القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 05:16 ص
كتب: حاتم عبدالهادى السيد
سيناء أرض البطولات والنصر، أرض المقاومة الشعبية، ولقد تجلى دور أبناء سيناء من خلال مجموعات العمل التى شكلتها المخابرات المصرية للقيام بأعمال بطولية خلف خطوط العدو بعد نكسة 1967، فكانت حروب الاستنزاف منذ تشكيل المنظمة حتى كان الانتصار، ولقد أبلى أبناء سيناء بلاء حسناً ودمروا مطار العريش، وأغلب المستوطنات التى كانت فى سيناء، كما دمروا خط السكة الحديد، ومبنى المخابرات لجيش الدفاع الاسرائيلى والكثير من العمليات البطولية، ولقد شكل الرئيس محمد أنور السادات منظمة سيناء العربية فى القاهرة عام 1969، وضمت فى عناصرها أبطالاً من شباب منطقة القناة وسيناء، فى السويس والإسماعيلية، وفى بورسعيد، وفى شبه جزيرة سيناء شمالها وجنوبها، ولقد أشرفت المخابرات الحربية المصرية على سير العمل بها، وذلك بغرض إقلاق العدو الصهيونى، وعدم جعله يركن الى الراحة، بل ليفهم أنه يعيش مع رجال يكرهونه، ومع شعب يريد له الزوال.
هذا ولقد كانت العمليات بمثابة رسائل موجهة للمخابرات الإسرائيلية ليعرفوا أن مخابراتنا ترصد تحركاتهم، ولن تجعل لهم الأرض يستطيبون على ثراها، بل ستكون مقبرة لهم إن عاجلاً أو آجلاً، ولقد توافد أبناء سيناء للانضمام للمنظمة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما قاموا بتكليف ذويهم داخل الأراضى المحتلة ليقوموا بجمع المعلومات عن العدو، ورصد تحركاته، وتعدى الأمر بعد ذلك للقيام بعمليات فدائية كان لها الأثر فى خلخلة الكيان الصهيونى أمام شعوبهم من ناحية، وأمام العالم من ناحية، وهذا يدل إلى مدى شجاعة وجرأة ووطنية من كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال، كما تم إعطاء بعضهم أجهزة لاسلكى وتزويدهم بشفرة خاصة لم يستطع العدو فهمها على الإطلاق، فكانت الشفرة أحياناً من خلال قصيدة بدوية يلقيها بعض شعراء البادية فيفهمها من بداخل الأرض المحتلة فى سيناء، كما كانت الشفرة من خلال قطعة موسيقية تبثها إذاعة "صوت العرب" وغيرها "الشعب"، ولقد كان للإعلام دوره الرائد من خلال "برنامج الشعب فى سيناء" فى تنفيذ أغلب العمليات فى الداخل؛ من خلال شفرة البرامج الموجهة وكان من الذين أدوا وكان عطاؤهم متميزاً الإذاعي الشهير حلمى البلك ابن سيناء، وعطية سالم مدير مركز المعلومات بالعريش وغيرهما كثيرون.
كما كان لأستاذنا محمد محمود اليمانى، ابن سيناء البطل، الدور الرائد فى توجيه أغلب العمليات لمنظمة سيناء العربية، وكم من مرة قد عبر قناة السويس، أو البحر المتوسط ودخل إلى سيناء متخفياً، ولقد كان حقاً حلقة الوصل والجسر العظيم الذى يربط بين المجاهدين فى داخل سيناء، ومقر القيادة الحربية للمخابرات الحربية والتى كان اللواء عادل فؤاد أحد رجالها الأفذاذ.
ولقد قامت المنظمة بتوجيه العمليات بوساطة أبناء سيناء المخلصين فى كل ربوع سيناء: فى الجنوب والوسط والشمال، ولقد أدت دوراً رائداً، ولكن النقاب لم يكشف بعد إلا عن بعض الأعمال القليلة والعظيمة التى قام بها أبناء سيناء داخل الأراضى المحتلة، وفى الجبهة، وربما يوماً يكشف عنها النقاب- وأظنه قريباً – ليرى أبناء سيناء والعالم كله بطولات أبناء الشعب المصرى على أرض سيناء، وعلى امتداد خط الجبهة من السويس والإسماعيلية وبور سعيد وبامتداد قناة السويس التى تصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط.
