القاهرة 28 مايو 2019 الساعة 02:20 م
كتب: طلعت رضوان
يشهد تاريخ فن السينما أنّ الأفلام الجادة– رفيعة المستوى– من حيث المضمون والرؤى الجمالية- مأخوذة عن روايات لكبارالمُبدعين.. وكما فعلتْ السينما العالمية مع مُبدعيها، كذلك فعلتْ السينما المصرية عندما تم تحويل بعض الروايات إلى أفلام سينمائية..
ومن بين الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية الفيلم المأخوذ عن رواية يوسف إدريس (الحرام) لذا رأيتُ أنْ أبدأ بها، فقد تمكن المُـبدع من توظيف خاصية المكان لتعميق البُعد الدرامى لشخصياته..كما أنه جـَدلَ (وحدة الزمن) مع خاصية المكان فى ضفيرة واحدة..ورغم أنّ الأحداث فى الرواية كان مُفجرها العثورعلى جثة الطفل الرضيع منذ الصفحة الأولى، ثم البحث عن: من هى أمه؟ فإنّ تلك الأم لم تظهرإلاّ فى ص79..كما أنها لم تظهرإلاّ فى صفحات قليلة حتى نهاية الرواية. وبالرغم من ذلك فإنّ تلك الصفحات القليلة خلقتْ منها شخصية خالدة فى الأدب المصرى والعالمى.. ومن هنا كانت أهمية المعالجة السينمائية لتلك الرواية.. خاصة وأنّ يوسف إدريس كتبها بروح أقرب إلى القصيد السيمفونى، فإذا كانت البداية دوائرالدوامات التى أظهرتْ الحاجزالجغرافى والنفسى والطبقى بين أهالى العزبة وعمال التراحيل.. وأنّ تلك الدوائر كشفتْ الكثيرمن خطورة النظرة الأحادية المؤدية للتعصب، فإنّ النهاية كانت الرد على البداية، حيث تعاطف أهالى القرية– ليس مع مأساة عزيزة فقط– وإنما مع كل عمال التراحيل.. وهكذا تأتى الحركة السيمفونية الأخيرة لتؤكد وحدة التواصل الإنسانى.
وإذا كانت السينما العالمية تناولتْ بعض الأعمال الروائية عن المشكلة الأزلية التى شغلتْ الفلاسفة عبرالعصور.. عن اختلاف الثقافات بين الشعوب.. وهل يمكن أنْ يسود الحب بين شعوب تختلف أنساق قيمها وموروثها الثقافى؟ فإنّ رواية (أصوات) للمُبدع الكبيرسليمان فياض تحتاج لسيناريست مُبدع ليُجسد لقاء ثقافتيْن مـُتباينتيْن: المصرية والفرنسية.. وهذه الرواية بها كل عناصرالدراما التى تــُـشجّع أى سيناريست لكتابة سيناريو لعمل سينمائى رفيع المستوى.. وفياض فى هذه الرواية كتبها بلغة أدبية جمعتْ بين بساطة السرد وعمق الأفكار.. وكان المُفجّرللأحداث عودة حامد البحيرى إلى قريته المصرية مع زوجته الفرنسية سيمون، ثم تتوالى الأحداث فى متوالية أقرب إلى الدوامات العنيفة فى البحر، إلى أنْ تأتى الذروة بعد حادث ختان سيمون بمعرفة سيدات القرية.
والفصل الثالث عن رواية (الأمالى) للأديب الكبيرالراحل خيرى شلبى..وتلك الرواية أرشحها أيضًا للسينما إذْ بها كل عناصرالدراما من تفاعل وتوتر..وتطورفى الشخصيات..وامتزج فيها الفكربالسياسة..والعلاقة بين رجال السياسة..ومن يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم غيرالمشروعة. كما تميّزتْ بروح الفكاهة..والسخرية بأسلوب فنى رفيع، اعتمد على كوميديا المواقف بجانب خفة ظل الشخصيات..وأعتقد أنّ دراستى عن هذه الرواية المهمة التى تجاوزتْ عدد صفحاتها الألف صفحة من القطع المتوسط.. سوف تـُساعد كاتب السيناريوعلى التعايش مع أحداثها وشخصياتها وعالمها الفريد الذى استطاع مُبدعها أنْ يكتب واقعًا فنيًا ثريًا بالدلالات الاجتماعية والسياسية. وبالرغم من أنّ (الواقع الفنى) انعكاس (للواقع المادى) فإنه تجاوزه لما هوأعمق بفضل رحابة الخيال.
