القاهرة 24 سبتمبر 2019 الساعة 09:04 ص
كتب : فرج الضوى
ينظر ابن الصحارى الى الأعالى الى الأفق البعيد اللامتناهى فى ليل البيداء يرقب تلك الأجرام وأفلاكها ومداراتها ومساراتها .... فتخط خارطتها فى روحه .... بإشعاعها بعناصرها بموادها .... فتستنهض فيه سماويته .... و انتمائه الى العوالم الماورائية التى أتى منها .....
1 – تناول الأسلوبية كلاسيكيا و حداثيا ... و التأطير للنمط .
2 -الميثولوجيا ( الأسطورة الشعبية ) .
3-مقاربة بين التصنيف الشعبى ) تصنيف النجوم ) والتصنيف الأغريقى للأسطورة .
4- ارتباط نجوم البشر وقبورهم ( حمد - ام نفيع – سعيد – راعى الناقة ) بالنجوم.
5- عولمية الواقع القبلى والإسقاطات السياسية .
الأسلوبية كلاسيكيا و حداثيا والتأطير للنمط : -
أسلوبية الكاتب فى سرديته بالرواية
لقد استخدم الكاتب الأسلوب الكلاسيكى الذى يعتمد على التفصيل و التقريرية و التراتبية و ذلك لتهيئة مسرح الرواية و تهيئة عقلية المتلقى بكل تلك الصور الطبيعية و التفاصيل الدقيقة للطيور والنباتات والوديان كى تظل الصورة واضحة بدقة لبيئة الرواية فيعيش اللحظة بكل متعة تفاصيلها و كذا تراتبية فصول الرواية و حبكها بخيط سحرى يربط بها جمعيا .
اما الأسلوب الحداثى الذى يلقى بالمتلقى فى قلب الحدث لإدهاشه بغرابة الأحداث و تفاعله معها و مع أبطال وأحداث الرواية دون اللجوء إلى سرد كل تلك التفاصيل والتخلص من الكثير منها و من الأحداث و حكى الراوى والاكتفاء فقط ببعض مفرداتها كرتوش خفيفة فى المشهدية قد يؤدى إلى شىء من الغموض والإرباك للمتلقي وقد يفقده الكثير من ملامح بيئة التجربة .... و الرواية.
من هنا نستطيع أن نرجح أن الأسلوب الكلاسيكى هو الأقرب والأفضل فى هذا الأنموذج، فالرواية ليست مكتوبة لأهل بيئتها فقط إنما لقاعدة عريضة من المتلقين ذلك لأن الروايات السيرية ... و التى تنطوى أحداثها على الوقائعيات التى لها طابعها الخاص يجب أن يتكثف ويتشكل فيها كل هذا الكم من التفاصيل الدقيقة الخاصة بالبشر أو الطبيعة، وتلك نظرة شمولية عولمية حيث أنه من المفترض أن تنتقل تلك الروايات التى لها طابعها البيئى والبشرى الخاص إلى بيئات ومجتمعات أخرى فتصدر التجربة بشكلها الحقيقى الذى لا تغيير أو تبديل فى سماته البيولوجية إلا من خلال لمسات خيال الكاتب .... ذلك من شأنه أن يضفى علي التجربة مساحات بيئية واسعة كى تسبر أغوار الأعماق البشرية فى أماكن و بيئات أخرى غير بيئتها .... فتحقق التواصل الحقيقى و تحقق مكانتها لدى الآخر .
الميثولوجيا ( الأسطورة الشعبية ):-
إن الدمج بين الغرائبى والسِيَرى و كأنه اعتمل الغرائبى كالظاهرة الكونية من رياح الأحيمر جسرا يعبر به إلى الواقع السِيَرى .... وهنا سؤال يطرح نفسه و راودنى كثيرا .... ماذا لو اعتمل الكاتب السِيَريّة فقط من دون الدمج بينها و بين الغرائبى .... والإجابة هنا ... بديهيا لتحولت الرواية الى سيرة ذاتية تسرد و تشرح أحداث و وقائعيات عادية جدا لبشر عاديين فى مكان ما و من الممكن ان تحدث لأى مجموعة سكانية فى أى مكان فى العالم ... لكن اللمحة الغرائبية الأسطورية هنا ... اضفت ملمحا من السحر .. التشويق .... البصمة الذاتية للمكان و التى يصعب او يستحيل توافرها مع أناس أو أماكن أخرى .....
