القاهرة 30 يوليو 2019 الساعة 10:26 ص
كتبت : سماح ممدوح
للوهلة الأولى كان اسم (بطل من ورق) هو الاسم الذى خطر فى بالى لتوصيف رواية (طقس) للروائي الطبيب السوداني أمير تاج السر، ثم تذكرت أن هناك فيلم مصري للراحل ممدوح عبدالعليم يحمل الاسم ذاته وله تقريبا نفس الفكرة الرئيسة، هنا أيضا تمرّد وخرج بطل الرواية( نيشان حمزة نيشان) من بين سطور الرواية ليتجسد لحم ودم أمام كاتبه الذى كان يعمل من قبل مدرس رياضيات ثم اكتشف موهبته الحقيقية فى الكتابة ليترك التدريس ويتفرغ للكتابة.
ولقد كتب المدرس الأديب والذى لم يحمل أي اسم خلال الرواية العديد من الروايات وحقق قدرا لا بأس به من الشهرة ومن بين إحدى هذه الروايات بعث البطل من رواية (أمنيات الجوع) والتى كانت من أهم روايات الكاتب والتى تحولت إلى نقمة عليه ليتمنى لو لم يكتبها أو لوكان باستطاعته أن يجمع كل النسخ ويعدمها بعدما اضطر إلى مواجهة الكابوس (بطل الرواية) واضطراره إلى عيش حياته وتفصيلها وإحساسه بأنه مسؤول عنه.
قابل الروائى بطله فى أحد حفلات التوقيع لرواية (أمنيات الجوع) ليكتشف الراوى بعدها أن بطل الرواية لم يبعث وحده إنما جاء ومعه جميع الحيوات والشخوص التى شكلت عالم (أمنيات الجوع) مثل حى (وادى الحكمة) الحى الذى يغرق فى الفقر والعشوائية، وسكانه منهم الثائر ومنهم المجنون ومنهم إمام المسجد، وخريج الجامعة العاطل الذى يحاول كتابة الشعر لكنه لا يكتب غير الركاكة بذاتها، ورنيم الممرضة حبيبة نيشان، وسائق الشاحنة الذى كان يرعى نيشان عندما يتملكه الجنون والذى كان أحد اقرباءه.
خرج نيشان بوظيفته كعامل فى إحدى المدارس، الطموح المصّر على إتمام تعليمة ليصير قاضيا يحل العدل ويرفع الظلم، حتى أمراضه بعثت معه، فجاء بالفصام والسرطان لينتهي بالموت وكان هذا هو سبب بعثة البطل من الرواية، جاء ليغير مصيره ويعترض على الموت بهذه الطريقة وهو لم يكمل احلامه ويحقق كل طموحه بعد.
تدور الرواية الصغيرة (مئة وستون صفحة تقريبا) لتكشف لنا فى آخرها أن الراوى نفسة هو المريض نزيل مستشفى الامراض العقلية ويعالج من مرض الفصام لتكون الرواية بأكملها ماهي إلا واحدة من نتائج نوبات جنونه.
تتخم الرواية بالعديد من الشخصيات الغنية مثل شخصية(الظل/عبد القوى) الكاتب المسرحي صديق الرواي، وابنته (ليندا الظل) أو ظل الظل كما كان يسميها والتى كانت من أهم معجبيه، (ملكة الدار) التى كانت بمثابة والدته والتى كان بيتها يتسع لكل غريب. فهل كانت هذه الشخصيات حقيقية فى حياة الراوى المريض بالفصام ليرسمها بهذه الدقة؟ أم أنها شخصيات تمنى أن يقابلها ولم يحدث ذلك حقيقة فلجأ خياله إلى ابتداعها ،فهل تمنى مقابلة عبد القوى الظل والذى كان سندا له فى الحياة كان بمثابة معلمه ، هل قابل ليندا الناقدة والمعجبة بأعماله أم أنه ابتدع كل ذلك العالم الخاص به ليعيش فيه هروبا من عالمه الحقيقى؟
تتسم هذه الرواية بالطابع الفكاهى، فمثلا تخيلت نظرة الراوى عندما اصطدم بنيشان للمرة الأولى ونظرته وهو يبحث عن من ينقذه من بطل الورق الذى تخيله يحمل سكين بيده ويطارده، أيضا شخصية جوزيف فرنجية الذى يصاحب عفريتة من الجن والذى تكشف الرواية فيما بعد أنه نزيل المستشفى التى يعالج الراوى فيها (اتصور المخرج المصرى الكبير رأفت الميهي لو كان حيا وقراء الرواية لكان حولها لمشروع سينمائي).
تدور أحداث الرواية فى السودان الشمالى كما يتضح من الأحداث والتى تعطى صورة عن بعض الأحياء الفقيرة المهمشة التى يعيش فيها أناس يحمل الكثيرين منهم غريب الأسماء مثل (حج البيت) شيخ الجامع فى حي (وادى الحكمة).
لكن فى هذه الرواية ما لم أفهمه وهو المشهد الأخير وهو عندما يكشف (أمير تاج السر) عن حقيقة بطله أو الراوى داخل الرواية المصاب بالفصام فلماذا لم يصل بالقارئ إلى هذه الحقيقة أو يمهد لذلك من قبل؟ فنحن كقراء لم نفطن إلى هذه الحقيقة إلا فى الأسطر الأخيرة، ألم يكن هذا ممكن فى الأربع أو الخمس صفحات الأخيرة على الأقل بدلا من القفز السردى لنصل إلى النهاية بشكل مفاجئ (على حين غرة) فى حوالى الثلاث أو الأربع أسطر الأخيرة، أم أن أمير تاج السر أراد أن يضع عدد محددا من الصفحات لا يزيد عليه لذا اقتصر السرد للنهاية على هذا الشكل المفاجئ ؟