابة واضحة لما تفضلت به من سؤالك هذا، فنؤكد هنا ونقول: إن الحدَّ من إنتاج الأدب غير المناسب يتم من خلال توسيع قواعد النقد، وخصوصاً النقد الفاعل والمتخصص بأدب الأطفال، إذ أنَّ فقدان هذا النقد وندرته وغيابه عن ساحة أدب الأطفال جعل الباب مفتوحاً أمام المواهب الضعيفة والقدرات غير المناسبة لدخوله، وكذلك يتطلب تفعيل الرقابة الدقيقة على محاور إنتاج هذا الأدب، والوقوف أمام من يريد دخول ميدانه بلا قدرة كافية، ومن دون أن يتسلح بسلاح الموهبة القوية والمعرفة الواسعة واللغة المتمكنة والأسلوب المؤثر الذي يؤهّله ليكون كاتباً جيداً للطفل، وكذلك من وسائل الحد من الرداءة في مستويات هذا الأدب أن يتنبَّه الناشرون إلى قيمة الجودة في النص الأدبي، وأن لا يقدموا على إنتاج ونشر ما ينسب لهذا الأدب، وخصوصاً من كتّاب وكاتبات أتوا إلى أدب الأطفال صدفة وبلا إدراك وتقدير لخطورته ولصعوبته .
** بمناسبة الحديث عن الخطورة والصعوبة هذه، والتي يتكرر قولها في أدب الأطفال بوصفه أدبا صعبا وخطيرا.. هلا حدثتنا عن ذلك؟
* نعم، أدب الأطفال لمن لا يعرفه، ولا يقدر قيمته، ولا يدرك ضرورته هو أدب صعب وخطير للغاية، ومكمن صعوبته هذه يتأتى من بساطته وكما هو معروف لدينا في فن الأدب " إنَّ أبسط الفنون الأدبية على القارئ أصعبها على الكاتب، وقد ذكر ذلك توفيق الحكيم يوم كتب حكاياته للأطفال، إذ قال: "إنَّ البساطة أصعب من التعمّق، وإنّه لمن السهل أن أكتب وأتكلم كلاماً عميقاً، ولكن من الصعب أن أنتقي وأتخير الأسلوب السهل الذي يشعر السامع بأني جليس معه ولست معلماً له، وهذه هي مشكلتي مع أدب الأطفال و"مكسيم خوركي" اعتبر الكتابة للأطفال أصعب وأجود من الكتابة للكبار وهكذا تنطلق جودة الكتابة للأطفال في صعوبتها وبساطتها، ولهذا فإنَّ هذه البساطة هي من بين مكامن الصعوبات التي يصعب فهمها وقياسها وتقديرها لكائن من يكون من الكتّاب، فهناك من يعتقد – واهماً – أن هذه البساطة هي الاستسهال والسهولة في التناول وفي الأسلوب، وقد جرى الحديث مطوّلاً عن البساطة المطلوبة في الكتابة للأطفال وهي بساطة ساحرة ومؤثرة وبليغة وفاعلة في اللغة والأسلوب والصياغة والفكرة، وإذا ما اجتمعت هذه البساطة مع مجمل هذه العناصر في ذهن المبدع الخلاق تنتج لنا الأدب الجيد، المصاغ ببساطة نادرة ومحببة تتناسب وبساطة الطفل التي يراها البعض عصية عليه وصعبة أمام فهمه وإدراكه؛ ولذلك نرى صفة الصعوبة ملازمة دائماً لأدب الأطفال؛ لأن هذا الأدب كان عصياً على كثير من الكتّاب الذين حاولوا معه ولم يفلحوا في محاولاتهم هذه، ولهذا وصفوه بالأدب الصعب، كما هو حاله وأسلوبه في الكتابة والخطاب والتلقي .