تقول ديانا مادى فى كتابها ألأسطورة والموروث الشعبى :
و مصطلح الأسطورة هو الترجمة العربية للمصطلح اللاتينى myth المشتق من المطصلح الإغريقى ميتوس الذى يعنى حكاية اما المصدر العربى الذى اشتق منه المصطلح فمازال الى يومنا هذا بين اخذ ورد و هو ماورد فى القرآن أساطير الأولين ... و يُعّرِف فراس السواح الأسطورة بأنها حكاية مقدسة يلعب أدوارها الآلهه وانصاف الآلهه احداثها ليست مصنوعة أو متخيلة بل وقائع حصلت فى الأزمنة الأولى المقدسة أنها الأفعال التى اخرجت الكون من لجة العماء وهي حكاية مقدسة انتقلت من جيل الى جيل بالمشافهة
ا – الحذو حذو المنهج الإغريقى من قوى سامية لها إرادات سامية تلقى بأوامرها التى يستقبلها الصالح والطالح من البشر أنصاف الآلهة و من هم بشر عاديون.
ب- إلقاء الأوامر والإرادات القدرية نسبيا الى أنصاف الآلهة لأنهم يتدخلون فى مساحات الصراع و يَكُونون طرفا فيه.
ج – تدور الصراعات بين البشر بما خُوِل لهم من إرادات من لدن الآلهة لأن البشرى يريد بغرائزه وأهوائه أن يفرض دستوره و يتحدى به أنصاف الآلهة والآلهة .... لعبة .....
مقاربة بين التصنيف الشعبى (تصنيف النجوم) والتصنيف الإغريقى للأسطورة :-
التصنيف الشعبى ( تصنيف النجوم ) التصنيف الإغريقى
ارتباط نجوم البشر وفبورهم ( حمد- - ام نفيع - راعى الناقة ) بالنجوم :-
من هذه النقطة السالفة أستطيع البدء لقد كان انتباه ورصد الكاتب فى الرواية إلى الحكاية الموروثة بوصفه التفصيلى للظاهرة الكونية التى يتعقبها البدو ليس من باب الفضول بل من باب اتقاء الشرور، فنجم الأحيمر حين يغادر مكانه فى السماء من الجنوب الشرقى إلى الشمال الغربى وتزداد حمرته يعنى هذا أنه غاضب وإذا ضرب ضربته التى هى رياح عاتية تحول لون السماء من الأزرق إلى الأصفر فيحتمى البدو ببيوتهم أما من يسفح بضربته فإما أن يصاب بمرض عضال أو بالجنون و أما أن يهبه الأحيمر قدرات خارقة .... إن فلسفة توظيف تلك الظاهرة الكونية مع الأسطورة ثم خلق شخصية )كأم نفيع ) كونّتها ظروف معيشية صعبة و أكسبتها تلك الظاهرة قدرات تتعدى حدود البشر العاديين ... كقص الأثر ... و الطبابة بالوصفات العجيبة التى لها أثر فعال ... ثم قدرتها على شم التراب و اكتشاف بئر ماء عذب جديد .... يحدو بنا حدوا إلى أن استخدام النجوم كمعادل موضوعى بدلا من الآلهة فى الحكى الأغريقى ينير لنا طرقا و آفاقا خفية حين يسعى بالفكر الإنسانى إنه إذا كان هناك عدل و تضحية فسوف ترضى عنك قوى الكون المقدسة السامية أيا كانت تلك القوى آلهة أو نجوما ... و سوف تمنحك كل عطايا الطبيعة ....
وهنا نستطيع أن نتجول فى نفسية الشيخ حمد مؤسس وجامع شمل قبيلته المراشدة من الوديان الأخرى و تضحيته بجهده وماله ووقته من أجل هذا الغرض السامى، لقد كان لسان حال الشيخ حمد ( الذى اجتهد فى لم شمل قبيلته ).