والفصل الرابع من رواية (عصافيرالنيل) للمبدع الكبيرالراحل إبراهيم أصلان..وبها كل عناصرالدراما..وقد تم تحويلها إلى عمل سينمائى متميزخاصة وأنّ أحداثها تسرى فى النسيج العام لتيارالحياة اليومية، مثل الموجة التى تبدوعنيفة فى أحيان وهادئة فى أوقات أخرى..ورغم تصاعد الأحداث وتشابكها، فليس فيها أية شبهة مليودرامية الأمرالذى أهلها لصناعة الصورة السينمائية التى جمعتْ بين جماليات فن السينما مع تعميق الوعى بمفردات الواقع المادى.
والفصل الخامس من ثلاثية جميل عطية إبراهيم الذى تناول فيها السنوات من 1952- 81. وهذا العمل أرشحه للسينما نظرًا لأنّ المُبدع ربط بين شخصيات الأجزاء الثلاثة وأحداثها..وبين الوقائع الفعلية التى حدثتْ..وهى وقائع زاخرة بالدراما الإنسانية..ورغم أنّ الكاتب اعتمد على الكتب التى أرّختْ لتلك المرحلة من تاريخ مصر..فإنه انطلق من تلك الوقائع التاريخية ليصنع (واقعًا فنيًا) موازيًا لها.. فكانت النتيجة أنْ تلاحم العالمان..وفى دراستى العديد من الأمثلة على الصورالحية فى الثلاثية عن علاقات الشخصيات بعضها ببعض..وعلاقاتها بالأحداث..وأعتقد أنّ تحويلها للغة السينما سيصنع منها فيلمًا خالدًا فى تاريخ السينما المصرية.
والفصل السادس من رواية (المهدى) للمبدع الراحل عبدالحكيم قاسم..ومع أنه انتهى من كتابتها عام 77 فإنّ أحداثها تناولتْ التعصب الدينى الذى لايزال يُسيطرعلى عقلية كثيرين. والكاتب اختارالموضوع الشائك وهودورالإخوان المسلمين فى إقناع المعلم عوض الله ليتحوّل من المسيحية إلى الإسلام..وبجانب تلك النظرة الأحادية فإنّ المُبدع جدلها برؤية بعض الشخصيات المؤمنة بالتعددية، أى أنه وضع التعصب والتسامح وجهًا لوجه..وكل ذلك من خلال الأحداث وتصاعدها دراميًا، مما يؤهلها لعمل سينمائى مُتميّز.
والفصل السابع من رواية (أهل الهوى) للمُبدعة اللبنانية هدى بركات التى عالجتْ فيها سنوات الحرب الأهلية فى لبنان..وأعتقد أنّ الكاتبة تمكنتْ ببراعة من نقل الوقائع المُلطخة بالدماء والتعصب إلى صور حية مفعمة بعناصرالدراما، خاصة وقد امتزجتْ الأبعاد الإنسانية بما هو(سياسى) و(مذهبى) وأهم ما يُميّزهذه الرواية تجسيد مأساة الأبرياء (سواء المصابين أوالقتلى) الرافضين للحرب بين أبناء الوطن الواحد ويرغبون فى حياة يسودها السلام..وكل ذلك بلغة فنية رفيعة تـُدافع عن قيم النبل الإنسانى..رغم أنّ الوقائع التى اعتمدت الكاتبة عليها ضد الإنسانية، ومن هنا أهمية تحويل هذه الرواية إلى عمل سينمائى.
والفصل الثامن من رواية (نجران تحت الصفر) للمُبدع الفلسطينى يحيى يخلف الذى جسّد (بلغة الفن) لحظة تاريخية فى حياة الشعب اليمنى: لحظة الصراع بين قيم التخلف وقيم التحضر. فجسّد خطورة المُغالاة فى التدين، خاصة عندما تكون المغالاة مجرد قشرة ظاهرة، تـُخفى الباطن المُعادى لأبسط القيم الإنسانية..والرواية توافرت لها كل عناصرالدراما حيث الشخصيات المُـحبة للحياة..ومع التسامح والتعددية..والشخصيات الكارهة للحياة ومع التعصب والأحادية..وبالرغم من أنّ الطبعة الرابعة من هذه الرواية صدرتْ عام 88 فإنّ الكاتب أبرزفيها خطورة الجماعات الإسلامية المؤيدة للتغييربالعنف وجاء فيها اسم أسامة بن لادن.
