القاهرة 05 فبراير 2019 الساعة 11:53 ص
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
في علم الأحياء يعتبر الانقراض هو نهاية مجموعة كائنات حية من نفس النوع، وتعد اللحظة التي يموت فيها آخر أفراد هذا النوع هي لحطة الانقراض. وفي أركان نائية من كوكبنا الأرض، ثمة بعض النباتات المهددة بالانقراض بدرجة حرجة.
هذه النباتات الغريبة والمدهشة أكثر النباتات المهددة بالانقراض بشكل حرج، وفي بعض الأحيان، انخفض عدد بعضها ليكون أقل من أصابع اليد الواحدة، وقد لا تكون هذه النباتات مثيرة أو معروفة جيدا مثل الحيوانات المهددة بالانقراض، لكنها بنفس الأهمية بالنسبة للنظام البيئي، بعض هذه النباتات يعيش في أماكن نائية من الكرة الأرضية وهو ما يجعل الوصول اليها أمرا صعبا جدا، وبالرغم من ذلك فإن كونها مهددة بالانقراض يعود لتدمير مناطق نموها أو جمعها بشكل غير قانوني بغرض بيعها أو استخدامها في مجالات مختلفة، أو التنافس بينها وبين أصناف أخرى تغزو بيئتها.
ومن بين أكثر أنواع النباتات المهددة في يومنا هذا بالانقراض وبدرجة حرجة طبقا للتصنيف الذي أعده الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، نجد: النخلة الانتحارية (والمعروفة علميا باسم: تاهينا سبكتابيليز)، وهي عبارة عن شجرة نخيل عملاقة تنمو في بقاع نائية شمال غربي جزيرة مدغشقر، وتعمر تلك النخلة لمدة 50 سنة، ثم تورد مرة واحدة فقط لتموت بعدها بفترة قصيرة, تم اكتشاف النخيل الانتحارية عام 2005 من قبل مدير لمزرعة نباتات الجوزيات خلال جولة عائلية، وتم وصفها رسمياً باسم النخيل الانتحارية عام 2008 نتيجة إرسال صور فوتوغرافية إلى حدائق كيو في المملكة المتحدة للتعرف عليها، ويصل الجذع فيها إلى ارتفاع 18 متراً وتنتشر أوراقها الضخمة فوق مسافة تصل إلى 5 أمتار، ويوجد منها قرابة 90 نخلة فقط في البرّية, وينمو هذا النوع من النخيل عند سفح تلال الحجر الجيري في منطقة قاحلة للغاية خلال موسم الجفاف، ولكنها منطقة فيضانات خلال موسم الأمطار، ويشتبه في أن هذه الأنواع كانت وفيرة في وقت ما في الأراضي الرطبة، ولكن بسبب انخفاض رطوبة تلك الأراضي وزيادة الحرائق البرية، فتراجعت هذه الأنواع بصورة كبيرة وأصبحت من ضمن النباتات مهددة بالانقراض، وقد تم إرسال بذور هذه النخيل إلى 11 حديقة نباتية حول العالم على أمل أن تنمو النخلة وتعيش، حيث أرسلت البذور إلى حدائق في دول من بينها الولايات المتحدة وأسبانيا واستراليا وجنوب أفريقيا وسنغافورة وأندونيسيا.
