القاهرة 19 فبراير 2019 الساعة 10:48 ص
د. حسين عبد البصير
تهتم مكتبة الإسكندرية العالمية اهتمامًا كبيرًا بعلوم المخطوطات؛ إذ تضم المكتبة بين صروحها العظيمة متحفًا للمخطوطات من أروع ما يكون ومركزًا للمخطوطات يعد من أهم المراكز العلمية في هذا التخصص في مصر والعالم العربي والعالم أجمع. ويعد مركز المخطوطات بالفعل منارة علمية كبرى. وفي الفترة الأخيرة، أصدر مركز الخطوط التابع لقطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية العالمية دورية علمية سنوية محكمة جديدة وبديعة تحت اسم "علوم المخطوط". ولقد وُلدت هذه الدورية عملاقة منذ البداية.
ويقول المفكر السياسي الكبير والمثقف الموسوعي ومدير مكتبة الإسكندرية الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي رئيس مجلس إدارة الدورية مقدمًا هذه الدورية الجديدة :"تستكمل مكتبة الإسكندرية الجديدة رسالة المكتبة القديمة في صناعة ونشر المعرفة وكونها مركزًا للتميز، ومكانًا للتفاعل بين الشعوب والحضارات. ومن هذا المنطلق واستكمالاً لدور المكتبة القديمة يحيي مركز المخطوطات بقطاع التواصل الثقافي تقليدًا رئيسًا كان متبعًا قديمًا... وها هو مركز المخطوطات بالمكتبة الجديدة يُعيد مجدًا تليدًا بإصداره دوريةً متخصصة في علوم المخطوط تهتم بكل ما يتعلق بالتراث المخطوط فهرسةً وتحقيقًا وترجمةً، بالإضافة إلى النُّقود والتعقبات التي تتم ردًّا على دراسات سابقة".
ويضيف رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية والمشرف العام على الدورية الدكتور محمد سليمان في تقديم الدورية :"تصدر هذه الحولية التراثية تتويجًا لمجهودٍ شاق، وعمل مضنٍ لمركز المخطوطات استمر على مدار سنوات عدة في العمل بعلوم الكتاب المخطوط والحفاظ على التراث المخطوط، ولا يخفى على المتخصصين أنَّ علوم المخطوط العربي لا تزال بحاجة إلى الدراسة والبحث الدقيق، وأن الحفاظ على المخطوطات به من الجهد والمشقة ما لا يُستهان به".
ويقول مدير مركز الخطوط ورئيس تحرير "علوم المخطوط" الدكتور مدحت عيسى في افتتاحية العدد من الدورية :"وقد جاء العدد الأول مناصرًا لآمالنا في أن تكون موضوعات العدد متنوعةً، وبلُغتين على الأقل (العربية، والإنجليزية)، وقد آثرنا أن تكون الملخَّصات جميعها باللغتين العربية والإنجليزية؛ حتى يقف القارئ غير العربي على محتوى البحوث العربية."
وتضم الهيئة الاستشارية لتحكيم هذه الدورية كوكبة من العلماء المتميزين في تخصصاتهم في مصر والعالم العربي والعالم. ويضم العدد الأول من دورية "علوم المخطوط" عددًا متميزًا من الأبحاث في الأبواب التالية: الدراسات الكوديكولوجية ودراسات التحقيق والفهرسة والمتابعات والأعمال النقدية ودراسات منجز الشخصيات التراثية ودراسات بلغات أجنبية لمجموعة من الباحثين المصريين والأجانب.
