القاهرة 06 اغسطس 2019 الساعة 11:56 ص
كتب: حاتم عبدالهادى السيد
طائر أنت ،
والمستثيرات عش
وما قاب قوسين أو أدنى
غير وجه العذاب ....
إنه الشهاوى ، طائر الحب والجمال ، يغرد منفردا فى السرب وحيدا ، إلا من الشعر ، ويعبر بجمال اللغة الباذخة إلى الآفاق ، كساحر مدرب يفتل من رقاق صوف الحب عباءة الشعر السامقة ، ويعرج بنا عبر مدارج الذات إلى ضفاف الروح ، يجدف فى صمت كطائر جريح على مرافئ الحياة والعالم :
أنا الشهاوى ،
الشين فستان لراقصة
أواه يا ألف
إنى هنا أقف
أبكى على واوى المعذبة ...
إنه محمد محمد محمد الشهاوى ، ابن كفر الشيخ فى مصر ، صديق الفراشات التى تغنى للمدينة ، للقرية ، للريف المصرى الأخضر ، وحوله يتحلق المريدون : على عفيفى ، ممدوح المتولى ، عفت بركات ، رانيا النشار ، نشأت المصرى ، مسعود شومان ، يسرى حسان ، وشعراء مصر من كافة المحافظات .
إنه الشاعر الذى يقصده مريدو الشعر ، وعشاق لغة الروح والتصوف لينضموا إلى حضرته الشعرية النورانية المباركة ، على أنغام قيثارة الشعر وموسيقاه الصوفية المتأنقة ، الخارجة من رحم الجمال عبر قيثارة الحب ، وسيمفونية الريف والبهاء الإلهي الطبيعى الأخضر الممتد من قلبه العاشق ، والمعرج على جسده النحيل فيحيله الى عصفور يغرد ، متيم بالأنثى ، ورقيق كوردة ، وانسان بكل المعانى السامقة ، يستقبلك ببشاشة ، وأبوية حانية ، فلا تستطيع معه إلا أن تقع فى زمرة مريديه ، وعشاق أدبه الشاعر ، وشعره الذى يخش إلى بوابات الروح فيحيلها إلى سرمدية الوجود ، محلقة فى سماء لا يطاولها الا الفلاسفة والعلماء ، وكيف لا يكون هذا وهو فيلسوف التصوف ، وأمير القوافى ، وسلطان العشق الذى يأخذ قارئه الى آفاق أكثر شيفونية وإجلالاً ، وأجمل إشراقا عبر إطلالات كلماته الأثيرة الساحرة.
ولقد كانت الأنثى – ربة الشعر والجنون والجمال – هى الملهمة ، كما كانت له ناقة عندنا – فى سيناء – يأتى ليرعاها كل عام فى مهرجان سباق الهجن ، حيث شعر البادية الأصيل ، وحيث الشعراء العرب يأتون من كل الدول العربية ليحضروا هذا العرس السنوى التراثى الشعرى الفنى ، ويكون فى استقباله شعراء سيناء الكبار : الشيخ محمد عايش عبيد ، والشاعر عبدالهادى السيد ، والشاعر زكريا الرطيل وكل شعراء سيناء ، وكان يصطحب معه الشعراء الكبار : عبدالمنعم عواد يوسف ، والشاعر يسرى العزب ، والشاعر ممدوح المتولى ، عبدالدايم الشاذلى – رحمه المولى - وفى سيناء كتب أجمل قصائده المعروفة : المرأة الاستثناء ، كتبها فى بدوية تقطن صحراء القمر هناك ، وكأنه يعيد لنا تاريخ رحلات المتنبى، و ذى النون المصرى عبر رحلتهما ، من مصر إلى فلسطين عبر سيناء ، وكان ذى النون المصرى عابدا وقد عرج الى سيناء ليستريح فرأى فتاة كفلقة القمر استهوته فطلبها للزواج فأبت ، لأنها قد ذابت فى العشق الإلهى ، وردت قائلة :
أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عمن سواك .