والذى كان مشروعا لتأسيس وطن ... حلم استطاع تحقيقة بمواهب النجوم و بالبشر المباركين من النجوم الذين آمنوا به و بمشروعه الوطنى .....
يقول كما أورد د. إبراهيم الأبيارى فى كتابه الوطن فى الأدب العربى
يقول زهير ابن أبى سلمى
ديار لها بالرقمتين كأنها .......... مراجع وشم فى نواشر معصم
وقفت بها من بعد عشرين حجة ..... فلأيا عرفت الدار بعد توهم
فلما عرفت الدار قلت لربعها .... ألا عم صباحا أيها الربع و أسلم
ثم يستكمل الإبيارى
وعلمنا أن قبائل العرب لم تخرج عن منازلها و لم تبعد عنها كثيرا , إلا مع سيل عارم يقذف بها إلى حيث لا يعرفون أو جدب متصل يشتتهم أشتاتا ، و هم مع هذه و تلك قد أمسكهم وطن عام غلب عليهم بمقوماته ووسعتهم رقعته .. وهى الجزيرة العربية بصفاتها التى تكاد تكون موحدة ...
وما من شك فى أن العربى الأول فَنَى فى قبيلته أكثر مما فَنَى فى موطنه ، فلقد عرف الوطن الأول لا قرار له عليه الى بجماعة قومه و عَرّفتهُ طبيعة الأرض كما عرّفهُ خُلف السماء أن البقاء على أديم لا بجود هلاك و فناء فلم يمسك الأرض إلا إذا أمسكته هى بما تُخرج و لم يَبق عليها إلا إذا بقيت هى له خصبا و أمنا إلا أنه مع هذا كله لا ينساها إذا تحول عنها و يبقى يذكر مراتعه بين ظلالها ......
نستطيع من هنا أن نستدرك و نحلل الروابط بين الشخصيات المختارة من لدن النجوم الغاضبة ...... و التى ليس فى كل الأحيان غضبها يكون كارثيا بل ربما يكون نعمة و ليس نقمة ......
ثم تتأتى شخصية الشايب راعى الناقة والذى كان يعتبر الشيخ حمد زعيمه الروحى، و تحمس لفكرة لم الشمل وآمن بها، و أيضا كان الشيخ يوفده إلى شتات القبيلة فى الوديان المجاورة لإقناعهم بالقدوم ..وأيضا ترحله إلى المدينة ليقضى احتياجاته واحتياجات أهل الوادى ثم حادثة وفاته التى تنبأ بها لنفسه، ووصيته إلى الناس أن يتركوه على ظهر ناقته حتى تذهب بها إلى أهله ... و كانت حاسة عجيبة فى شخصيته ... كل تلك الشخصيات التى يربط بها خيط خفى سحرى فوقانى علوى قادم من عطايا علويه لإرادات السماء والنجوم ثم حين أختارتهم النجوم واحدا تلو الآخر ووضعت قبورهم على التبة العلوية شاخصة شواهدها و شاخصة على ما سيحدث بعدهم و شاخصة عليهم النجوم من أعلى وعلى البشر وما سيؤلون إليه، و كأن النجوم اختارت واصطفت وأصلحت فى الرعيل الأول على ما يحب أن تكون عليه الأرض فى الوادى .... ثم أخذت مصطفيها فى منطقة وسط ما بين النجوم و بين البشر على الأرض لتشهدهم وتنظر ماذا سوف يفعلون بعدما يتسلمون القيادة ... و كيف سيتحركون ويحركون الواقع ....... إن اتخاذ النجوم كمعادل موضوعى لتلك القوى السامية العلوية الخفية التى تنظر وتُقدِر وتختار وتستوفى وتهب وتمنع كان بمثابة الإكسير السحرى فى الرواية الذى يمتد شذاه إلى روح كل تلك الشخصيات فتستقبله كل حسب جبلته إما بالسمو وأما بالغرور إن التصاريف والتدابير الفوقانية والتى مهدت لها تلك النفوس الطيبة البريئة وهيـأت بها العالم ثم جائت بعد ذلك تلك النفوس الشهوانية العدوانية التى خربت العالم ودمرت وحرقت وقتلت .... كان اصطباغا بما كان ويكون وسيكون عليه العالم فإن الحضارات تمر بمراحل الاضمحلال ثم الازدهار ثم الانحدار ... وهو رسم بيانى لسُنة كونية .... استطاع الكاتب أن يترحل بنا معها فى فصول وأحداث روايته الموغلة فى خصوصية بيئتها ....