وجاء بحث د. سامح فكري البنا، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية المساعد بقسم الآثار بكلية الآداب بجامعة أسيوط، تحت عنوان "علم الجمال وعلاقته بفنون الكتاب المخطوط: تطبيقًا على نماذج جديدة منتقاة من المخطوطات الإسلامية". ويهدف الباحث من خلال دراسة هذا الموضوع توضيح الرابط بين علم الجمال – وهو علم فلسفي يبحث في شروط الجمال ومقاييسه ونظرياته فضلاً عن تفسيره طبيعة الجمال تفسيرًا فلسفيًا – وفنون الكتاب المخطوط. وهي تلك الفنون التي ازدهرت بشكل كبير خلال العصور الإسلامية، وأنتجت تراثاً هائلاً من المخطوطات الإسلامية ذات جماليات واضحة. وانتهت الدراسة بالخاتمة التي تضمنت نتائج الدراسة، فضلاً عن نشر ستة عشرة لوحة منها ثماني لوحات تنشر لأول مرة في هذه الدراسة
وجاءت دراسة جُنُفيَف أُمبير "الورق غير ذي العلامة المائية المستخدم في الشرق الأدنى حتى سنة 1450 ميلادية (853 هجرية): محاولة تصنيفية" بترجمة د. محمد عبد السميع لتركز على الأوراق الموجودة في المخطوطات المنسوخة حتى سنة 1450 ميلادية (853 هجرية) والمحفوظة في مجموعات المكتبة الوطنية الفرنسية، خاصةً المخطوطات العربية والفارسية. وقد سُمِح باستخدام اثنى عشر نوعًا من الورق، أتاح اثنان منهما بالفعل وضعَ فرضياتٍ جادة حول مكان تصنيعهما والمدة الزمنية لاستخدامهما؛ إذ نجد أحدهما في الغالب في المخطوطات المنسوخة في مصر (سواء المخطوطات الإسلامية أو المسيحية) بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد (السادس والثامن للهجرة). أما النوع الآخر الذي لم يسبق أن اُستدلَّ عليه إلى الآن، فيدخل ضمن العديد من مخطوطات المكتبة الوطنية الفرنسية، تلك المنسوخة في بلاد فارس وأذربيجان ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد (الخامس والسادس للهجرة).
وجاء بحث البروفسور بيتر بورمان "فهرسة المخطوطات العربية في عصر الرقمنة: تجارب مانشستر الأخيرة، وخوارج النص نموذجاً" بترجمة د. حمود عبيد لتوضح أن انتشار التقنيات الرقميةَ يَعِدُ بإحداث ثورة في عالم فهرسة المخطوطات. وتتزامن هذه الثورة مع تحول في اهتمام الدارسين الذين غدوا يوجهون المزيد من اهتمامهم إلى الجانب المادي والملموس للمخطوطات؛ بحيث أصبح المخطوط بذاته ساحة للدرس والنقاش. غير أن هذه التطورات سوف تؤثر في مجال دراسات المخطوطات العربية، ولكنها في الوقت نفسه تطرح على الساحة تحديات وأسئلة عميقة. فعلى سبيل المثال، ما النقاط الأساسية التي ينبغي تضمينها في مداخل الفهارس؟ وما معايير بيانات التعريف (metadata) التي يجب أن تُعتمد؟ وكيف لنا أن نضمن التوافق والقدرة على العمل المشترك بين المعايير والأنظمة الرقمية المختلفة؟
وفي هذه المقالة يقدم الباحث رأيه في هذه القضايا من خلال خبرته الشخصية في السنوات الأخيرة، بدءًا من المشروع المموَّل من المجلس الأوربي للدراسات والذي كان يهدف لدراسة «الشروح العربية على كتاب الفصول لأبقراط»، وانتهاءً بالمشروع الأول لفهرسة المخطوطات المكتوبة بالأحرف العربية في مكتبة بايليو في جامعة ملبورن الأسترالية. وفي هذا السياق يقدم ملخصًا للطريقة التي اتبعها في اعتماد الأسلوب الحديث في إنشاء فهارس المخطوطات والمسمى بـ«مبادرة ترميز النصوص» أو ما اصطلح عليه بالاسم المختصر «متن» بعد مقارنته بطرق الفهرسة.