القاهرة 14 اكتوبر 2019 الساعة 12:11 ص
د. حسين عبد البصير
يعتبر عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث (ويعنى اسمه "آمون سعيد") واحدًا من أعظم عصور الفن في مصر القديمة قاطبة، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وواحدًا من أعظم عصور الفن في تاريخ العالم القديم كله، وأيضا في سجل تاريخ الفن العالمي. ووُصف الملك أمنحتب الثالث بـ"قرص الشمس المشع" وعُرف بلاطه بالعظمة وصار مضربًا للأمثال بالثراء المبهر. واختار رجال بلاطه وكبار رجال دولته من عائلات النبلاء القديمة تماشيًا مع سياسته القائمة على اختيار أصحاب الدم الأزرق فقط لإدارة دولته الشاسعة. وبعد الوفاة المبكرة لولى عهده الأمير تحتمس، أصبح الأمير أمنحتب (أمنحتب الرابع/أخناتون بعد ذلك) وليًا للعهد ثم صار ملكًا على مصر بعد وفاة أبيه الفرعون الشمس.
وورث الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة في قمة المجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام أمثال : أحمس الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثاني وتحتمس الرابع. وحكم الملك أمنحتب الثالث (منذ حوالي 1410 إلى 1372 قبل الميلاد) الدولة المصرية العريقة حوالي ثمانية وثلاثين عامًا، وكان الملك التاسع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، عصر الإمبراطورية المصرية القديمة، سيدة العالم القديم أجمع. واعتلى العرش بعد وفاة أبيه الملك تحتمس الرابع في سن الثانية عشرة تقريبًا. وكانت أمه زوجة ثانوية تدعى "موت إم ويا". وشهد عهده رخاء وازدهارًا كبيرين ليس لهما مثيل.
وبالنسبة للملك أمنحتب الثالث وولعه غير المسبوق بالبناء والفن والعمارة والتشييد، فقد اهتم بترميم ودراسة آثار أجداده من الملوك الأقدمين ملوك مصر السابقين. وقلّد التمثال الأشهر لجده الأعلى الملك خفرع –من حكام عصر بناة الأهرام من ملوك الأسرة الرابعة– في تمثال فريد له كان موجودًا في مقبرة أمنحتب الثالث بطيبة الغربية (ويوجد الآن في متحف جامعة لندن في المملكة المتحدة) ويظهر الملك أمنحتب الثالث راكعًا وكان يحمي رأسه الإله حورس مثلما هو الحال في تمثال الملك خفرع المعروف عالميًا.
وفي النصف الثاني من حكم الملك أمنحتب الثالث، أشرف الملك شخصيًا –أو من خلال مستشاريه المقربين– على تعديل المباني الدينية في طيبة وأضاف إليها معبده الجنائزي الضخم الخاص بتخليد ذكراه في منطقة كوم الحيتان في غرب طيبة.
وكان الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث أشهر فراعنة مصر والعالم القديم، وواحد من أعظم حكام مصرعلى مر التاريخ، في أوائل سنوات حكمه مهتمًا بالرياضة وخاصة الصيد والقنص حيث كان صيادًا عظيمًا حيث عثرنا له على جعران يسجل عليه أنه أقتنص مائة ثور برى في رحلة صيد ملكية استغرقت يومين وعلى جعران آخر أنه أصدره في السنة العاشرة ذكر فيه أنه منذ ارتقائه العرش قتل 102 من الأسود في رحلات الصيد.
وأبدى اهتمامًا قليلاً بالعسكرية لأنه لم يواجه غير القليل من القلاقل مثل ما حدث في السنة الخامسة من حكمه في بلاد النوبة،غير أن القتال كان يدور مع فئة قليلة من المتمردين. وبعد أن انتصر عليهم، وسّع مساحة ملكه حتى وصل إلى الجندل الرابع، وقد دوّن ذكرى لذه الحملة بالقرب على صخور جزيرة بالنوبة. كما وصفت حملته على بلاد النوبة على لوحة سمنة في المتحف البريطاني في لندن.وقد قامت ثورة أخرى في بلدة واقعة بعد الجندل الثاني. وكانت النوبة لها إدارة ذاتية بإشراف ابن الملك في كوش، فأرسل أمنحتب الثالث نائبه في الجنوب وابن الملك لقمع تلك الثورة، ولم يشترك فيها أمنحتب الثالث. واتسم معظم حكمه بالاستقرار والرخاء.
وفي النهاية، فإن عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث وروائعه الفنية والمعمارية الفريدة والعديدة والمتنوعة الخاصة بالملك وأفراد عائلته وكبار رجال بلاطه وحاشيته كان بحق خير شاهد على الثراء والجمال والروعة ودقة الأداء وعظمة مصر في العالمين القديم والحديث على حد سواء. لقد كانت مصر القديمة محظوظة بوجود ملك مثل الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث بين ملوكها من البنائين العظام، وقد كان أيضًا الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث محظوظًا بحكم دولة عظيمة كمصر سيدة العالم القديم في ذلك العصر: عصر الإمبراطورية، والتي أعطت له شهرة لا يضاهيه فيها كثير من حكام مصر من الفراعين الخالدين على وجه الزمن المتغير دومًا.