عولمية الواقع القبلى فى الصراعات الإنسانية :-
نذكرمما أورده كريستوفر بتلر أستاذ الأدب الإنجليزى فى جامعة أوكسفورد
الخيالى له دلالات حتمية أو أفتراضية ... و الدلالات للنص لها مفاهيم و هى بمثابة نص موازى ... co text
أطر الافتراضات و الأفكار التى تشكل رؤية القارئ للعالم والتى يفهم من خلالها النص وهو ما يسميه بخلفية المعلومات الأساسيةFrame , Back ground of information
استخدام هذه المعلومات الأساسية استخداما واعيا وهو ما يسميه بمشروع الفهم والتفسير (schemata) ومعنى هذا أنه يفرق بين إطار التفسير اللاواعى وخطة التفسير الواعية .
انطلق من هنا أنا الباحث كى أفند كلام بتلر ... من خلال الأنموذج الذى نحن بصدده من أن النقطة( أ) تنطبق تماما على الكاتب المؤلف وليس القارئ ... وذلك بتناولنا لما أورده رفيع فى الجزء الأول من الرواية ... الخلفية التى صنعها Back ground أشجار اليسر والأراك والآبار نبات الربل الثعالب الغزلان التياتل بيوت الشعر وألوانها وأصباغها التى تستمد من نباتات الواديان أسراب طيور الكركى الخريفية رمادية اللون وأرتباطه فى الموروث الشعبى بموسم ممطر مبشر .... و الزغرودة المتقطعة .... و دلالات الفرح ....
أما بالنسبة للنقطة (ب)
فنستطيع القول بأنها تستخدم من قبل المتلقى والناقد على حد السواء لخلق ما أوردناه سالفا بالدلالى المستولد من الخيالى الذى يعد النص الموازى ....
فقد تأخذنى وتأخذكم تلك النقطة إلى عولمية الواقع القبلى .... من أن وقائعية الأحداث وسيناريوهات الصراعات والتى تجلت فى طمع عودان ابن الشيخ سعيد ابن حمد الكبير فى الحكم بعد وفاته ومساندة نسيبه له ثم نفور بعض القبائل من مبايعته وذلك لفساد بصيرته وضيق أفقه وشهوته للحكم وتفكك الإمبراطورية الشعبية البدوية التى أسسها جده ووالده ..... والسلب والنهب الذى اتخذ منهجا من قبل سارقى الإبل .....
فالصراعات الإنسانية و السيناريوهات الخاصة بها تتكرر بظروف مخلتفة و اشخاص و احداث جديدة لكن الخطوط العريضة فى مأساويات سيناريوهات الصراع تظل كما هى واحدة لا تتغير .... منذ ابنى ادم الى يومنا ... فريقان مختصمان متقاتلان يتقاتلان على شىء ما ... لماذا لا يتقاسمانه أو أن يعزف أى واحد منهم و يذهب ليعتاض من شىء أخر ... !!..
وهنا يجب التعرض لاكتشاف جديد فى تطوير الأدوات ... المعادل الموضوعى العام ) اسطورة الإحيمر( والمعادل الموضوعى الفرعى .... )الطريشة اللئيمة( التى تمثل بدورها دور قوى الشر الظلامية التى تعمل فى الخفاء وهنا نرى إسقاطا سياسيا على الطرف الثالث ( الذى درج مصطلحه باللهو الخفى ).
أول خيوط تشابك الصراع هو اتهام العقل الجمعى لعودان بأنه من دس الطريشة لوالده الذى يريد التخلص منه لأنه يقف ضد نزواته ...