والفصل التاسع من رواية (هيباتيا والحب الذى كان) للكاتب والمفكرالمصرى داود روفائيل خشبة وترجمة سحرتوفيق..فى هذه الرواية تجسيد للتعصب الذى مارسه المصريون الذين اعتنقوا المسيحية ضد المصريين الذين فضـّـلوا التمسك بالديانة القديمة..فخلق المُبدع شخصية الطالب (حـُـتب) الذى ينتقد زميلته مريم لأنه تمنى أنْ تشرح له المسيحية، فإذا بها ((تـُحدثنى عما تعتقده هى)) وأيضًا أنهى العلاقة مع خطيبته إيزيس..وكان يُردّد دائمًا ((المرأة أصل الخطيئة)) وتبجّح على أستاذته الفيلسوفة هيباتيا وقال لها ((يبدوأنك لاتـجدين مشكلة مع مريم المسيحية. فلماذا يُحزنك تحولى للمسيحية؟)) فقالت له ((مريم لم تخترالمسيحية..وتحتفظ بعقل مُتفتح)) وفى تطوردرامى فى شخصيته ظلّ يُلح على خطيبته لتذهب للكنيسة..ولما رفضتْ كان الفراق الحتمى..ورغم الشخصيات الحية والأحداث الدرامية، فإنّ المُبدع جعل من الأحداث التاريخية خلفية لأحداث روايته خاصة تعميقه لشخصية الفيلسوفة هيباتيا ، التى تم اغتيالها وتمزيق جسدها بصورة بشعة عام 415م على أيدى المسيحيين المُتعصبين، لذا أرشحها لعمل سينمائى مُتميّز، خاصة وأنّ إسبانيا (وليست مصر) أنتجتْ فيلمًا بديعًا عن هذه الفيلسوفة المصرية بعنوان (أجورا فوبيا) لذا أتمنى تحويل هذه الرواية إلى عمل سينمائى من سيناريست ومخرج مصرييْن ينتميان للديانة المسيحية.
والفصل العاشرمن رواية (شطحة روائية) للأديب محسن يونس الذى تناول فيها شخصية اللواء محمد نجيب..وتمكــّـن الكاتب من الغوص داخل تلك الشخصية بعد تحديد إقامته لمدة 29سنة وحديثه مع القطط والكلاب وتذكره لما حدث وكيف ولماذا حدث..وقد اعتمد على الفانتازيا لإعادة تركيب الصورة فكتب رواية مُمتعة..ونقل حياة نجيب من زنزانة الواقع إلى رحابة الفن على أجنحة الخيال. لذا أرشحها لتحويلها لعمل سينمائى نظرًا لما فيها من عناصرالتراجيديا الإنسانية.
والفصل الحادى عشرمن رواية (مسيح بلا توراة) للكاتب أسامة حبشى الذى تصوّراللحظة التى قرّرفيها محمد بوعزيزى حرق نفسه..وهوالفعل الذى أشعل نارالثورة التونسية..وتتميّزهذه الرواية بالمزج بين الواقع والخيال، فنرى شهرزاد فى صورة عصفورة تتحدث مع شخصيات الرواية..كذلك شخصية (العرّافة) وفق تاريخها الأسطورى عن التنبؤ..وإذا كانت الثورة بدأتْ بالوهج المُشع من جسد بوعزيزى، فإنّ ناصرفى الرواية المولع بفن السينما يستعد ليكون فيلمه الجديد بعنوان (وهج البرتقال) كما أنّ الكاتب غاص داخل أسرة البوعزيزى وتاريخ الأحياء التى عاش فيها وطفولته وأحلامه، بحيث أنّ من يقرأ الرواية يعتقد أنّ كاتبها تونسى وليس مصريًا. ولأنّ الكاتب له تجارب فى كتابة سيناريوالأفلام، جاءتْ روايته لصيقة بفن السينما. لذا أرشحها لعمل فيلم سينمائى..ويا حبّذا لوكان إنتاجًا مشتركـًا بين تونس ومصر.