ولقد تمثلت البطولات لأعضاء المنظمة فى نقل الشاردين من أبناء القوات المسلحة والمصابين وعلاجهم ثم نقلهم إلى البر الغربى لقناة السويس، ولقد تشكلت فرق العمل طواعية ومن تلقاء نفسها فى شمال وجنوب سيناء، ولقد ضمت المشايخ والأهالى الذين كانوا يحملون الزاد والماء للجنود، وكذلك الأدلاء لإرشادهم إلى الطريق، بل ونقلهم عن طريق الإبل والجمال، كما أقامت المخابرات الحربية المصرية مركزاً للإعاشة والتجمع فى منطقة بئر العبد وذلك من أجل نقل الجنود عبر لنشات الملاحات إلى بور سعيد، وامتد مركز التجمع والإعاشة من قرية مصفق شرقاً إلى منطقة جلبانة غرباً، وذلك نظراً لوجود كثافة كبيرة من أحواض النخيل فى هذه المنطقة مما يساعد فى التمويه واخفاء الجنود، وكان من أبرز رجال هذا المركز المرحوم مسعد سعيد وشهرته "العبد" من قبيلة المساعيد، والمرحوم عبد العزيز أبو مرزوقة عمدة قبيلة البياضية ، ولقد شاركت النساء مع الأطفال وراعيات الغنم فى تقديم العون للجنود، ووصف الطرق والمسالك، وتقديم الماء وألبان الماعز، كما سيًّروا قطعان الغنم خلفهم لتخفى تتبع آثارهم من قبل الجنود الإسرائيلي.
كذلك قام أبناء سيناء بإخفاء الجنود فى منازلهم، كما قام بعض الشرفاء بإخفاء مبلغ (300 ثلاثمائة ألف جنيه مصرى) كان فى رصيد خزينة بنك الإسكندرية فرع العريش، وتم تحرير محضر رسمى مع مدير البنك لإنقاذه من أيدى السلطات الإسرائيلية التى كانت تنهب البنوك والشركات، ولقد ساعد هذا المبلغ فى صمود أبناء سيناء والموظفين بصفة عامة بعد انقطاع رواتبهم ومصادر زراعاتهم، كما قاموا بتدمير المعدات العسكرية المصرية السليمة والتى تركها جنودنا المسلحيين حتى لا يعود العدو لاستعمالها مرة أخرى، كما قام بعض الأهالى والعاملين بالسجل المدنى بجمع البطاقات العائلية والشخصية ثم قاموا باستخدامها لاستخراج بطاقات لأفراد القوات المسلحة الذين حوصروا داخل المدنية، بدلاً من بطاقاتهم العسكرية وذلك لإيهام المحتل بأنهم مواطنين وليسوا من الجنود أو الضباط.
كما قام الأهالى أثناء فترة حرب الاستنزاف بالمساعدة فى جمع المعلومات عن مواقع العدو وإرسالها لمنظمة سيناء العربية عن طريق المكلفين من أجهزة المخابرات المصرية، كما قاموا من خلال توجيهات المنظمة بتدمير مبنى المخابرات العسكرية الإسرائيلية بمدينة العريش، كما قطعوا خطوط المواصلات، واختطفوا الجنود الإسرائيليين كأسرى وتم نقلهم إلى البر الغربى، كما قاموا بسرقة أسلحة العدو، ولقد تشكلت شبكات استخبارية لجمع المعلومات عن مواقع صفوف العدو، وكان كافة أفراد هذه الشبكات من أبناء سيناء، وتم القبض على العديد منهم، وتم إيداعهم داخل سجون إسرائيل، وكم لاقوا من صنوف العذاب والتنكيل والكى بالنار، والصعق بالكهرباء إلا أنهم كانوا صبورين، مؤمنين بالله وبالحرية للأوطان.
( مؤتمر الحسنة )
لقد حاول المحتل تدويل سيناء، وفصلها عن مصرنا الحبيبة، فتصدى له المشايخ والعواقل وتم عقد مؤتمر شهير أطلق عليه "مؤتمر الحسنة"، ورقصت إسرائيل طرباً لوهمهم بنجاح مخططهم لعزل سيناء وفرض الهيمنة الصهيونية الإمبريالية على أراضيها، ولكن المشايخ بتوجيهات من المخابرات الحربية المصرية استطاعوا افشال مخططهم الصهيونى بل وفضحهم فى كل وسائل الإعلام ووكالات الصحف والأنباء، والتى أتوا بها لتسجل توقيع البدو على وثيقة التدويل، ولم يعلموا أن هذه الحشود الإعلامية ستكون وسيلة لفضحهم إعلامياً وكشف مخططاتهم العدوانية.
كما أن فشل المخطط كان بمثابة الرسالة والصفعة التى أعطتها مخابراتنا المصرية بالاستعانة بأبناء سيناء لكل وجوه الإسرائيليين فباتوا فى خزى من أمرهم.
وها هى سيناء تفتح صدرها للبطولات وتتبرأ من كل الخارجين عن القانون الذين يتخذون من العنف ستاراً ومن القتل منهاجاً، ونحن ندعوهم لمراعة انفسهم وأن يهدى الله المصريين لكل ما فيه من خير للوطن، فعدونا هناك مرابض ونحن له ان شاء المولى بالمرصاد وستنتصر مصر رغم أنف كل حاقد وحاسد وغادر، وسيرتفع علم مصر خفاقاً فى كل وقت وحين، والله أكبر وليحفظ الله مصر.