من النباتات المهددة بالانقراض أيضا، نجد نبتة "كرة الغولف" (المعروفة علميا باسم: مامِّلّاريا هيريري) والتي يوجد ما تبقى منها فقط في جبال كويريتارو بالمكسيك, وهي نبتة صبار صغيرة تميل إلى البياض وتشبه كرة الغولف وقد جعلتها زهرتها الوردية الجميلة ذات شعبية بين أزهار البساتين، وللأسف يتم جمع العديد من هذه النبتة البرية بشكل غير قانوني، ونتيجة لذلك انخفض عددها بنسبة 95% خلال العشرين سنة الأخيرة، مما جعلها مهددة بالانقراض. وكذلك نبات "إبريق أتنبره" (وهو معروف علميا باسم: نيبينثيس أتنبرويي)، ورغم كونه ينمو قرب منطقة يتعذر الوصول إليها نسبياً، حيث يوجد فوق قمة جبل فكتوريا في بالاوان بدولة الفلبين، وتشير بعض الدراسات إلى أن المتبقي منها هو بضع مئات فقط, والمثير في الأمر أن نبات الأبريق يُصنف باعتباره من النباتات آكلة اللحوم، حيث تتصيد الحيوانات في أوعية مملوءة بسائل وتشبه الأباريق, وهو واحد من أكبر هذه النباتات حجماً، حيث يصل ارتفاع جرّته إلى 30 سم، ويستطيع أن يصطاد الحشرات والجرذان، حيث يوجد بداخلها كمية من السوائل التى تحتوي على إنزيمات هاضمة، ولها غطاء شمعي دائم له وظيفتين أساسيتين: الأولى حماية الجرّة من ماء المطر المتساقط، والثانية اجتذاب الحشرات لغدد الرحيق الموجودة في أسفل الجرّة، وتحاط حافة الجرّة بأضلاع بارزة تتدلى حوافّها الحادة للداخل، وتوجد غدد الرحيق بين هذه الأضلاع، ونجد أن الحافة ملساء ناعمة وكذلك الجزء الداخلي للجرة؛ وبالتالى لا توجد فرصة للحشرة في الوقوف والهروب من الجرة فتسقط داخل الفخ وتقع في السائل الموجود في الأسفل فتموت وتهضم وتتحول إلى غذاء سهل بالنسبة لهذه النباتات، ولم تُكتشف هذه النباتات إلا في عام 2007 عندما قام فريق من علماء النباتات بتسلق جبل فكتوريا ليكتشفوا هذا النبات المثير والغريب، وقد سُمي النبات بهذا الاسم تيمُّناً بمقدم البرامج التلفزيونية البريطاني والمولع بالتاريخ الطبيعي "ديفيد أتنبره".
شجرة الباوباب التي في إفريقيا الاستوائية والهند ومدغشقر، تتعرض أيضا تدريجيًا لخطر الانقراض، إذ تفتقر إلى أوراقها في وقت طويل من السنة، كما يتراكم الماء في جذعها، وتشتهر بإنتاجها فاكهة تعرف باسم فاكهة القرد, أما نبات "فليفيتشيا ميرابيلس" الذي ينمو في جنوب أفريقيا، فهو من النباتات الصحراوية الغريبة التي تعيش لأكثر من ألف عام، يتكون من ورقتين تتشابكان بمجرد أن ينمو النبات، لكنه صار مهدداً بخطر الانقراض أيضا, وكذلك زهرة "رافليسيا" المعروفة باسم زهرة الجثة، بسبب إنتاجها رائحة قوية كرائحة اللحم المتحلل، وتعتبر أكبر زهرة في العالم، إذ يصل قطرها لمتر ووزنها لـ11 كيلوجرامًا، كما أنها لا تحتوي على جذور ولا أوراق ولا سيقان، وتعيش على التطفل على النباتات المحيطة بها مثل الفطر.
أما شجيرة "قنديل البحر" (والمعروفة علميا باسم: ميدوساغين أو بوزيتيفوليا) فقد انقرضت حتى أعيد اكتشافها عام 1970، وربما استمدت تلك الشجيرة اسمها من ثمرتها التي تشبه عند شقّها قنديل البحر، وتعد تلك النبتة هى العضو الوحيد الذي لا يزال حياً من العائلة النباتية مدوساغيناسيا، وتنمو على جزيرة "ماهي" التي تقع ضمن مجموعة جزر السيشل في المحيط الهندي، ويوجد ما يقرب من 86 من شجيرات قنديل البحر كاملة النمو في البرّية، ولكنها للأسف لم تعد تنمو مجدداً، فما هو موجود منها هو آخر ما تبقى فحسب.
وذات الأمر يحدث للشجرة المرجانية (والمعروفة علميا باسم: إريثرينا شليبيني)، وهي نوع من النباتات تتبع جنس الحمرية من الفصيلة البقولية، فهى تتميز بزهورها الحمراء الزاهية وجذعها الشوكي، وتنمو فقط في الغابات النائية في الجنوب الشرقي لدولة تنزانيا, وقد اعتبرت شجرة منقرضة في عام 1998، ولكن أعيد اكتشافها في عام 2001 في بقعة صغيرة من الغابات, ومع ذلك فقد كانت تلك البقعة قد أجيزت لزراعة نباتات إنتاج الوقود الحيوي, والمثير في الأمر أنها قد انقرضت مرة أخرى، حتى تم إعادة اكتشافها ثانية في عام 2011، ويوجد منها الآن في البرّية ما لا يزيد عن 50 نبتة كاملة النمو وفي منطقة غير محمية، وهو ما يهدد بانقراضها مجدداً، لكن يبدو أن هذه المرة ستكون إلى غير رجعة أبداً.