** متى يقبل الطفل العربي على منتج يقدم له بلغته وهويته وثقافته؟
* يحصل هذا متى توقفنا عن ترجمة الأدب الرديء ونشره على نطاق واسع وتقديمه للطفل العربي بلا ضوابط، وبلا فحص وتدقيق لما فيه من مساوئ ومخاطر على ثقافة الطفل العربي ، فسيل الأدب الرخيص والمترجم أصبح ظاهرة تلفت النظر إليها، فلو ألقيت نظرة فاحصة وسريعة على مجمل إصدارات أغلب دور النشر العربية، وخصوصاً تلك المعنية بإنتاج كتب أدب الأطفال، ستجد أغلب هذه الإصدارات هي من أدب الأطفال المترجم، كون هذا الأدب قد أصبح مشاعاً للجميع، ولا يكلف الناشر حقوق نشر وما شابه ذلك مثلما يحصل هذا أمام النتاج العربي الذي يدفعه إلى دفع الأموال للكاتب وللرسام، ولهذا تجد نسبة الإصدارات من أدب الطفل العربي هي نسبة قليلة والنسبة الأكبر من تلك الإصدارات كانت للكتب المترجمة التي يفتقر أكثرها إلى التوافق والتناسب مع القارئ العربي؛ لكن العديد من الناشرين يصرّون على نشر هذه الكتب وترويجها على نطاق واسع، والتي أسهمت بدور في تغييب النتاج العربي وحصره في مجالات محددة وضيقة من النشر والانتشار، بل هناك من الناشرين من يفتخر بحجم نتاجه وإصداره للكتب المترجمة على حساب الأدب العربي الذي يعمل على اتهامه والإكثار من نقاط ضعفه كما يرى، وقد اعتمد في رأيه هذا على كتابات سيئة ولم يلتفت في هذا الجانب إلى الإبداعات الحقيقة والمبدعة للطفل العربي، لذلك نحن دائماً نسعى إلى تمكين الإنتاج العربي لأدب الأطفال من الانتشار وأخذ المكانة الصحيحة إلى متلقيه الطفل، كما نعمل على ترسيخ مبادئ هذا الأدب وأساليبه الصحيحة في الحفاظ على لغته وهويته وثقافته بعيداً عن التزييف والتضليل. ونطالب الأسرة وأولياء أمور الأطفال من آباء وأمهات ومعلمين ومربين بضرورة شد الطفل إلى أدبه العربي الحقيقي وتحفيزه على تلقي هذا الأدب وتقديره. وفي ذات الوقت ندعو الكتّاب وأدباء الطفل للعناية الفائقة بأساليبهم في كتابة هذا الأدب وجعله على قدر من الأهمية في زيادة الطلب عليه من قبل الطفل العربي، والطلب هذا لا يزداد ويتواصل ما لم يحسّن هذا الأدب من أدائه ومن جمالياته ومن أساليبه في الكتابة وفي الرسم وفي التصميم وفي الطباعة وفي الإخراج وفي النشر وفي التوزيع والترويج. ويسبق ذلك كله ، بدرجة كبيرة من الأهمية والاهتمام، أن يكون هذا الأدب مثيراً بدرجة كبيرة من الإثارة الموضوعية شكلاً ومضموناً، في الصورة والصوت والحركة والحكاية والأسلوب والألوان واللغة والخطاب وغير ذلك، على أن يحمل كل ذلك الشيء الكثير والمثير من الجاذبية والدهشة والسحر والخيال والمتعة الفائقة والمفيدة، وأن يحمل هذا الأدب سحر الإبداع والابتكار والتجدد والتميّز والأصالة، التي تؤهّله ليتقدم على المنتج الأجنبي المترجم .
** أخيراً.. هل لك أن تطلعنا على آخر نتاجاتك الإبداعية والفكرية ومشاريعك المستقبلية في أدب وثقافة الأطفال؟
* آخر نتاجاتي الإبداعية هي صدور مجموعة شعرية جديدة للأطفال بعنوان (أحلى من أحلى ما كان) في القاهرة عن الهيئة المصرية للكتاب برسوم المبدعة أماني البابا، وصدر قبله كتاب بعنوان (فن كتابة مسرحية الأطفال) وهو دراسة علمية ومنهجية كبيرة في الأدب المسرحي ومسرحة الأدب، صدر في عمان، وقبل أيام صدر لي كتابان قصصيان للأطفال في بيروت ، وهناك كتب دراسات فكرية وعلمية أخرى متخصصة في أدب وثقافة الأطفال ستصدر تباعاً في القاهرة وبيروت وعمان منها كتاب (سيكولوجية أدب الأطفال) وكتاب (قراءات نقدية في أدب الأطفال) وكتاب (ثقافة الأطفال في العصر الرقمي) وغيرها من كتب الإبداع الأخرى (شعر وقصص ومسرحيات الأطفال) .