القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 10:22 ص
حسين حسن عبد العزيز
تحرك الأستاذ أشرف عمران في فراشه، ثم اعتدل وجلس في مكانه، ونظره مسلط ناحية الجزء الخالي من الفراش والذي كان يخص زوجته. دمعت عيناه حزناً على رحيلها منذ ما يقرب من شهر ونصف. قرأ الفاتحة وطلب لها الرحمة. ثم هبط من على الفراش.. ترجل خطوات قليلة حتى وصل إلى باب الحمام .. سحب فوطه معلقة على مسمار بجوار الباب، ثم دفعه ودخل ليتوضأ ليصلي الصبح.
شيئا (ما) جعله يغير رأيه، فوضع الفوطة على حرف الغسالة النصف أتوماتيك الموضوعة تحت شباك الحمام وخلع ملابسه وضبط المياه الساخنة والباردة ثم وقف تحت الدش ليتلقى المياه الدافئة. انتهى من ارتداء ملابسه وضبط شعره.. صلى ركعتي الصبح، ثم دخل المطبخ ليعد لنفسه الإفطار وكوب الشاي. جلس ليتناول إفطاره، رفع نظره؛ لينظر إلى الصورة المواجهة له. كانت زوجته تجلس داخل الإطار البني وتبتسم. تساقطت دموعه.
لملم أوراقه في حقيبته وخرج قاصدا ديوان وزارة الزراعة حيث يعمل. كان يتلمس خطواته على السلم، فقد ضعف نظره وهو لا يحب ارتداء النظارة إلا في حالات قراءة الأوراق والتوقيع عليها.
توقف فجأة . تذكر أنه يرغب في شراء جريدة الصباح. وقف أمام الحاج إبراهيم بائع الجرائد الذي ما إن لمحه حتى سحب الجريدة التي يفضلها وقدمها له قائلا صباح الخير يا أستاذ أشرف.
• أزيك يا عم إبراهيم أخبارك وأخبار البلد.
•كله تمام أتفضل.
• يمد الأستاذ أشرف يده بالجنيه، ثم يستدير وهو يقول: شكراً يا عم إبراهيم.
يعبر الكوبري الذي يوصله إلى موقف سيارات الأجرة. يقف بين الباصات باحثاً عن الباص الذي سوف يركبه فسمع مصر يا أستاذ يلتف ويرد بقوله:
•نعم
• العربية الحمرا اللي هناك
يتجه إلى الميكروباص المشار إليه فوجده خالياً من الركاب صعد وجلس في الكرسي الذي يوجد خلف السائق لحظات قليلة مرت عليه ولم يصعد راكب جديد فوضع الجريدة والشنطة في مكانه وخرج من الباص واتجه إلى السائق وقال له:
• سوف أشتري حاجة ساقعة
• ماشي
تحرك الاستاذ عمر مبتعداً عن الباص وباحثاً بعينه عن أقرب كشك عصائر.. لمحه هناك على بعد 20 متراً .. تحرك مسرعاً متفادياً الناس المترجلة في لهفة، والسيارات تتحرك دون أدنى اهتمام. الكشك أمامه ثلاجة مياه غازية وثلاجة مرطبات وضع يده داخل في الجيب الأيسر من بنطاله البني .أخرج قطعا من النقود الفضية تزيد على عشرة قطع من فئة 1 جنيه، فأعادها إلى جيبه مرة أخرى. ثم مد يده في الجيب الخلفي، فأخرج من حافظة النقود ورقة مالية فئة العشرون جنيها.
تقدم من المرأة الواقفة أمام بضاعتها لتوضيبها على أرفف الكشك وقال:
• السلام عليكو.
• استدارت المرأة وهي ترد التحية.
• وعليكو السلا.....
• ولم تكمل المرأة التحية وحدقت في وجهه طويلا... فارتبك الاستاذ أشرف وبعد عينية عن عيني المرأة المذهولة.
• كيف حالك يا أستاذ أشرف.
• بخير مين؟
• ألا تعرفني
• آسف بس متعب قليلا.
• البقاء (لله) علمت أن زوجتك قد رحلت منذ مدة.
• من أنت آسف النقاب!. أنت نجلاء
• أخيرا عرفتني.
يرتفع ضغط الأستاذ أشرف. رأسه يدور. لم يعد يقدر أن يرى أي شيء أمامه. تعرق جسده كله. يشعر برعشة شديدة. يكاد يختل توازنه. جلس على صندوق مياه غازية .
• فيه إيه يا أشرف! قالها نجلاء بخوف واضح عليها.
• شوية ميه بملح لو سمحت.
• في أقل من لمح البصر.. كانت نجلاء تنحني لتقدم كوبا مذابا فيه الملح . حاول أن يأخذ الكوب، تلامست يداهما. وقع الكوب على الأرض، فانكسر يشعر أن الدنيا تدور به. خرجت نجلاء ملهوفة . عادت إليه وفي يدها قطع صغيرة من المخلل. انحنت خائفة وأخذت تضع قطع الخيار المخلل في فمه.كان ينظر في عينيها بلهفة، وهي تحاول أن تبعد عينيها خجلا.
• يا أستاذ هيا لكي نتحرك.
• حاضر يا حاج .. بس خد بيدي.
• ينحني السائق مضطرباً.
• خير يا أستاذ فيه إيه.
• خير الضغط يا سيدي .. خد بيدي.
يساعد السائق أشرف عمران ليقف ونجلاء تنظر مذعورة .. ولا تقدر أن تتفوه بأي كلمة، لكنها قدرت أن تجمع أنفساها المتقطعة. وتهمس بصوت واهن.وصله للبيت يا حاج مصطفى.
• حاضر يا حاجة.
• لا يا عم أنا هبقى زي الحصان لما أقعد في الباص.
• لا أنت مريض.
• ولا يهمك يا حاجة.
يتحرك السائق وأشرف عمران يتساند عليه ونجلاء تساندت على كراتين الشيبسي التي أخذتها ووقعت، فاصطدمت رأسها بصناديق المياه الغازية، فترك السائق يد اشرف عمران لينهض بالمرأة .. فوقع أشرف على الإسفلت.