وقد نسب البيتان إلى رابعة العدوية – خطأ – كما روى لنا د. عبدالرحيم الكردى ، والحكاية موجودة فى رحلات ذى النون المصرى لمن أراد أن يستوثق من ذلك .
لقد فتن الشهاوى إذن بالجمال البدوي الأثير ، فخرجت أبياته صادحة ، سلسة ، متهادية كمطر يختال على وجه غانية صبوح فى صحراء القمر والفيروز بأرض سيناء الجميلة ، يقول فى المرأة الاستثناء السيناوية :
لينهمر الشعر ،
بالأغنيات الرقيقة
بين يديها
طويلاً .. طويلا
ألا وليؤسس على قدرها لغة وعروضا جديدين
يستحدثان مقايي أخرى
وذائقة ونحولاً،
هى امرأة
تشبه الشمس إلا أفولا
هى امرأة وجميع النساء سواها ادعاء
هى امرأة يشرب النور من قدميها
اللتين تشعانه
هاطلات السنا
والندى
كى يبل الصدى
هى امرأة تشبه المستحيلا .......
إنها المرأة المستحيل ، والقصيدة التى تخترق الروح عبر صوفية لغة العشق النورانية المغردة على ضفاف القلب ، عبر أصص الجمال الشعرى المنسدل من روحه الصغيرة الحانية ، الشفيقة ، الشفافة ، والمنسابة كنهر من جدول الحب الخالد ، ومن عين الحياة الممتدة من الريف الى الصحراء ، ومن المدينة إلى الكون والعالم والحياة .
وشاعرنا عاشق للشعر ، العمودى والتفعيلى ، مجنون بالوله والتموسق فى الولوج إلى إشراقات القصيدة ، يتغنى بها ، ولها ، ولهًا، مجذوبا فى حضرتها التى يبتغيها وطنا وصديقا وعاشقة تخرج له مع الغبش والغسق والغروب ، وفى الليل والنهار عبر إشراقات التوحد ، وعرفانية التخييل فكأنها جنى تلبسه ، أو تماثل معه ، فاتحدت وحلت فى ذاته المغردة ، فرأيناه يصرخ فى البرارى :
أنا فى أنا وأنى فى أنا رحيقى مختوم بمسك الحقيقة .
ولقد أصدر الشاعر محمد محمد الشهاوي ثمانية عشر ديوانا منها :
ثورة الشعر 1962م ، قلت للشعر 1972م ، مسافر في الطوفان 1985م ، زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر 1992م ، إشراقات التوحد 2000م ، أقاليم اللهب ومرايا القلب الأخضر 2001م ، مكابدات المغني والوتر 2003م ، قصائد مختارة " إصدارات دائرة الثقافة والإعلام – حكومة الشارقة 2005" ، "المصطفيات" مختارات من عيون الشعر العربي 2012م ، "الحب والسلام " ديوان شعر للأطفال – عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2013م ، صالح الشرنوبي : النهر الذي أسكر العالم ( صادر عن المجلس الأعلى للثقافة 2016م ) ، عبد الدايم الشاذلي : بصمات منقوشة بالحنين ( دراسة ) وغيرها .
سيظل الشهاوى رمزا للحب ، وطائرا للروح والعشق والغزل العفيف ، تستهويه الأنثى الطازجة ، وتهريق روحه الكتابة باذخة على مراكب الجمال المتهادية من شلالات الشعر العذبة الأثيرة ، يصدح ككروان عبر اللآلى والمحارات ، وعبر قاموس اللغة النورانية / التى تتناص وآيات الذكر الحكيم ، وعبر السيمولوجيا الرامزة ، والواقعية السحرية التى تستدعى المعادل التراثى الوطنى ، والمعادل الضمنى عبر التناص ، والتضام ، والتقارن ، وعبر مركزية اللغة التى تستدفأ بالسديم ، وبالحنان الخارج من مشكاة الجمال الباذخ ، المموسق ، والطامح عبر واحة الشعر الممتدة فى الكون والعالم والحياة .
إنه الشعر ، وهو الشهاوى العاشق ، يصدح على ناي النور الشعرى فى براري العالم ومدنه ليكتب بدمه وثيقة الخلود للشعر العربي الرصين.