القاهرة 14 مايو 2019 الساعة 01:27 م
كتبت: د. هـنـاء زيــادة
رغم مرور السنوات؛ إلا أن حرب العاشر من رمضان ـ السادس من أكتوبر 1973م، مازالت تزخر بالبطولات والقصص التي ستظل ذكراها خالدة على مر التاريخ العسكري والإنساني، إحدى هذه البطولات تحدثت عنه معظم صحف العالم، وسجلتها الموسوعات الحربية بإعتبارها قصة أشهر صائد دبابات فى العالم، إنه المجند المصرى البطل "محمد عبد العاطي عطية شرف"، الملقب بـ"صائد الدبابات"، بعد أن دمر بمفرده نحو 30 دبابة ومدرعة إسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973، وكان أول فرد فى مجموعته يعبر خط برليف الذي وصفه العدو بالحائط المنيع الذي يصعب إختراقه ويحتاج لقنبلة ذرية لتفتيته، لكن مصر ومعها الأحرار من شقيقاتها من دول الأمة العربية لقنوا إسرائيل درسا لن تنساه، وغيرت مصر بفضل رجالها الأبطال أسطورة تفوق إسرائيل بسبب الدعم العسكرى الأمريكى الذى أراد أن يكون لها الذراع الطولى فى المنطقة، لكن قطعت تلك الأذرع للأبد.
حرب أكتوبر حملت بين طياتها العديد من القصص لأبطال سطَّروا أسماءهم بحروف من نور في تاريخ مصر، وكان الرقيب أول محمد عبدالعاطي نموذجًا للمقاتل العنيد الشجاع الذي أذاق عدوه مرارة الهزيمة، وُلِدَ فى قرية (شيبة قش) بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، فى الـ15 من ديسمبر من العام 1950، التحق عام 1961 بكلية الزراعة، وعمل مهندسًا زراعيًّا في منيا القمح، وله 3 أولاد وبنت، وسمى ابنه الأول وسام اعتزازًا بوسام نجمة سيناء الذي حصل عليه قبل مولده بعامين، حيث حصل عبدالعاطي علي نجمة سيناء من الطبقة الثانية، إذ كان أول فرد من مجموعته يتسلق الساتر الترابي خط بارليف، يوم السادس من أكتوبر، ويعتبر عبد العاطى يوم 8 أكتوبر يومًا مجيدًا للواء 112 مشاة وللكتيبة 35 مقذوفات وله هو على المستوى الشخصي، حيث قام بإطلاق أول صاروخ والتحكم فيه بدقة شديدة حتى لا يصطدم بالجبل، ونجح في إصابة الدبابة الأولى، وبلغ رصيده فى ذلك اليوم تدمير 7 دبابات في نصف ساعة.
يقول عبدالعاطى فى مذكراته: التحقت بسلاح الصاعقة، ثم انتقلت إلى سلاح المدفعية، لأبدأ مرحلة جديدة من أسعد مراحل عمرى بالتخصص في الصواريخ المضادة للدبابات، وبالتحديد في صواريخ الـ "فهد" الذي كان وقتها من أحدث الصواريخ المضادة للدبابات التي وصلت للجيش المصري، وكان يصل مداه إلى 3 كيلومترات، وكان له قوة تدميرية هائلة. هذا الصاروخ كان يحتاج إلى نوعية خاصة من الجنود، قلما تجدها من حيث المؤهلات ومدى الاستعداد والحساسية وقوة التحمل والأعصاب؛ نظرًا لما تتطلبه عملية توجيه الصاروخ من سرعة بديهة تعطي الضارب قدرة على التحكم منذ لحظة إطلاقه وحتى وصوله إلى الهدف بعد زمن محدود للغاية؛ لذلك كانت الاختبارات تتم بصورة شاقة ومكثفة. وقبل الانتهاء من مرحلة التدريب النهائية انتقل عبد العاطي إلى الكيلو 26 بطريق السويس، لعمل أول تجربة رماية من هذا النوع من الصواريخ في الميدان ضمن مجموعة من 5 كتائب، وكان ترتيبه الأول على جميع الرماة، واستطاع تدمير أول هدف حقيقي بهذا النوع من الصواريخ على الأرض.
تم اختيار البطل (محمد عبدالعاطي) لأول بيان عملي على هذا الصاروخ أمام قائد سلاح المدفعية اللواء (محمد سعيد الماحي)، وتفوق والتحق بعدها بمدفعية الفرقة 16 مشاة بمنطقة بلبيس، التي كانت تدعم الفرقة بأكملها أثناء العمليات، وبعد عملية ناجحة لإطلاق الصاروخ تم تكليفه بالإشراف على أول طاقم صواريخ ضمن الأسلحة المضادة للدبابات في مشروع الرماية الذي حضره قيادات الجيش المصري بعدها تمت ترقيته إلى رتبة رقيب مجند. وكان رقيب أول سريته وكانت مهمته تأمين القوات المترجلة واحتلال رأس الكوبرى وتأمينها حتى مسافة 3 كيلو مترات. بحسب مذكراته الشخصية، فقد انتابته موجة قلق فى بداية الحرب فأخذ يتلو بعض الآيات من القرآن الكريم.
وكتب فى مذكراته أن يوم 8 أكتوبر 1973 كان من أهم أيام اللواء 112 مشاة وكانت البداية الحقيقية عندما أطلق صاروخه على أول دبابة وتمكن من إصابتها. في يوم 9 أكتوبر، بدأ بإطلاق أول صاروخ فى ذلك اليوم وأصاب به دبابة، وحاولت الدبابة التالية أن تبتعد عن الخط الذى كانوا يسيرون فيه، ثم توالت صواريخ عبد العاطى وبدأ فى اصطياد باقى الدبابات واحدة تلو الأخرى، حتى بلغ رصيده في هذا اليوم 17 دبابة. وفى 10 أكتوبر، فوجئ مركز القيادة بإشارة من القائد أحمد أبوعلم قائد الكتيبة 34، حيث هاجمتها ثلاث دبابات إسرائيلية، وتمكنت من اختراقها، وكان عبد العاطي قد تعوّد على وضع مجموعة من الصواريخ الجاهزة للضرب بجواره، وقام بتوجيه ثلاثة صواريخ إليها فدمرها جميعًا، كما استطاع اصطياد إحدى الدبابات التي حاولت التسلل إليهم يوم 15 أكتوبر، وفي يوم 18 أكتوبر، دمر دبابتين وعربة مجنزرة ليصبح رصيده 27 دبابة و3 مجنزرات.
توفى البطل (محمد عبدالعاطي) فى 9 ديسمبر عام 2001م الموافق 24 رمضان 1422 هـ، بعد أن سجل اسمه كأشهر صائد دبابات في العالم، وكمقاتل مصري شجاع أذاق العدو مرارة الهزيمة، وجلب لوطنه النصر الغالي.