ثم انقسام المراشدة أول مرة بين فريقين فريق سويلم نسيب عودان ثم فريق المشايخ الكبار ... هنا تبدأ كما ذكرنا آنفا مرحلة الانحدار و التى هى السنة الكونية التى لا مفر منها ... و لكن أَمَا يكون لتلك السنة ان تتبدل أو تتغير ... أن استماتة البشر على النزاع من أجل النزوات والسلطة والانسياق الأزلى لتلك الجينة والجبلة ...... هو ما يزرع ويؤطر لتلك الصراعات ويطور تفاصيلها مع الاحتفاظ بنفس السيناريوهات ...... تخرج الثمرة يانعة تسقط على الأرض بذورا تنبت شجرة وفروعا وأوراقا ثم نوارات ثم ثمرة أخرى مختلفة الحجم أو الشكل أو نسبيا فى النوع مع بعض التغيرات الجينية أحيانا ولكن دورة الحياة الببيولوجية تظل كما هى فى الكل.. فالكل يدور فى نفس الفلك بتفاصيل وأشكال مختلفة .....
تنصيب شيخان فى نفس الوقت عودان على الشمال والتويجر على الجنوب .... هنا تبدأ تجليات الإسقاطات على الصراعات السياسية ...... فأَنَا لمجتمع قد انشق وصار له رئيسان أن يكون مجتمعا سويا يشعر بالأمان ....... والاستقرار ....
هنا نستطيع التطرق إلى الكثير من الصراعات الإنسانية التى حدثت فى أماكن وأحداث وأشخاص أُخَر .... مثلا رواية الأخوة الأعداء لنيكوس كازانتزاكيس اليونانى نتكشف الخط الدرامى لسيناريوهات الصراعات .... والتقارب بينها
تروي "الأخوة الأعداء" أحداث فتنة داخلية في قرية كاستللوس اليونانية خلال الحرب الأهلية في أواخر الأربعينات من القرن التاسع عشر.
في تلك الحقبة كثير من القرويين، بمن فيهم الكابتن دراكوس ابن قسيس القرية ياباروس، انضموا إلى المتمردين "الأنصار" الذين اتخذوا من "قمة النسور" في أعلى الجبل منطلقاً للانقضاض على القرى اليونانية التي كان يحميها الجنود بقيادة القائد الأعلى ديمتروس ليفاس.
وبين الأنصار والجنود الوطنيين يقف الأب ياناروس لا يعرف إلى أي الفريقين ينحاز. ثم في النهاية يقرر بعد كثير من المذابح والموت والدمار في كل مكان.. قرر بعد أن وجد نفسه يحمل على كتفيه -وكتفيه وحده- خطايا العالم أجمع .... يقول نيكوس كازانتاكيس ... على لسان الأب ياناروس
أيها الإنسان البائس ..!.. أنت تستطيع أن ترفع الجبال وتصنع المعجزات لكنك بدلا من أن تفعل ذلك تمرغ نفسك فى القذارة والخمول والشك ... فى هذه الكلمات يكمن أنسان المستقبل .. الإنسان الذى أراد له الأب ياناروس أن يحققه قبل الأوان .. ومع ذلك استطاع أن يهز به ضمير إنسان اليوم ....
يقول إسماعيل المهدوى فى مقدمته عن الأخوة الأعداء ... سوف يظل الأخوة أعداءً والإنسان غير مكتمل الفردية والعدل والحرية نقيضين والقوة والفضيلة بديلين ... حتى ينقضى هذا الجيل الرهيب جيل الصراع الدموى والحرب ... من أجل الخبز ....
يقول نيكوس كازانتاكيس .. عن أهل كاستيللوس حياتهم حرب لا هوادة فيها حرب مع الله مع الرياح مع الجليد مع الموت لهذا السبب لم تفاجأ الرب الأهلية أهل كاستللوس ولم تصبه بالذعر ولم تغير عاداتهم كل ما حدث أن ما كان حتى ذلك الوقت راقدا فى دخائلهم صامتا لا تراه العين انفجر فى اللحظة وانفلت دون حياء ولا خجل وانقطع اللجام عن هذا الدفع الكامن الإنسان منذ أزمنة سحيقة ...... أقتل فكل واحد منهم كان يكره جارا له أو صديقا أو أخا ظل يكرهه دون سبب وربما دون أن يشعر، وتزايدت هذه الكراهية فى النفوس شيئا فشيئا دون أنت تجد ما تنصرف إليه، و فجأة بدأوا يوزعون عليهم البنادق والقنابل اليدوية ويلوحون فوق رؤوسهم بالرايات المقدسة ... وبدأ القساوسة والصحفيون وذووالمناصب يدعونهم أن يقتلوا جيرانهم وأصدقائهم وأخوتهم .. ويقولون لهم إن هذا هو الطريق الوحيد لينقذوا الدين ... هكذا ظهر فجأة تبرير دينى لهذا الشىء المكتوب على جبين الإنسان منذ القدم ...القتل ....
من هنا أنطلق أنا الباحث لأن اعتمالنا للجزئية ألأهم فى الأخوة الأعداء كانت فقط لسؤال محير مر بخلدى منذ فترة كبيرة وأنا أفكر فيه لم الصراع ... ؟؟؟؟ و لم القتل ....
ربما فى اعتقادى أن كازانتاراكيس حاول الإجابة عليه .. بإحالته إلى أزليته ..
يقول الجندى ليونيداس فى نفس الرواية ( الأخوة الأعداء ) في مذكراته بعد موته إلى حبيبته ماريو
وفى بعض الأحيان يتملكنى حنين أن أقع قتيلا لأنقذ ما تبقى لى من إنسانية وأنجو من الوحش الذى يلبسنى , لكنك أنت تجعليننى أتمسك بالحياة ....
نستشف من وحى ما قاله ليونيداس شيئا مهما .... ثمة كائن غامض يحيا في دخائلنا يتأرجح مرة بين الوحشية الكاسرة يقتل بلا هوادة كى لا يقتل .... وفى حين آخر يبزغ الأمل حين يتمسك بالحياة من أجل الحب .... الذى هو ذلك الباب السحرى الذى يفتح لنا عوالما ويصنع لنا عالما ينبت كزهرة بين الأشواك .
ترى من هو هذا الفاتح المشهور الذى تنهد ساعة موته وقال ( ثلاثة أشياء تمنيتها طوال حياتى : بيت صغير , زوجة طيبة , وأصيص به ريحان . لكننى لم أصل إليها أبدا ) .
ما أبسط الحياة يا حبيبتى إذا تأملنا حقيقتها ! وما أقل ما يلزم الإنسان كى يكون سعيدا ... ! ... لكنه يفضل أن يضيع جريا وراء أمجاد وهمية ... أكثر من مرة تملكتنى الرغبة في أن ألقى البندقية وأرحل ..
ما بين النجوم وغضبها وتصاريفها لرفيع وبين الإخوة الأعداء لكازانتاراكيس .... تماهيا عجيبا ومحاولات وتجارب .... تشتشف وتسكتشف وتحاول فهم وتحليل الأعماق والأبعاد النفسية لذلك الكائن ..... لكننا حين نحاول إلقاء الضوء فى البئر يذهب الضوء إلى ما لانهاية فى سرمديات الغياهب الظلامية .... فنلقى بالحجر الى جب ليس له قرار .... بتلك المتوالية العجيبة لماتنتجه النفس البشرية من اختراعات وإنجازات وصراعات والتى تتشابه مع المتوالية الكونية للبدء والنهاية للخلق والعدم للوجود والفناء .... تتكون نفسية ذلك الكائن الذى جاء من الفراغ والذى سيذهب إلى الفراغ ..... لكن ما بين الفراغين يخلق خارطة وجوده ..... لقد بدأ رفيع بالحب حب حمد الكبير لأهله ولتكوين وطن ثم انتهى بالصراع ... وبدأ كزانتاراكيس بالصراع ثم مر الحب حب ليونيداس لحبيبته ماريو .... أعتقد بأننى استطعت الإجابة على السؤال المحير ... بالحب فقط ننقذ البشرية من الدم والقتل المكتوب على جبينها ....
المراجع:
و يكيبيديا الموسوعة العالمية
التفسير و التفكيك والأيديولوجية ....... تقديم نهاد صليحة
الوطن فى الأدب العربى ...... د. إبراهيم الإبيارى
الصراع الأدبى بين العرب والعجم .... د. محمد نبيه حجاب
الأسطورة والموروث الشعبى .... ديانا ماجد
الإخوة الأعداء .... نيكوس كازانتاراكيس ....